الجمعة 31 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

وثيقة مريبة.. هل رفض الأدباء المصريون ترشيح نجيب محفوظ لنوبل؟

حرف

- وثيقة: عبدالمعطى حجازى وفريدة الشوباشى رفضا ترشيحه لصالح توفيق الحكيم

- بنصغير عبداللطيف: هو الأحق.. وطه حسين تنبأ له بمستقبل باهر فى عالم الكتابة

بمنشور مقتضب على صفحته الشخصية فى موقع «فيسبوك»، أعاد الشاعر والروائى اللبنانى، الدكتور شربل داغر، فتح ملف ثقافى ظل طىّ النسيان لعقود، يتعلق بترشيح الروائى المصرى نجيب محفوظ لنيل جائزة نوبل فى الآداب، وما أثاره ذلك من جدل داخل الأوساط الأدبية العربية فى ثمانينيات القرن الماضى.

وكشف «داغر» عن مقال نشره عام 1985 فى مجلة «كل العرب»، الصادرة من باريس، رشّح فيه محفوظ للجائزة العالمية، قبل أن تُمنح له فعليًا بثلاث سنوات، غير أن هذا الترشيح، كما يروى الشاعر اللبنانى، قوبل آنذاك برفض من عدد من الكتّاب المصريين والعرب، الذين رأوا أن توفيق الحكيم هو الأجدر بها، ومن بينهم الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى والإعلامية فريدة الشوباشى.

شربل داغر يفجر القضية

المقال الذى نشره الدكتور شربل داغر علّق عليه بقوله: «عثرت بالصدفة، يوم أمس، على مقال ضاع بين محفوظاتى، وكتبته فى زاويتى الأسبوعية، فى مجلة (كل العرب) بباريس فى عام ١٩٨٥، وكنت أرشح فيه نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب».

وأضاف «داغر»: «عند نُشر المقال وقتها اعترض أكثر من كاتب مصرى، مثل أحمد عبدالمعطى حجازى، وفريدة الشوباشى وغيرهما على هذا الترشيح، بحجة أن توفيق الحكيم هو الذى يستحقها.. ومن المعروف أن محفوظ فاز بالجائزة فى العام ١٩٨٨، ولهذا حكاية أخرى».

وتباينت ردود الأفعال على ما طرحه «داغر»، بين مؤيد ومعارض. ومن بين المعارضين الناقد المغربى، بنصغير عبداللطيف، الذى أشار إلى أن «محفوظ» سبق أن نال ترشيحات مبكرة من رموز أدبية كبرى، وعلى رأسهم طه حسين، الذى أثنى عليه فى إحدى محاضراته أمام طلبته، متأثرًا بروايته «القاهرة الجديدة»، قائلًا: «قرأت لكاتب شاب وسيكون له شأن كبير، وقد شدتنى روايته حتى إننى كنت أفكر فيها وأنا فى مشاغلى اليومية، وفى شوق لإكمالها حتى أعود وأتابع القراءة».

واليوم، مع عودة هذا السجال إلى الواجهة، يُعاد النظر فى مواقف ثقافية سابقة، ونحتاج للإجابة عن سؤال جوهرى: لماذا رفض بعض الكتّاب المصريين ترشيح نجيب محفوظ لـ«نوبل»؟ كما يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول معايير التقدير الأدبى، وتباين الرؤى النقدية بين الأجيال والتيارات الفكرية فى العالم العربى.وتواصلت «حرف» مع الشاعر والروائى اللبنانى، الدكتور شربل داغر، لسؤاله حول كواليس الاعتراض على ترشيح نجيب محفوظ لجائزة «نوبل»، فقال إن الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى كان صديقًا عزيزًا، وكانا على تواصل دائم حين كانا يقيمان فى باريس، وكذلك الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى، التى كانت تعمل آنذاك فى راديو «مونت كارلو».

وأوضح «داغر» أن اعتراض «حجازى» و«الشوباشى»، إلى جانب عدد من الكتّاب المصريين والعرب، لم يكن تقليلًا من قيمة نجيب محفوظ أو تعظيمًا لتوفيق الحكيم، بل كان نابعًا من وجهة نظر ترى أن صاحب «عصفور من الشرق» هو الأسبق تاريخيًا فى إدخال الحداثة إلى الأدب العربى والمصرى، مضيفًا: «الأسبقية هنا كانت زمنية وليست موضوعية».

وواصل: «لم يكن الاعتراض موقفًا عدائيًا، بل رأيًا نقديًا يرى أن توفيق الحكيم هو الأجدر بالترشيح للجائزة، باعتباره- وفقًا لرؤيتهم- أول من مهّد الطريق للحداثة الأدبية فى مصر»، مشيرًا إلى أن «الاعتراض لم يقتصر على حجازى والشوباشى، بل كان هناك عدد من المثقفين الذين تبنوا الرأى ذاته».

وفى مقاله المنشور بمجلة «كل العرب» عام ١٩٨٥، كتب «داغر»: «أضم صوتى لكل من ينادى بترشيح الروائى المصرى نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب. ألا أكون صوتًا صارخًا فى البرية؟ لماذا لا تقدم جهة ثقافية غير رسمية، عربية أو مصرية، إلى افتتاح مثل هذه الحملة؟ هذا ما تقوم به راهنًا أكثر من جهة ثقافية فى البرازيل لصالح أحد شعرائها الكبار».

وأضاف: «لا حرج فى الأمر. هل يمنعنا كبرياؤنا وعزة النفس والأنفة عن مثل هذه المطالبة؟ هناك حق فى العالم، وهناك موازين قوى أيضًا (ما رأيكم بهذه النظرة الثاقبة والصائبة؟). هذا يصح فى فلسطين، كما فى جوائز نوبل».

وواصل: «لا يكفى أن تكون صاحب حق، ولا أن تطالب به فحسب، بل عليك أن تكلف محاميًا أيضًا بهذه المهمة، هذا ما يقوله لنا أى محامٍ للدفاع، أو للشيطان أو لنوبل.. الأكاديمية الملكية السويدية ليست منزهة تمامًا عن الضغوطات والحملات، وليست صماء عما يقولون هنا وهناك».

وأكمل: «أما عن نجيب محفوظ، فهو الأبرز والأجدر والأقدر على استحقاق هذه الشهادة العالمية، حسبما أرى طبعًا. فلا أحد بين الأدباء العرب يضاهيه فى التعبير عن لون محلى بصورة إنسانية، تقر بها العالمية المطلوبة. ولا أحد بينهم بلغ شأنه فى بناء هذه العمارة الأدبية الهائلة، لا فى الرواية، ولا فى الشعر».

واختتم شربل داغر مقاله قائلًا: «لن أعترض أبدًا على هذا التكريس العالمى، فيما لو حصل، لا بل سأهلل له، مثل كثيرين من العرب دون شك. عسى أن تتحقق أمنيتى هذه، فنضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: نكرم نجيب محفوظ الجدير بمثل هذا الاستحقاق، ويتوقف الغرب عن التعذيب الذاتى أدبيًا والتنديد بالصهيونية العالمية، وينصرف الأدباء العرب من مقاهى الثرثرة إلى محترفات الأدب الهادئة والمنعزلة والسرية والحنونة».

عبدالمعطى حجازى يرد

من جهته، نفى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى ما ورد على لسان شربل داغر بشأن اعتراضه على ترشيح نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب، قائلًا: «هذا الكلام غير صحيح بالمرة».

وتساءل «حجازى» مستنكرًا: «هل يُعقل أن يعترض حتى قارئ، وليس كاتبًا أو شاعرًا، على استحقاق نجيب محفوظ للجائزة؟! وبأى حق أعترض؟ هل أنا عضو فى لجنة تحكيم نوبل؟».

وفى تعقيبه على ما ذكره «داغر» من أن الاعتراض على ترشيح محفوظ لصالح توفيق الحكيم لا يُعد تقليلًا من شأن صاحب «أولاد حارتنا»، أو تعظيمًا لمؤلف «أهل الكهف»، قال «حجازى»: «لم أناقش المسألة من حيث الاستحقاق، لكننى بالفعل قلت إن توفيق الحكيم أسبق تاريخيًا فى المسلك الحداثى بالأدب المصرى مقارنة بمحفوظ».

وشدد على رفضه ما نُسب إليه، مبينًا: «لا أصدق إطلاقًا أننى اعترضت على حصول نجيب محفوظ على الجائزة»، مضيفًا: «أما القول بأن توفيق الحكيم يستحق نوبل، فهو صحيح، وطه حسين أيضًا يستحقها، وهناك أكثر من كاتب مصرى جدير بالجائزة، وفى مقدمتهم نجيب محفوظ».

واختتم «حجازى» تصريحاته مؤكدًا: «الجميع يعلمون مدى احترامى وتقديرى وإعجابى بنجيب محفوظ، وبكبار الأدباء والشعراء المصريين الذين يستحقون هذا التكريم العالمى».

رد من فريدة الشوباشى

استنكرت الكاتبة الكبيرة فريدة الشوباشى ما ذهب إليه الشاعر الأكاديمى اللبنانى، شربل داغر، من أنها اعترضت على ترشيح نجيب محفوظ لجائزة «نوبل» العالمية للآداب.

وقالت فريدة الشوباشى: «ما كتبه شربل داغر كاذب جملة وتفصيلًا، ولم يسبق لى أن اعترضت على ترشيح نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب، لصالح توفيق الحكيم، على العكس، لم أحب الحكيم يومًا».

وأضافت: «نجيب محفوظ العظيم كان أستاذى، بل وقد أرسل لى برقية وقت قضيتى، قال فيها (أرفض حجز صوت فريدة الشوباشى عن ملايين المستمعين، وأنا واحد منهم)».

وأكملت: «لم يحدث فى عمرى، وقد بلغت السادسة والثمانين، أن أنكرت شيئًا قلته، لكن أن يدّعى علىّ أحد بما لم أقله، فهذا غير صحيح بالمرة، وأكذبه مليون مرة، ولو هو واثق من أننى قلت ما يفيد الاعتراض على ترشيح نجيب محفوظ لجائزة نوبل فليظهره، ليظهر ما يؤكد ادعاءه عن اعتراضى على ترشيح محفوظ لنوبل، فلا يمكن أن أقول مثل هذا الكلام».