الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

لماذا حرف؟ أزمة صحافة.. أم أزمة صحافة ورقية؟

افتتاحية العدد الثانى
افتتاحية العدد الثانى

منذ سنوات اجتمعنا فى الهيئة الوطنية للصحافة، لنناقش أزمة ارتفاع سعر ورق ومستلزمات الطباعة، حاولنا الوصول إلى حل لإنقاذ الديناصور الذى يقف على حافة الانقراض، فرفع سعر الجريدة الورقية لن يفيد، الإقبال عليها بسعرها الحالى ليس مجديًا، فما بالنا برفع السعر دون زيادة فى عدد الصفحات، كان هناك من اقترح أن يزيد السعر ويقل عدد الصفحات... تصوروا؟

لم ننته إلى شىء محدد، تحدثنا عن مصانع محلية للورق يمكن أن تخفف وطأة الاستيراد، وعن تجويد الخدمة حتى نجذب القارئ، وعن السقف الذى يجب أن يرتفع، وعن الكوادر التى تقود المؤسسات الصحفية وضرورة تأهيلها، وعن الدعم الذى يجب أن تقدمه الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلى للصحف من خلال زيادة عدد الاشتراكات بها... ثم اتفقنا على اجتماع آخر لم يأت أبدًا. 

فى هذا الاجتماع تبلورت فكرة مهمة أمامى وهى أننا فى مصر لا نعانى من أزمة صحافة، ولكن الصحافة الورقية هى التى تعانى، الوسيط أصبح عاجزًا، لكن المحتوى ليس كذلك. 

كان السؤال الذى شغلنى: لماذا لا نعمل على تنمية الوسائط الأخرى التى تصل بسهولة إلى القارئ، لدينا المواقع الإلكترونية، ولدينا صفحات شبكات التواصل الاجتماعى، ولدينا الفيديو الذى يمكن أن ينتصر على كل الوسائط بالضربة القاضية، فما نكتبه بآلاف الكلمات يمكن أن يقدمه فيديو لا يزيد على ثلاث دقائق.. ينتشر أكثر ويكون مؤثرًا أكثر. 

خلال السنوات الماضية عملنا على تنمية وسائطنا الإلكترونية حتى توحشت بالقدر الذى التهم تقريبًا كل ما تبقى من الصحف الورقية التى هى بالفعل فى النزع الأخير بسبب عوامل لا يمكن أن نسألها وحدها عنها، ولكن هناك عوامل خارجة عن قدرتها هى التى تحكم وتتحكم وتحدد السوق الجديدة للمحتوى الصحفى. 

كانت لدىّ فكرة امتلكت على تفكيرى، فأنا واحد ممن تربوا فى مطابخ الصحف الورقية، ما زلت أستمتع وأنا أجلس لأرسم الصفحة الأولى، أقف أمام شاشات الكمبيوتر لأتابع تنفيذها، أعتبر ما نقوم به أنا وزملائى عملية خلق متكاملة، نبعث من خلالها الروح فى الأوراق الصامتة، نمنحها ألوانًا وصورًا وتصميمًا، يحيلها من سطح أبيض محايد لا موقف له إلى كائن حى يتنفس ويتحرك ويشاغب ولا مانع أن يجامل أحيانًا.. فالجريدة الورقية عندى كائن حى متكامل، لا ينقصه شىء إلا أن ينطق. 

كانت فكرتى أن نقوم بإصدار صحيفة فى شكل ورقى ننشرها عبر وسيط إلكترونى، سبقنى إلى ذلك زملاء آخرون فى مؤسسات صحفية عريقة، فعندما تم إغلاق الصحف المسائية تحولت إلى صحف إلكترونية بنفس شكلها، لكن يبدو أن ذلك تم اضطرارًا وليس عن قناعة، كان هذا هو البديل المتاح. 

لم أكن مضطرًا لإصدار «حرف» الجريدة الثقافية الإلكترونية الأولى فى مصر، كنت مستمتعًا تمامًا ونحن نفعل ذلك، وزادت من قناعتى بأن نكمل بها مشوارًا طويلًا ردود الأفعال على العدد الأول، خاصة أننا أنتجنا عددًا بأفران الصحافة الساخنة، أخذنا من الثقافة سبيلًا إلى الوصول إليكم، فلا تزال الثقافة هى التجلى الأعظم لمصر وتاريخها وحضارتها وواقعها ومستقبلها. 

إننا أمام تجربة يمكن أن تكون علاجًا نفسيًا لمن يتنفسون هواء الصحف الورقية المعطر بأحبار المطابع لكن دون أحبار حقيقية، وفى الوقت نفسه تصل إلى أكبر عدد من القراء، فليس عليك إلا تصفح الجريدة فى شكلها الجديد، فغاية الكاتب أن يكون مقروءًا، وليس مهمًا لديه الشكل الذى ستكون عليه هذه القراءة. 

لقد بدأنا وأعتقد أننا سنعيد للكلمة المكتوبة حقها فى الانتشار.. سنجعل من «حرف» ساحة كبيرة للنقاش والحوار والإبداع.. لقد فتحنا الباب وليس عليكم إلا الدخول إلى عالم مدهش وبراق وساحر.. إنه عالم الصحافة المنطلقة بعيدًا عن حديث الوسائط العقيم.