أين ذهب من قال عنهم جمال الغيطانى فى 1994: «20 كاتبًا.. هديتنا إلى مصر»؟
المختفون أبناء نجيب محفوظ الشرعيون.. أبواب مغلقة ونوافذ لا تفتح إلا قليلًا (2)
يتبقى من القائمة كل من: على محمود البرعى وعلاء البربرى وأحمد عبدالحميد، وعاطف عدلى عبدالرحمن ومحمد محمود أحمد على، وكريم يوسف شحاتة ورجب محمد عبدالجليل، وعزة أحمد أنور وأحمد غريب وإيمان العمرى، وشرف الدين عبدالحميد وياسر محمد عبدالفضيل.
عند هذه النقطة، لم يعد البحث ممكنًا بالطرق التقليدية، فكان لا بد من اللجوء إلى مسار مختلف، وهو شبكة الأصدقاء والمعارف. قبل ذلك، كان العامل الأول أن أضع يدى على القائمة نفسها، النسخة الأصلية التى تضم الأسماء والقصص الفائزة، فتواصلت مع أحمد أبوخنيجر وعصام راسم فهمى ومحمد بركة، وجميعهم من أبناء المسابقة، وكان الرهان أن يحتفظ أحدهم بالعدد القديم من «أخبار الأدب».
كانت المفاجأة عند «بركة»، الذى بعث برسالة على «واتس آب» لصفحة يتصدرها الرقم بوضوح، صورة باهتة لكنها كافية لتقودنى إلى الخيط الأول، نقلتها إلى أحد الأصدقاء، ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى عثر على العدد ذاته، هناك، فى صفحات صفراء قديمة، كانت الأسماء والقصص، وكان أيضًا ذلك «المانشيت الشهير»: «٢٠ كاتبًا هديتنا إلى مصر».
عندها فقط بدأت الرحلة الحقيقية، لم يعد الأمر مجرد ذاكرة شخصية أو اقتباس محفوظ، بل وثيقة ملموسة تعيد فتح الطريق نحو الـ٢٠ اسمًا، بين من بقى ومن غاب، رحلة فى أثر جيل كامل، أُعلن عنه فى لحظة احتفاء، ثم تفرّق على دروب مجهولة.
حين تواصلت مع أحمد أبوخنيجر، بدا صوته حاسمًا: «لا أعرف وسيلة للوصول إلى أى من الفائزين، باستثناء أولئك الذين ما زالوا يكتبون وينشرون»، وكانت إجابته أشبه بإغلاق باب، لكنها فى الحقيقة دفعتنى للبحث عن أبواب أخرى.
كنت أعرف أن المحافظات تحتفظ بذاكرتها الخاصة، فى قنا، على سبيل المثال، هناك فتحى عبدالسميع وأشرف البولاقى. وفى سوهاج، محمود رمضان الطهطاوى وآخرون، فالمثقفون المحليون غالبًا ما يكونون خزّان الذاكرة، حراسًا غير معلنين لقصص من مرّوا ولمعوا ثم اختفوا.
اتصلت بأشرف البولاقى. لم يتردد، قال إنه يتذكر بعضًا من الفائزين، ووعد بأن يحاول تتبّع أثرهم. بعد أيام، صدق وعده، فأرسل لى روابط وصفحات، خيوطًا متفرقة فى فضاء الإنترنت، لكنها كانت كافية لفتح الطريق، ومن خلالها تواصلت مع محمد محمود بخيت، الفائز بالمركز السادس.
ومن أديب إلى آخر، تمددت شبكة البحث. كل مكالمة قادت إلى مكالمة جديدة، كل رسالة إلى رابط آخر، حتى وجدت نفسى أمام أكبر عدد ممكن من أولئك الذين توقفوا عن الكتابة بعد مسابقة «أخبار الأدب».
فى الأسطر التالية، تظهر وجوههم من جديد، ومعها الأسباب المتباينة لاختفائهم. بعضها قصص شخصية ثقيلة، وبعضها الآخر حكايات عن خيبات وظروف قاسية، وجميعها ترسم صورة لجيل وُعد بالكثير، لكنه سرعان ما تلاشى بين الأوراق.
أمينة زيدان: توقفت احترامًا للقارئ

أثارت أمينة زيدان، لحظة فوزها بالجائزة الأولى فى مسابقة «أخبار الأدب» بقصتها «حدث سرًا»، دويًا غير مسبوق، حيث تصدرت صورتها وغلاف القصة صفحات الجريدة، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى اسم يتردد فى أوساط المثقفين.
لكنها، بعد كل تلك الضجة، لم تُصدر سوى ٤ كتب فقط: مجموعة قصصية و٣ روايات، بواقع عمل واحد كل ٨ سنوات، وهنا سؤال معلق فى الهواء: كيف للفائزة الأولى، التى تقدمت على ٤٢٠٠ متسابق، أن تصاب بهذا الصمت الطويل؟
حين تحدثت عن بداياتها، بدت «أمينة» وكأنها تستعيد مشهدًا مضى فى لحظة واحدة: «قرأت خبر المسابقة بجريدة أخبار الأدب، كنت قد نشرت فى مجلة إبداع وفى جريدة الجمهورية، ولكن لم يكن أحد يعرفنى، أرسلت ثلاث قصص للمسابقة، ولم أخبر أى شخص لأننى لم أتوقع الفوز».
وتابعت: «حتى اتصل بى الأستاذ مصطفى عبدالله، وكنت أعرفه إذ كان قد زار مكان عملى كصحفى بمؤسسة (أخبار اليوم)، سألنى ماذا لو فزت بالمركز الثانى فأجبته: سأبقى إذن أحاول ولن أغادر مدينتى، فهنأنى بفوزى بالمركز الأول مناصفة، وعندما زرت مقر (أخبار الأدب) التقيت تلك الكوكبة مع حفظ الألقاب، جمال الغيطانى، ومحمود الوردانى، وعزت القمحاوى، وكنت فى العشرينات وقد فاجأهم ذلك، وعرفت أنه ساد اعتقاد أننى فى الثلاثينات مثلًا، وأعتقد أن ذلك حدث لأن بطلة القصة، كانت فى أواخر الثلاثينات».
وعن فكرة القصة الفائزة وكيف جاءت، تقول: «مستوحاة من الواقع، والمكان الذى دارت فيه أحداث القصة كان حقيقيًا، والشخصيات كلها واقعية، ولكن الخيال كان هو من نسج الحدوتة بالكامل».
أما عن إجابتها عن السؤال الأهم: لماذا هذا الإنتاج الضئيل مقارنة بكل هذا الاحتفاء؟، فتقول: «السؤال الصعب لا يحتاج إلى إجابة صعبة، ولكنه يضع المسئول فى موقف المتهم، وعليه أن يدافع عن نفسه، إما بالنفى فيصبح السؤال غير مبرر، وذلك نوع من المراوغة العبثية، أو يصبح علىّ أن أوجه السؤال لنفسى مرة ومرة ومرات».
وتابعت: «على اعتبار أن هناك مشكلة ما يجدر بى ككاتبة أن أعالجها قبل أن أبادر بالجواب، وهنا أحتاج كـ(أمينة) إلى صبر القارئ المفترض لإجابة مطولة يختلط بها الذاتى بالعام، ويتعين علىّ الاستعانة بتجارب سابقة لكتاب وجهت لهم من قبل السؤال نفسه: لماذا بعد كل هذا العمر وتلك النجاحات توقفت عن الكتابة؟، أو لماذا عدد ما أنتج من كتب قليل ولا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة؟».
وأكملت: «تحضرنى هنا إجابات لكاتبين لهما الكثير من الفضل علىّ ككاتبة، أولهما الراحل محمد الراوى الذى قال لى يومًا إنه أنتج هذا القدر من الأعمال وهو يشير إلى المساحة بين إبهامه والسبابة على اعتبار أنها تمثل الحجم المادى لما أنتجه، بينما هناك كتاب آخرون أنتجوا ما يمكنهم الجلوس عليه حرفيًا، قال ذلك بطريقة ساخرة لكن الأمر أخافنى، فقد كانت حصيلتى فى ذلك الزمن البعيد عدة قصص لا تكفى لطبع كتاب صغير».
وواصلت: «أيضًا الكاتب الكبير جمال الغيطانى وجهت له السؤال نفسه، ولم يكن ما قمت بنشره قد تجاوز الكتابين رواية ومجموعة قصصية، إنها الصحافة التى تسرق الوقت الذى لو توفر لأنتجت أعدادًا كثيرة من الأعمال الإبداعية، تلك كانت إجابته عن السؤال ذاته».
وتابعت: «أتذكر أن كاتبة صديقة قالت إنها أنجزت رواية كاملة فى ليلة واحدة وكان هذا محل دهشة لأن كتابة رواية وطباعتها مسألة كانت تتطلب منى خمس سنوات، الآن جاء دورى لتبرير إنتاجى القليل ولماذا لم يصدر لى أى عمل جديد منذ العام ٢٠١١؟».
وحكت قائلة: «هذا يتطلب العودة إلى العام ٢٠١١ وكنت انتهيت من طباعة روايتى الأخيرة (شهوة الصمت) وكأن لعنة العنوان أصابتنى؛ فأصبحت شبه عاجزة عن إكمال عمل واحد، لأن ما حدث فى العام ٢٠١١ وما تلاه وصولًا إلى السابع من أكتوبر للعام ٢٠٢٣ كان بالنسبة لى جدارًا سميكًا من الأحداث التى قلبت كل ما اعتقدت به رأسًا على عقب؛ فعدت إلى عدم القدرة على الفهم ثم بدأت أحبو من جديد لأرى العالم بعيون جديدة».
وأضافت: «لا أعِد بأننى سأقدم الكثير من الأعمال بل أتخلص الآن من المشاريع التى ألمح بها شبهة تكرار وأدمج عملين فى عمل واحد، لدىّ ما يقرب من خمسة مشاريع لأعمال أدبية سأعتبر نفسى محظوظة إن تمكنت من اختصارها فى عملين على الأكثر ربما يتبدل هذا الاعتقاد، وربما لا، ولكننى لا أرغب فى الجلوس على صف من الكتب ذات القيمة المتواضعة، أنا لن أقبل بالمركز الثانى فيما يتعلق بالإبداع ولا أكترث للكم الذى ينطوى على تكرار ممل، فأنا أحترم القارئ ولا أرغب فى الإساءة لاسم أمينة زيدان»..
على البرعى: لم أكتب قصة واحدة من بعد الجائزة

لا يَعرف على محمود البرعى، الذى فاز بالمركز الثانى فى مسابقة «أخبار الأدب» عام ١٩٩٤، عن قصة «ودَعَت لأخى الغائب»، سبب توقفه عن الكتابة، بل وحتى القراءة. فالرجل الذى كان يقرأ كثيرًا، ويكتب قرابة ٥ قصص أسبوعيًا، أصابته «صدة عنيفة» جعلته حتى «لا يستطيع الإمساك بكتاب» الآن.
وقال «البرعى»، ردًا على سؤال: «لماذا توقفت عن الكتابة؟»: « لا أعرف إجابة عن هذا السؤال. فى الوقت الذى كنت أكتب فيه، لم تكن لدىّ خبرات كثيرة، كنت أرى موقفًا فأكتب، أمشى فى الشارع وألتقط الحكايات، حكايات وتفاصيل قد لا تهم البعض على الإطلاق، لكننى كنت أرى فيها قصة قصيرة».
وأضاف ابن محافظة سوهاج: «من الشارع والحياة اليومية كانت تأتينى الأفكار للكتابة، حتى إننى كنت أكتب قرابة ٥ قصص أسبوعيًا. كنت أيضًا أقرأ كثيرًا، أقرأ أى شىء وفى أى وقت، ثم تقدمت لمسابقة (أخبار الأدب) عام ١٩٩٤، وحصلت على المركز الثانى. ومن بعد الجائزة لم أكتب قصة واحدة، وإلى الآن لا أعرف السبب».
وواصل: «ليست الكتابة فقط هى المشكلة، لكن حتى القراءة. وجدت أن هناك صدة عنيفة، لا أستطيع الإمساك بكتاب، فتوقفت عن الكتابة والقراءة أيضًا. قديمًا، كانت الأفكار تأتى بسرعة، ومرة واحدة فرغ رأسى تمامًا وأصبح مثل صفحة بيضاء. حاولت الكتابة فكنت أكتب عدة أسطر وأتوقف مرة أخرى، لدرجة أننى شككت أنه ربما يكون هناك شىء ما لا أعرفه».
وعما إذا طبع أيًا من أعماله، قال على محمود البرعى: «لم أفكر فى نشر مجموعة قصصية واحدة، كنت أكتب فى أجندات، وبقلم رصاص، والآن لا أعرف أيًا مما كتبت إلا المنشور فى (أخبار الأدب)، والحقيقة نشرت كثيرًا فى (أخبار الأدب) بسبب جمال الغيطانى، لكننى لم أفكر فى إصدار أى مجموعة. صحيح أننى تلقيت عرضًا للنشر بعد الجائزة، لكننى لم أفكر فى السفر إلى القاهرة والنشر».
وأضاف: «جمال الغيطانى تواصل مع محمد السيد عيد، الذى كان يتولى رئاسة الهيئة العاملة لقصور الثقافة آنذاك، وطلب منه توفير فرصة عمل لى فى قصر ثقافة سوهاج، وبالفعل تواصلوا معى وطلبوا منى أوراقى للتعيين. فى هذه الفترة كانت القوى العامة قد طرحت مسابقة للتعيينات فى التربية والتعليم فاخترتها وعينت بها».
«البرعى» حاصل على ليسانس آداب قسم صحافة وإعلام من جامعة أسيوط، فى ١٩٩٤. بعدها بعام عُين «إخصائى صحافة وإعلام» فى إدارة البلينا التعليمية بمحافظة سوهاج. وفى ٢٠٠٣ حصل على إجازة وسافر إلى الكويت، قبل أن يعود ويتسلم عمله القديم مرة أخرى، وصولًا إلى «موجه صحافة وإعلام» عام ٢٠٠٨، ثم تقدم بطلب لنقله إلى الإسماعيلية فى ٢٠١٧، حيث عمل «موجه صحافة وإعلام» فى إدارة القصاصين التعليمية، ثم انتقل إلى إدارة أبوصوير، وما زال يعمل بها حتى الآن.
واسترجع كواليس كتابته لقصة «ودَعَت لأخى الغائب»، التى حصل من خلالها على المركز الثانى من بين ٤٢٠٠ متنافس فى مسابقة «أخبار الأدب»، قائلًا: «أتذكر أن قصتى كانت بسبب كلمة واحدة، الأحداث لم تحدث فعليًا، لكن أمى دعت لأخى الذى سافر، فالتقطت الدعوة وبنيت عليها القصة، وأضفت لها كل ما ذكرته فى الأحداث».
وعن لقائه بأديب نوبل نجيب محفوظ، قال «البرعى»: «كان لقاءً عظيمًا، لحظة محفزة جدًا للكتابة، لكن للأسف توقفت تمامًا عن الكتابة، ولم أكتب حتى قصة واحدة كاملة، ولا أعرف السبب فى ذلك، كما سبق أن ذكرت».
إيمان العمرى: تأخرت 15 عامًا لـ«ظروف مختلفة»

لم تتوقف إيمان العمرى عن الكتابة لكنها تأخرت لما يقرب من ١٥ عامًا حتى تنشر روايتها الأولى. تقول عن ذلك: «أنا أعمل صحفية فى مجلة (حواء)، والصحافة أخذت منى كل الجهد والوقت، كما أن دور النشر لما تكن منتشرة مثل هذه الأيام، كلها عوامل أسهمت فى تأخرى عن النشر لمدة ١٥ عامًا».
وعن لحظة تسلمها جائزة «أخبار الأدب» قالت: «قابلت نجيب محفوظ وكانت لحظة لا تنسى، والحقيقة أن هذا الأمر كان محفزًا جدًا لمواصلة المشروع الكتابى، إلا أن هناك بعض الظروف التى تعاونت لتأخيره، لكننى عدت منذ عام ٢٠٠٩ وأصدرت أولى رواياتى ومن بعدها توالت أعمالى الأدبية لتصل لـ١٢ عملًا، منها «عفوًا إنه الحب»، و«رحلة قطار»، و«رسائل خاصة جدًا»، وغيرها.
أما قصة «المقعد الخالى» الفائزة بالجائزة فتقول عنها: «القصة حقيقية تمامًا، وكانت عن والدتى بعد وفاتها، وبالفعل كنت أبحث عنها فى بيتنا بعد موتها، كما ذكرت فى قصتى، كلها أحداث حقيقية ووقعت بالفعل فكتبتها فى قصة وعنونتها بالمقعد الخالى وأرسلتها لأخبار الأدب لتفوز ضمن الفائزين بالجائزة».
وعن تأثير الجائزة عليها، قالت: «تولت إقبال بركة رئاسة تحرير مجلة (حواء) عام ١٩٩٣، وكانت تحبنا نحن الصغار فى المجلة، وبعد فوزى بالجائزة كانت تشير إلىّ وتقول إن إيمان العمرى ستكون كاتبة كبيرة، وأنا تبنيتها، وكنت أفرح بتشجيعها واحتضانى بهذا الشكل، فى الحقيقة الجائزة كان تأثيرها كبيرًا جدًا علىَّ».
شرف الدين عبدالحميد: أخذتنى الدراسة الأكاديمية فى «آداب سوهاج»

شرف الدين عبدالحميد، بعد فوزه فى مسابقة «أخبار الأدب»، عن قصة «سطو أزرق»، اتجه إلى الدراسة الأكاديمية، ومنذ ذلك الوقت لم يصدر سوى مجموعة قصصية واحدة، فى عام ٢٠٠٠، تحمل عنوان «مؤامرة العبادلة لإعدام عبدالبر»، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
ورغم أنه لم يكتب فى الأدب سوى المجموعة القصصية سالفة الذكر، كتب «عبدالحميد» وأصدر الكثير من الكتب الفكرية، من واقع عمله كباحث وأكاديمى حاصل على الدكتوراه فى الفلسفة اليونانية من جامعة سوهاج، فى موضوع «جدلية العلاقة بين الفلسفة والدين عند فلاسفة اليونان».
وأصدر «عبدالحميد» عددًا من الكتب الفلسفية، بينها «سلسلة الفلاسفة اليونان الأوائل»، الصادر عن «دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر»، فى عام ٢٠٢٢، و«تأريخ الفلاسفة اليونان الأوائل قبل سقراط»، عن الدار المصرية اللبنانية، فى ٢٠١٩، و«جدلية العلاقة بين الدين والفلسفة عند فلاسفة اليونان»، عن دار «الوراق للنشر والتوزيع» فى الأردن، ٢٠١٤، و«ابن حزم الأندلسى ومنهجه فى نقد العقل الأصولى»، عن نفس الدار، فى ٢٠١٢، و«ابن حزم الأندلسى ونقد العقل الأصولى»، عن دار «سعاد الصباح» فى الكويت، عام ١٩٩٥.
وعن سبب توقفه عن الكتابة الأدبية بعد فوزه بجائزة «أخبار الأدب»، قال أستاذ الفلسفة اليونانية فى كلية الآداب جامعة سوهاج: «بعد الفوز كتبت مجموعة قصصية نُشرت من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم كتبت قصصًا أخرى بعدها، وحين دخلت قسم الفلسفة بكلية الآداب انشغلت بالحياة الأكاديمية، وانصب اهتمامى على الكتب الأكاديمية».
واسترجع تفاصيل قصته الفائزة «سطو أزرق»، قائلًا: «قصة واقعية سحرية، عن مجموعة من الرجال يدخلون فى رأس بنت لإزالة والد مختبئ بها»، مشيرًا إلى أنه استخدم نفس التيمة فى كتابة قصة أخرى بعنوان «سطو أسود»، تدور حول مجموعة من أصحاب الجمال يدخلون عقل رجل ويزيلون بعض الكتب ويضعون غيرها.
وأضاف: «المنهج الذى اتبعته فى القصة كان الواقعية السحرية. كانت لدىّ أفكار فلسفية كثيرة، كلها كتبتها فى قصص قصيرة، مثل قصة (ليلة رأس السنة)، التى يحتفل فيها الجميع بالكريسماس، وينتظرون أن تأتى الساعة الـ١٢ للاحتفال بمضى عام ومجىء آخر، لكن كل الساعات تثبت عند الـ١٢».
وواصل: «كل قصصى تدور حول الواقعية السحرية، وتكمل ما بدأه الكاتب الكبير محمد مستجاب، الذى أرى أنه لم يأخذ ما يستحق، وحجم الكتابات النقدية عن أعماله ضعيف جدًا مقارنة بمن هم أقل منه موهبة»، لافتًا إلى أن قصصه (شرف الدين) كانت تبدأ وتتوالد من بعضها بعضًا، وليس فيها سطر خلفه نقطة، بل تسير فى شكل دائرى وليس طوليًا أو عرضيًا»،
وأكمل: «معظم القصص كتبتها بهذا الشكل، كانت تهمنى منهجية مختلفة، وتجديد على مستوى الشكل والقص»، كاشفًا عن قصة كتبها بعنوان «المنتكس يستقيم»، عن رجل يدخل حفلًا به كبار البلد، وينظر فيراهم كلهم يمشون على رءوسهم وأقدامهم لأعلى، ثم يلتفون حوله لإقناعه بأن يمشى على رأسه، وقبل الضغط عليه ظل يقارن بين أحذيتهم اللامعة والكتب التى قرأها، ثم يمتثل وينتكس مثلهم.
وتابع: «نشرت القصص ولم تجد صدى، الحياة الأدبية صعبة. جمال الغيطانى بذل جهودًا خارقة لكى نصل، لكن لم يكمل أحدنا بعده»، مشيرًا إلى أنه فكر فى كتابة رواية عن تاريخ الفلسفة الإسلامية على غرار «عالم صوفى» لـ«جوستاين جاردنر»، لكن أخذته الأبحاث والكتابة الأكاديمية، قبل أن يعقب: «أتمنى أن أعود للكتابة الأدبية مرة أخرى».
واختتم بالحديث عن لقائه مع نجيب محفوظ، قائلًا: «كأننى رأيت الهرم، كان أمرًا مذهلًا أن أقابل أديب نوبل. وجمال الغيطانى أيضًا كان مشجعًا جدًا، ونشر لى بعد الجائزة. حتى فى المسابقة الثانية التى نظمتها (أخبار الأدب)، عام ١٩٩٨، فزت فيها أيضًا.. فزت فى المسابقتين».
أحمد غريب: نجيب محفوظ ونصرأبوز يد وراء ابتعادى 10 سنوات

لم يترك أحمد غريب، الذى هاجر واستقر فى كندا، الكتابة كلية، لكنه مُقل فيها، فعلى مدى ٣٢ عامًا، أصدر الكتاب المشترك «خيوط على دوائر»، الصادر عن دار «شرقيات»، الذى ضم الإبداعات القصصية لـ٥ كُتاب آخرين غيره، إلى جانب كتاب «صدمة الضوء عند الخروج من النفق»، والمجموعة القصصية «العنفوان»، وذلك فى فترة التسعينيات، قبل أن يتوقف لسنوات طويلة، ثم يعود للكتابة والنشر، فى عام ٢٠٢٠، من خلال رواية «كسور المرايا» عن دار «ميريت».
وقال «غريب» عن سبب توقفه عن الكتابة لسنوات: «الكثير من كُتّاب التسعينيات مروا بفترة توقف لبضع سنوات. بالنسبة لى الفترة كانت أطول، امتدت حتى ثورة يناير، بعدها تحركت رغبتى فى الكتابة، أردت التواصل مع الحراك المصرى، مع إنسان هذا البلد، ومشاركته بعضًا من تجاربى».
وأضاف: «كانت هناك نصوص لى تُنشر على صفحات مواقع ثقافية، وصحف مثل (القاهرة)، لكن بطبيعتى المتمهلة والمتأنية فى الكتابة والنشر، استغرق الأمر طويلًا حتى إصدارها فى كتاب، بعد دورات متكررة من إعادة تحريرها، كعادتى»، مشيرًا إلى أن فترات التوقف الأساسية للكثير من أبناء جيله كانت ٥ أو ٦ سنوات، بينما توقف هو أكثر من ١٠ سنوات.
وواصل: «الرغبة الشديدة فى التجريب كانت أحد محفزات ودوافع الكتابة لدىّ، ووصلت معى إلى مدى احتجت فيه إلى إعادة نظر فى أشياء كثيرة، إلى جانب ما كان يوصف بـ(انسداد الأفق التسعينى)، وهو ما كنت أتطرق إليه فى قصصى، والمقصود هنا أفق التحرر، أفق كسر القيود الاجتماعية والطبقية، كان أيضًا موضوعًا قد بلغ مداه، وبحاجة إلى إعادة نظر».
وأكمل: «أما ما أعتقد أنه مشترك فى حالة التوقف بينى وبين آخرين، فهو مناخ التسعينيات، بداية من محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، ومحاولة قمع الدكتور نصر حامد أبوزيد، فهذه نماذج رئيسية على المناخ الطارد للإبداع والمغامرة والتجريب».
وعن قصته الفائزة بجائزة «أخبار الأدب»، والتى حملت اسم «العنوان متروك للقارئ»، قال أحمد غريب: «هى إحدى قصص المجموعة المشتركة (خيوط على دوائر)، والتى عملنا معًا على إنجازها طوال ٣ سنوات، كأنها ورشة كتابة دائمة ومستمرة. كنا نتواصل يوميًا تقريبًا، ونتبادل الكتب والأفكار والخبرات ووجهات النظر، بحثًا عن أسلوب كتابة جديد يعبر عن إحساسنا بلحظة التسعينيات التى نعيش فيها شبابنا».
وأضاف «غريب»: «من داخل هذه التجربة، جاءت قصة (العنوان متروك للقارئ). والتقدم بها لمسابقة (أخبار الأدب) كان محطة من محطات تقديم هذا الأسلوب للمشهد الأدبى، إلى جانب محطات أخرى، منها ملف أعدته مجلة (أدب ونقد) عن ٤ من الكُتاب الستة المشاركين فى المجموعة، لتقديمهم معًا».
وأتم «كما كانت هناك أمسيات قراءة للقصص فى الهناجر، ونشر متتال لها فى (أخبار الأدب) وغيرها من المطبوعات، وصولًا إلى نشر الكتاب نفسه، بعد اختيار أجود القصص وأكثرها تعبيرًا عن تجربة التجديد، من خلال دار (شرقيات)».
محمد بخيت: أعمل مديرًا لمعهد فنى تجارى فى قنا

محمد محمود أحمد على، المشهور باسم محمد بخيت، يعمل حاليًا مديرًا لأحد المعاهد الفنية التجارية فى محافظة قنا، وخلال ٣٢ عامًا من فوزه بجائزة «أخبار الأدب»، عن قصته «الطيور»، أصدر مجموعتين قصصيتين، الأولى كانت بعد المسابقة بـ٦ سنوات، وتحمل اسم «١٤ جيم» الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والثانية باسم «العصيفى»، وصدرت عن دار «وعد» فى ٢٠٢٢، إلى جانب ديوانى شعر.
وقال «بخيت»، مسترجعًا قصة فوزه فى مسابقة «أخبار الأدب»: «حين فزت بالجائزة كنت طالبًا فى كلية التجارة جامعة حلوان، وبعد التجنيد حاولت أن أجد عملًا، وطرقت أبواب الصحافة فوجدتها مسدودة، ثم عملت بالقطعة مع على أبوشادى فى (الثقافة الجديدة)، لكننى وجدت أن الجو خانق وغير صحى، ولا يشجع على الكتابة إطلاقًا».
وأضاف: «جاءتنى فرصة للعمل فى الخارج فسافرت، وأخذتنى الغربة والزمن ومشاغل الحياة، خاصة أن مجال عملى فى المحاسبة بعيد تمامًا عن الأدب والكتابة، وحين عدت عملت فى المعهد الفنى التجارى مُدرسًا، وهذا السبب فى ابتعادى عن الكتابة آنذاك».
كتب «بخيت» القصة من واقع ما عاناه فى الغربة. يتذكر: «نعم، عانيت فى الخليج، وعشت ما كتبته بالحرف الواحد، الكفيل وظلمه، كنت أرى ما كتبت فى جيرانى وأصدقائى ومن هم حولى، ثم سافرت لأعيشه بشكل شخصى»، مشيرًا إلى أن قصته الفائزة «الطيور» استوحاها من هذا الواقع.
وأوضح أن قصة «الطيور» تحكى عن الغربة فى الخليج، وكانت على لسان زوجة، فيما يشبه قصيدة شوق لزوجها، حيث تؤكد له أن المال غير مهم، وأن الأساس هو التقارب. كما تحكى عن ظهور البترول، وكيف أنه أسهم فى تدمير الأسر المصرية، مع استخدام «الطيور» كرمز لإنسان دائم الترحال، وتنادى زوجته عليه كطير مغترب.
وكشف عن بدئه حياته الأدبية بكتابة الشعر، قائلًا: «فى فترة الجامعة، أصدرت ديوانًا اسمه (على مشارف الحقيقة)، نشرته مديرة الثقافة فى أسوان، وكانت هذه بدايتى، ثم توجهت إلى القصة، وفزت فى مسابقة (أخبار الأدب). وللعلم، لم أحضر الاحتفال بالجائزة بسبب التجنيد، لكننى عرفت بفوزى، وتسلمت جائزتى فيما بعد».
وأضاف: «الحقيقة أنا الذى انشغلت عن الكتابة. انصرافى عن الأدب كان بسبب التجارة والعمل ومشاغل الحياة، رغم وجود حركة أدبية فاعلة فى التسعينيات، فقد كنا نحضر ونقرأ القصص فى الندوات، مع وجود الكثير من الجوائز فى الرواية والقصة».
علاء البربرى: اختفيت لأن هذا زمن «الكاتب البهلوان»!

يعمل علاء البربرى، الفائز بالمركز الثالث فى مسابقة «أخبار الأدب»، عن قصة «حب قديم»، كاتبًا صحفيًا فى جريدة «الأهرام»، ومن بعد فوزه بالجائزة أصدر المجموعة القصصية المشتركة «خيوط على دوائر» السابق ذكرها، إلى جانب مجموعتيه القصصيتين الخاصتين «يونى سكس» و«غير المغضوب عليهم»، فى عامى ١٩٩٨ و٢٠٢١ بالترتيب.
واسترجع «البربرى» بداياته مع كتابة القصة، قائلًا: «أثناء الدراسة الجامعية كنت أرتاد ندوة المساء، التى كان ينظمها الراحل محمد جبريل، وقرأت أعمال الكُتّاب الكبار، مثل تشيكوف ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبدالله، وانضممت إلى الجماعات الأدبية فى الجامعة، واشتركت فى مسابقات للقصة حتى جاءت مسابقة (أخبار الأدب)».
وأضاف الكاتب الصحفى فى «الأهرام»: «سمعت بمسابقة (أخبار الأدب) فوضعت القصص فى مظروف وأرسلتها بالبريد، دون أن أعرف أحدًا، أو يعرفنى أحد، حتى تلقيت اتصالًا هاتفيًا من صديق يخبرنى بفوزى فى المسابقة، وكانت فرحة عارمة، خاصة أننى فزت بالمركز الثالث على مستوى الجمهورية والأول فى القاهرة».
وانتقل للحديث عن كتابة قصته «حب قديم»، قائلًا: «كانت قصة قصيرة جدًا. بشكل عام، نفَسى فى القصة القصيرة قصير، أكتب ما درج تسميته بـ(الأقصوصة) أو (القصة القصيرة جدًا)، وكنت متأثرًا فى ذلك بسيد حامد النساج وآرائه حول عناصر القصة القصيرة وضرورة التكثيف فيها؛ لذا كنت حريصًا جدًا على التكثيف قدر الإمكان، حين أجد كلمة زائدة أحذفها، حتى لو تبقى من القصة فقرة واحدة فقط».
وأضاف «البربرى»: «لدىّ رغبة دائمة فى التقاط الملاحظات من الشارع، والتفكير فى الوضع الحالى، وفى ظروف الناس، وهذه الالتقاطة تكون أشبه بالدفقة الشعرية التى تحتويها القصيدة، فأنت تلتقط شيئًا يؤثر فيك، وقد تكتبه بين اليقظة والنوم، أو تقوم من النوم وتسجل هذه اللقطة»، مؤكدًا أن هذا كان حاله فى كتابة القصص.
وأشاد هنا بدور جمال الغيطانى فى المسابقة، مشيرًا إلى أنه كان حريصًا على تشجيع المواهب من الأقاليم، ومُدركًا مدى الظلم الواقع عليهم، ويعلم أن فيهم كُتَّابًا أقوى بكثير من أبناء العاصمة والحضر، وحريص طوال الوقت أن يعرف الناس أسماءهم وأعمالهم».
وعن إصداراته بعد فوزه بالجائزة، قال: «أصدرت مجموعة مشتركة مع ٥ كُتَّاب آخرين، هى مجموعة (خيوط على دوائر)، ثم أصدرت بعدها مجموعة (يونى سكس)، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، قبل أن أتوقف عن النشر وليس الكتابة».
وأكد أن السفر لمدة ١٦ عامًا خارج مصر ليس هو السبب فى ذلك، خاصة أنه كتب ونشر فى مجلات ودوريات عربية، مثل «الدوحة» و«البيان»، مضيفًا: «ظللت على حالى تلك، أكتب ولا أنشر فى مصر، خاصة أن النشر كان واقعه سيئًا جدًا، ومهينًا أيضًا». وواصل: «كيف تدفع مقابل نشر عملك؟ هناك البعض يفعل هذا، والبعض يرفض، والحقيقة أنا أيضًا كنت أرفض، وحين رجعت إلى مصر، بعد فترة طويلة من السفر، نشرت مجموعة قصصية، اسمها (غير المغضوب عليهم)».
وأكمل حديثه عن سر اختفائه ونشر مجموعة قصصية واحدة فقط، طوال هذه الفترة: «الواقع الثقافى، كان على خلاف ما توقعناه من رقى ونزاهة، لذا، البعض فينا استسلم وترك هذا الواقع ينهش فى موهبته. واقعنا الثقافى مزرٍ، مزرٍ فعلًا، والكاتب البهلوان غالبًا ما يظهر، أما الكاتب الحقيقى غالبًا ما يختفى أو تبتعد عنه الأضواء».
وزاد: «الكاتب البهلوان هو من يقلب صفحته على الـ(سوشيال ميديا) إلى صفحة علاقات عامة، ويجامل كى يُجامَل ويتم الاحتفاء به، وإذا كان صحفيًا، يكتب عن أشخاص لكى يكتبوا عنه، ويفعل أشياء -ربما أكثر من الكتابة- لكى يحصل على فرصة هنا أو هناك».
ورأى أن هذا الواقع مرتبط بالمناخ العام، الذى يختلف عن المناخ العام فى أوروبا مثلًا، حيث دور النشر هناك لديها «محرر موضوعى»، هو الذى يحكم على العمل بموضوعية وتجرد، ويقرر نشره من عدمه، لكن المناخ العام المرتبط بالظرف الاقتصادى والسياسى، فى بلادنا والبلاد النامية بشكل عام، يسهم فى ظهور «كُتَّاب غير حقيقيين».
وأضاف: «هذا يلمسه كل متذوق للأدب، اقرأ لكُتَّاب أسماؤهم متداولة، اقرأ بعمق، ولاحظ أساليبهم فى الكتابة وأفكارهم، ومغازلتهم لكى يقرأهم الناس، مغازلتهم لجمهور القراء، ثم اقرأ لكتاب آخرين من المُقلِين، مثل صنع الله إبراهيم- رحمه الله- ستجد الاختلاف كالمسافة بين السماء والأرض».
وواصل: «الواقع الذى كتب فيه صنع الله إبراهيم، وتشجيع يوسف إدريس له، يختلف عن الواقع الذى نعيشه نحن، فواقعنا- للأسف- من سيئ إلى أسوأ، ليس فقط فيما يتعلق بالنشر، ولكن فى أمور أخرى كثيرة، مثل حركة النقد، وحركة التلقى، وانشغال الجمهور بلقمة العيش ٢٤ ساعة».
وأكمل: «ولا أعفى نفسى، فأنا من الفريق الذى وقف فى المنتصف، لم أحارب كى أنشر، لم أجتهد لكى أنشر، لم أحضر ولم أجامل ولم أكوِّن شبكة علاقات، لم أجتهد فى هذا المجال أبدًا، وربما يكون هذا خطأ كبيرًا، وللأسف، هناك الآلاف مثلى، آلاف من الأصوات التى اختفت، وكان يمكن أن يُحتفى بها وتظهر بشكل جيد جدًا».
عاطف عبدالرحمن: الكاتب المزيف لـ«انفلاق البربرع»

قصة «انفلاق البربرع» هى حكاية فى حد ذاتها، فالقصة طرحت باسم عاطف عدلى عبدالرحمن، والحقيقة أنه لا يوجد أى كاتب مصرى بهذا الاسم، والقصة لا تنتمى إليه من الأساس، ولكنها تنتمى للكاتب الكبير عبدالجواد خفاجى.
الذى حدث أن عاطف عدلى تقدم بها باسمه، وفازت بالمركز الرابع مناصفة، وحصلت على جائزة قيمتها ٥٠٠ جنيه، فأرسل «خفاجى» خطابًا مسجلًا لـ«أخبار الأدب» يخبرهم فيه بأن القصة المعنونة بـ«انفلاق البربرع» هى قصته، وأن عاطف عدلى لم يكتب قصة من الأساس.
هنا تواصل جمال الغيطانى مع بيت ثقافة أبوتشت، الذى قيل إن الفائز هو أحد رواده، وأوفد لجنة مكونة من ٤ أدباء إلى القصر لمتابعة القصة، وكان من ضمنهم الشاعر محمد عبدالحميد توفيق.
تواصلت مع الشاعر محمد توفيق الذى سرد الحكاية بالكامل، قائلًا: «حين حصدت القصة مركزًا فى جائزة (أخبار الأدب)، ثار الكاتب عبدالجواد خفاجى، والحقيقة كنت قد سمعت منه القصة حتى قبل فوزها بالجائزة، بحكم معرفتى به مسبقًا».
وأكمل «توفيق»: «لكننى فوجئت أن القصة منشورة باسم عاطف عدلى عبدالرحمن، وهو اسم حديث العهد بعالم الأدب ولم يكتب أى قصة قبل ذلك الوقت، وعرفت أن عبدالجواد خفاجى أرسل خطابًا مسجلًا لـ(أخبار الادب) موجهًا لجمال الغيطانى يسرد فيه القصة بالكامل».
وواصل: «تم تكليفى بالسفر من قنا إلى القاهرة وبحث الأمر مع جمال الغيطانى، وبالفعل سافرت، وحين طرقت باب مكتبه وجدت معه الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والمفكر نصر حامد أبوزيد، وعبدالرحمن الأبنودى».
وتابع: «المهم أننى سلمت عليهم، وقلت للغيطانى سأنتظر فى الخارج حتى ينتهى من مقابلته مع الأدباء الكبار، لكنه طلب منى التحدث فى وجودهم، وسردت القصة على مسامعهم، وهنا قرر الغيطانى تشكيل لجنة لبحث الأمر، وهذه اللجنة تكونت من الشاعر الراحل سعد عبدالرحمن، والشاعر عبدالستار سليم، والشاعر درويش الأسيوطى، وكنت رابعهم بحكم انتدابى من بيت ثقافة أبوتشت وجمعية رواد أبوتشت للثقافة».
وأكمل: «وبالفعل اجتمعت اللجنة فى بيت ثقافة أبوتشت وطلبت اللجنة عددًا من الشهود كنت أحدهم، وعرفت اللجنة أن القصة فى الأخير ملك لعبدالجواد خفاجى، وكتبت توصيتها بأن يمنح مبلغ الـ١٠٠٠ جنيه قيمة الجائزة التى فازت بها القصة كتبرع لبيت ثقافة أبوتشت، وذهب جزء منه لعبدالجواد خفاجى بحكم أنه صاحب النص الأصلى».
وبعد تبين أن قصة «انغلاق البربرع» هى لعبدالجواد خفاجى، طُرحت فيما بعد فى مجموعة قصصية له تحت عنوان «تأريخ لسيرة ما.. نصوص من كتاب البربرع» وهى المجموعة القصصية الوحيدة التى صدرت له فى حياته فى مارس ٢٠٠٠ عن مطبوعات «حتحور» بفرع ثقافة قنا، ثم أعيد نشر القصة بعد رحيله فى مجموعة «سيارة فارغة وراكب وحيد»، وبالتالى لا يوجد كاتب باسم عاطف عدلى عبدالرحمن.
وكشف عن أن هناك قصة متداولة فى هذا الشأن أفضى له بها بعض الأدباء، وهى أن عبدالجواد خفاجى طلب من عاطف عدلى أن يرسل القصة باسمه وأن يتقاسما المبلغ، فلما فازت رفض الأخير أن يتقاسم المبلغ مع الأول، فهدده «خفاجى» بكشف الأمر، وهو ما حدث فعلًا بعد ذلك.
عزة أنور:انتقلت من «الألم» إلى «البهجة» بالكتابة للطفل

بعد فوزها بجائزة «أخبار الأدب»، عن قصتها القصيرة «أشباح»، أصدرت الكاتبة عزة أنور مجموعتها القصصية الأولى «العصافير لا تحلق بعيدًا»، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم تبعتها بمجموعة ثانية بعنوان «صباح دافئ»، عن الهيئة العامة للكتاب، إلى جانب مشاركتها فى مجموعة مشتركة بعنوان «على مرمى بصر».
بعد ذلك، توقفت عن الكتابة للكبار، واتجهت إلى أدب الطفل، وأصدرت عددًا من الأعمال البارزة، من بينها «بيت من الرمل» و«نحرور مطرب مغمور» و«ضفدع يفهم الدرس جيدًا» و«إياح حتب» و«مدينة العجائب» و«سفينة السحاب» و«قوس قزح»، وغيرها من كتب وقصص الأطفال التى لاقت صدى واسعًا وحصدت عنها عدة جوائز.
وعن قصة «أشباح»، التى فازت من خلالها بجائزة «أخبار الأدب»، قالت عزة أنور: «أتذكر أننى كتبتها بخط اليد على ورق (فلوسكاب)، ثم أرسلتها للمسابقة دون توقعات كبيرة، لأفاجأ بخبر فوزى»، مشيرة إلى أنها صافحت نجيب محفوظ والتقطت معه صورة، يوم تسلم الجائزة، فى لحظة لا تُنسى أبدًا.
وأضافت: «القصة الفائزة ذات طابع فلسفى، ويبدو أن لجنة التحكيم وقتها كانت تبحث عن نصوص تقدم رؤى مختلفة للعالم. كنت أستعيد فيها الأسطورة القديمة التى تتحدث عن الثلاثة الذين تنازعوا على وجود الإنسان. هى تتابع رحلة مريض مع طبيبه، وكليهما يعيشان الحيرة ذاتها، الفارق أن المريض يملك الحق فى أن يعلن مخاوفه وقلقه وتمرده، بينما يُطلب من الطبيب أن يخفى ارتباكه خلف قناع الحكمة والهدوء».
وواصلت: «المفارقة الكبرى أن المريض، فى لحظات كثيرة، بدا أكثر صدقًا وشجاعة من طبيبه. لكن المأساة أن هذا المريض لم يحتمل جرعة الوعى الثقيلة التى مر بها، فهى أشبه بصدمة تهز الرأس بعنف، وبعضهم ينجو منها، والآخر لا يحتمل فيتشظى»، لافتة إلى أن «القصة تنتهى برقصة البطل مع أشباحه، وكأن الرقص بالمعنى الإنسانى مرادف للحياة، لتصبح الرسالة: علينا أن نرقص ونعيش رغم كل شىء».
وانتقلت للحديث عن إنتاجها بعد فوزها بجائزة «أخبار الأدب»، بداية من مجموعتها القصصية الأولى «العصافير لا تحلق بعيدًا»، التى تميزت قصصها بالنَفَس الحداثى، وبكثير من الغموض والألم، وذلك بالتركيز على عالم المهمشين، تلك الطبقة التى غابت سهوًا من حسابات المجتمع.
وأضافت: «كنت أنفذ إلى أعماق هذه الفئة لأشعر بما يشعرون، وأتألم بآلامهم، وهذا كان يزيد من ألمى الشخصى أضعافًا، خاصة أننى كنت أواجه اختبارات قاسية فى حياتى آنذاك. كنت أقف وجهًا لوجه أمام الألم الإنسانى، وأشعر وكأننى أنسلخ من قشورى استعدادًا لرحلة جديدة، تمامًا كما تفعل الفراشة، التى لا تعبر من طور إلى آخر إلا عبر جسر من الألم».
أصدرت بعدها مجموعتها الثانية «صباح دافئ»، والتى تقول عنها: «لم أستطع الاستمرار فى مواجهة الأسئلة الوجودية الثقيلة التى طرحتها فى مرحلتى السابقة، لم أعد قادرة على تحمّل هذا الكم من الألم الإنسانى الذى انغمست فيه من قبل. كنت فى حالة حيرة عميقة حول الإنسان وأسئلته الكبرى والحياة، وزاد الأمر تعقيدًا مع دراستى الفلسفة والانغماس فيها، حتى خرجت بخلاصة مؤداها أن دراسة الفلسفة فى سنوات الشباب أمر قاسٍ وغير ملائم. فكيف يمكن أن ننسلخ فى تلك السن عن نبض الحياة وطزاجتها لنضع كل شىء تحت مقصلة العقل؟!».
وأضافت: «كنت متعطشة للإحساس بمتعة الحياة فى بكارتها وبهجتها، لا بالانطلاق العابث أو المفهوم الضيق للحرية، بل برغبة صافية فى أن أعيش تجربة وجودية مختلفة، ووعيًا جديدًا بالحياة. كنت فى أوج الشباب، وأردت أن أرى العالم بإحساسى قبل عقلى. بالنسبة لى، كان الألم فى تلك المرحلة بمثابة رسول، يكشف عن القشور التى تحجب البصيرة، تمامًا كما يسميها الصوفيون بـ(مرحلة اليقظة)، حيث يقف الإنسان على أعتاب اكتشاف نفسه وربه. وصلت إلى نتيجة أن الرحلة فى حقيقتها لا يمكن أن نحدد لها بداية أو نهاية، بل هى مسار متصل، ينتقل فيه الإنسان من وعى إلى وعى أكبر، ومن أفق إلى أفق أرحب».
وأتمت هذه النقطة بقولها: «لقد صُنِّف إنتاجنا الأدبى فى تلك الفترة تحت مسمى (كُتّاب التسعينيات)، وبحق كانت فترة ثرية، عامرة بالإبداع والتنوع، وبرز خلالها العديد من الكُتّاب والكاتبات، الذين تركوا بصمة قوية فى الحياة الأدبية حتى اليوم».
وعن تركها أدب الكبار واتجاهها إلى الكتابة للطفل واليافعين، قالت عزة أنور: «فى عام ١٩٩٦ بدأت تجربتى الأولى فى أدب الطفل بكتابة مجموعة قصصية قصيرة بعنوان (بيت من الرمل)، أشاد بها رائد كتاب الطفل الأستاذ عبدالتواب يوسف، ولاقت صدى طيبًا. بعدها كتبت رواية للطفل فى ٢٠٠١».
وأضافت: «فى تلك الفترة، لم يكن عدد كُتَّاب الطفل كبيرًا، واكتشفت أن هذا المجال يتمتع بجمال خاص، إذ تلتزم فيه التزامًا غير معلن بالبحث عن البهجة، وبإعادة اكتشاف الطفولة فى الحياة والكتابة معًا، وهو أمر اندفعت ناحيته بشغف. لهذا السبب اخترت أن أركز على أدب الطفل، ثم وسّعت اهتمامى لاحقًا ليشمل اليافعين».
وواصلت: «لم يعد هدفى أن أكتب فقط، بل أن أسأل نفسى دائمًا: ماذا أكتب؟ هل ما ننتجه يلهم وعى الإنسان، سواء كان راشدًا أو طفلًا؟ هل يليق بماهية الرحلة الإنسانية، أعظم الرحلات على الأرض؟»، مشيرة إلى أن رحلتها مع الوعى والتنوير بدأت مبكرًا، مع قراءتها لكتابات الدكتور يحيى الرخاوى، الذى أبهرها بتحليلاته النفسية للنصوص والأعمال الأدبية، خاصة أعمال نجيب محفوظ.
ورأت أن الأدب الحقيقى هو الذى ينشغل بالإنسان ويمنحه مكانته، دون أن يغفل عن الرؤية الكلية للحياة والكون، مضيفة: «فى إحدى رواياتى الموجهة لليافعين، والتى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة (كتارا)، تناولتُ قصة شاب من جامعى القمامة يجهل ماضيه وأصول عائلته. كان البعد الفلسفى حاضرًا أثناء كتابة العمل، حيث طرحتُ سؤالًا محوريًا: هل جهل الإنسان بماضيه يمنعه من اختيار مستقبله وصناعة قدره؟ هل يمكننا من أن نتحرر من مبررات الفشل والضياع ونصرّ على أن نسلك طريقًا جديدًا؟».
واختتمت بقولها: «فى الحقيقة، ما زلت أتمنى أن أعود يومًا إلى كتابة القصة القصيرة والرواية للكبار، لكننى الآن أريد أن أنهى مشروعى الكبير الذى بدأته منذ سنوات طويلة فى أدب الطفل».

لم يُستدل عليهم!
كان هناك عدد آخر من الأسماء الفائزة فى مسابقة «أخبار الأدب» لم نستدل عليهم، ربما لأن هذه الأسماء كانت أسماء شُهرة، وربما تكون لهم أسماء أخرى يكتبون بها حاليًا، أو توقفوا عن الكتابة نهائيًا، أو تركوا مصر وهاجروا إلى دول أخرى.
من بين هذه الأسماء رجب عبدالجليل، الذى فاز بقصته «شىء ما»، وهو من أبناء سوهاج. وبسؤال عدد من أدباء المحافظة والمهتمين بالشأن الثقافى بها، أكدوا أنهم لا يعرفون عنه شيئًا، ولم يقابله أى منهم من قبل، ولا يعرفون له مكانًا أو مسكنًا، مؤكدين أنهم لم يروه يرتاد نادى أدب، أو يكتب قصة أو أى شىء آخر.
هناك أيضًا ياسر محمد عبدالفضيل، الفائز بقصة «طيور أسطورية عجيبة»، وكريم يوسف شحاتة، الفائز بقصة «عودة الدفء»، وأحمد عبدالحميد، صاحب قصة «منتهيات وحدوية». ورغم أننى وجدت مجموعات قصصية لكاتب اسمه أحمد عبدالحميد، كان يكتب فى سبعينيات القرن الماضى، لم أتأكد إن كان هو أم شخص آخر.
فى النهاية، هذه الأسماء المتبقية ذهبت تمامًا من الذاكرة، فرغم أسئلتى الكثيرة عنهم، ولفترة طويلة، لم أهتد لأى منهم. وكما سبق أن ذكرت، ربما تكون أسماؤهم التى فازوا بها مُستعارة، أو غيروا أسماءهم التى يكتبون بها فى الوقت الحالى، أو حتى توفى بعضهم بعد فوزه.







