الخميس 27 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

شريف شعبان: المصريون القدماء أول «الموحّدين»

شريف شعبان
شريف شعبان

- المصريون القدماء ليسوا وثنيين.. بل هم أول مَن عرف الإيمان بالبعث والخلود

- من الظلم نسب حضارتنا العميقة إلى أقوام مجهولين اسمهم «الفراعنة»

- الادّعاء بأن قوم عاد هم مَن بنوا الهرم الأكبر غير منطقى

فيما احتفلت مصر والعالم بأسره بافتتاح المتحف المصرى الكبير، يطل علينا الدكتور شريف شعبان، الباحث فى علم الآثار والمحاضر فى كلية الآثار بجامعة القاهرة، بكتابه الجديد «أشهر خرافات الفراعنة»، الصادر عن دار «الرواق» للنشر والتوزيع، ليفكك الكثير من الأساطير التى قيلت عن حضارة المصريين القدماء.

فى هذا الكتاب يغوص «شعبان» فى أعماق الموروث الشعبى والأساطير التى نُسجت حول الحضارة المصرية، متناولًا موضوعات مثيرة للجدل مثل «الزئبق الأحمر»، و«لعنة الفراعنة»، وغيرها من الروايات التى أثارت فضول العامة وشغف الباحثين على حد سواء.

«حرف» التقت الدكتور شريف شعبان، فى حوار كشف خلاله عن دوافعه لتأليف الكتاب، وأبرز الخرافات التى تناولها، وكيف يرى تأثيرها على فهمنا للحضارة المصرية القديمة.

■ كيف جاءت فكرة كتاب «أشهر خرافات الفراعنة»؟ 

- عانيت كثيرًا من الأكاذيب التى يرددها البعض حول الحضارة المصرية القديمة، والتى للأسف جاءت على لسان متخصصين وعلماء وليس فقط عامة الناس، وهو ما جعلنى آخذ على عاتقى مسئولية تجميع أغلب الخرافات المنتشرة التى سادت فى أذهان الناس داخل مصر وخارجها، منذ كتابات الرحالة والمؤرخين القدماء أمثال المؤرخ هيرودوت والجغرافى الرومانى بلينى الأكبر، وغيره من الجُهّال والمغرضين الذين كتبوا تلك الأكاذيب فى كتب.

ومن المؤسف حقًا أن بعض الدارسين والباحثين فى يومنا هذا يستخدمونها كمصادر علمية، ثم نسير عبر ما ذكره الرحالة والمؤرخون العرب والمسلمون والرحالة المستشرقون، ونجد أعلام التأريخ فى العصور الوسطى، أمثال المقريزى والبغدادى، قد سردا عدة خرافات فى مصادرهما تحولت مع الوقت إلى حقائق، إلى أن نصل إلى العصر الحديث لنجد من يحاولون تجريد المصريين القدماء من حضارتهم العظيمة لما لمسوه من إبهار يصل لحد الإعجاز، ونسبها إلى أقوام لا يمتون للحضارة بصلة، مثل اليهود أو بنى إسرائيل أو كائنات فضائية، معتمدين على أدلة أثرية وتاريخية ضعيفة، أو نسبها لقوى خارقة أو ظواهر سحرية لمجرد نكران قيمة المصرى القديم وتأثيره على حضارات العالم. 

وكانت الخطورة الحقيقية فى تناول تلك الخرافات عبر نقد من يربطها بما ذُكر فى نصوص الكتب السماوية من الهواة ومدّعى العلم المعاصرين، ويصنعون لها تفسيرًا دينيًا مدّعين أنهم توصلوا إلى معلومات مهمة وخطيرة فيما يخص مفردات الحضارة المصرية القديمة، مثل معرفة سر بناء الهرم وإعادة فك رموز الكتابة الهيروغليفية، معتمدين فقط على آيات القرآن الكريم أو العهد القديم دون استخدام أى مراجع علمية حديثة أو مصادر تاريخية أو أثرية لها ثقلها؛ كى يُلبسوا آراءهم قدرًا من القداسة يستميلون بها العامة ويضمنون منهم عدم النقاش والجدال. 

بدأ الأمر بتجميع مقالات ونشرها فى كتاب، ثم أعيد نشره مرة أخرى فى طبعة جديدة مزيدة ومنقحة تضم أحدث ما تمت مناقشته من أشهر الخرافات المرتبطة بمصر القديمة منذ العصور القديمة وحتى عامنا هذا، حتى وصلت إلى ما يزيد على ٣٠ خرافة والرد عليها فى الكتاب بالأساليب العلمية الحديثة والمصادر التاريخية والأثرية الموثقة، بداية من العنوان الذى أردته أن يحمل خطأ شائعًا كى يصدم القارئ، وهو كلمة الفراعنة، حيث من الظلم نسب تلك الحضارة العميقة لأقوام مجهولين وهم الفراعين، بل الأصح أن ننسبها لأصحابها الأصليين وهم المصريون القدماء، لذلك يأتى هذا الكتاب كمحاولة جادة وصادقة لكشف الزيف ودحض الخرافات التى طالت الحضارة المصرية القديمة ومفرداتها، كما أسعى جاهدًا إلى ترجمة هذا الكتاب لعدة لغات من أجل إنصاف تلك الحضارة العظيمة على مستوى العالم. 

■ لماذا حاول هيرودوت وغيره وضع تاريخ مغاير لحقيقة الحضارة المصرية القديمة؟

- من طبيعة المصريين القدماء الاحتفاظ بأسرار مفردات حضارتهم داخل صدور كهنتهم، متمثلة فى أسرار اللغة القديمة، التى لم يتفقه فيها كل الشعب سوى المتعلمين منهم. 

تلك الطبيعة التى قادت العديد من المؤرخين والرحالة لتناول قشور الحضارة بعين من الجهل وأخرى من الحقد، فاستقوا الكثير من معلوماتهم عن طريق الأساطير والخرافات التى لا تعكس حقيقة الطابع المصرى ولا الأخلاق المصرية ولا التاريخ والحضارة المصرية. فنرى هيرودوت، الذى لُقّب ظلمًا بأبى التاريخ قد تجنى على الحضارة المصرية القديمة بأفكار لا تمت لعظمة تلك الحضارة بصلة، خاصة أنه زار مصر بعدما خفت بريقها وزال مجدها، واعتمد فى كتابة موسوعته التى بلغت تسعة أجزاء- خصص لمصر الجزء الثانى- على حواديت كهنة وأفراد عاديين انقطعت علاقتهم بتفاصيل مجد الحضارة بآلاف السنين، وأضاف عليها من انطباعاته الشخصية واعتبرها مرجعًا علميًا. 

وخلال حكم البطالمة لمصر، فُرض على المصريين استخدام اللغة اليونانية كلغة رسمية فى الأوساط الحكومية. ومع دخول المسيحية لمصر اختفت اللغة المصرية القديمة شيئًا فشيئًا ولم تعد تستخدم سوى على نطاق ضيق، وحلّت محلها القبطية ذات الحروف اليونانية، وأصبح هناك شبه حاجز كبير بين المصريين وبين تاريخهم القديم، خاصة بعد وفاة آخر قارئ للهيروغليفية فى القرن الرابع الميلادى، ومعه اندثرت الهيروغليفية وأصبحت فى نظر الناس مجرد علامات قديمة غير مفهومة، بل أصبح يُنظر لتلك اللغة القديمة بأنها لغة وثنية. 

وبعد دخول المسلمين إلى مصر انقطع الحبل بينهم وبين تاريخهم القديم تمامًا بعدما حلّت اللغة والثقافة العربية لتكون لغة الدولة والشعب، حينها لجأ المصريون إلى اختراع الكثير من القصص التى يعتمدون فيها على تفسيرهم الشخصى للرموز الهيروغليفية التى كانوا يعتقدون أنها ليست حروفًا، وإنما طلاسم ذات قوى سحرية وأدلة ترمز لأشياء خفية. 

ومن هنا ظهرت العديد من الأساطير التى ارتبطت بالتاريخ المصرى، ومع مرور الوقت تجمعت هذه القصص والروايات لتشكل تاريخًا موازيًا لمصر القديمة، ولكنه فى حقيقة الأمر تاريخ أسطورى لا أساس له يضم أحداثًا غير حقيقية وأشخاصًا وهميين، ومن هنا جاء مصطلح «تاريخ مصر الخرافى».

فى المقابل لا يمكن أن نغفل دور واحد من أعظم المؤرخين المصريين القدماء، وهو الكاهن مانيتون السمنودى، الذى صال وجال فى أنحاء مصر فى القرن الثالث قبل الميلاد بحثًا عن المعلومة الحقيقية، معتمدًا فى كتاباته على الوثائق الرسمية التى خلّفتها أرشيفات الحضارة المصرية، وزار العديد من مكتبات المعابد معتمدًا على إتقانه لغة أجداده، بالإضافة إلى استفادته من كل ما كان فى متناول يديه من وثائق حكومية ومخطوطات إدارية وغيرها، ورغم هامش أخطائه إلا أنه أخرج لنا تاريخًا حقيقيًا لمصر ليكون هو بحق «أبو التاريخ» وليس هيرودوت. 

■ كتبت كثيرًا عن توت عنخ آمون.. فى رأيك كيف يؤثر جمع مقتنياته فى متحف واحد على السياحة فى مصر؟ 

- دعنى أبدأ فى الإجابة عن هذا السؤال بالجملة الشهيرة التى قالها العرّاف كيرو للورد كارنرفون، ممول اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون: «إذا دخل مقبرة توت عنخ آمون فلا ينقل أيًا من محتوياتها المقدسة وإلا سيخطف الموت روحه!»، حيث ينم التحذير عن طمع وجشع شديدين من كل من الثرى كارنرفون الشره لكنوز المصريين القدماء الذى وضع يده فى يد المكتشف هيوارد كارتر الذى اعتبر المقبرة ومحتوياتها إرثًا شخصيًا له يعبث به ما يشاء، فاقتنصا من كنوز توت ضاربين بقوانين الآثار وأخلاق المهنة عرض الحائط. 

ولعل أكبر تعويض منحه القدر لـ«توت» هو الشهرة البالغة التى حصل عليها ليكون أشهر ملك مصرى قديم على الإطلاق، فلم يعرف العالم معارض أثرية خارجية لملك أو عصر مصرى أو عالمى نالت شهرة وإقبالًا رهيبًا مثلما نالتها كنوز الملك توت، حين طافت كل بلاد الدنيا. 

وجاء الوقت كى تستقر تلك الكنوز فى مكان يليق بها، فخرج لنا القرار بأن تكون كنوز توت هى نجم العرض الأساسى للمتحف المصرى الكبير، أكبر متحف فى العالم، مع منع سفر أى قطعة خارج الأراضى المصرية. 

وقد تم تجميع كل آثار توت عنخ آمون من متحف التحرير ومتحف الأقصر وبعض المخازن لتعرض تحت سقف واحد، تلك القطع البالغة أكثر من ٥٣٠٠ قطعة، منها ٥٠٠ قطعة يتم عرضها أمام الزوار لأول مرة، ما بين حلى ذهبية وتماثيل مختلفة وأثاث جنائزى وملابس وأسلحة وعجلات حربية، بالإضافة للمقاصير الخشبية المذهبة والتوابيت المذهبة والذهبية، وعلى رأسها القناع الذهبى الذى يزن نحو ١٠ كجم من الذهب الخالص والمطعم بالأحجار الكريمة، ليعتبر أغلى قطعة أثرية فى العالم. 

والجميل فى الأمر هو عرض جميع تلك الكنوز فى صالتين معدتين بأحدث تقنيات العرض المتحفى ووسائل الإضاءة المتطورة؛ لتمنح الزائر حالة من الإبهار وكأنه ليس أمام قطع صامتة ولكن الروح عادت إلى القطع لتتحدث إلى هذا الزائر.

ومن الناحية العملية، فإن هذا الأمر سيجعل السياحة الداخلية والخارجية فى حالة انتعاش منقطع النظير، حيث تنص المؤشرات السياحية على بلوغ زيارة الملك توت وكنوزه بشكل خاص، وآثار المتحف بشكل عام، إلى نحو ١٠-١٥ ألف زائر يوميًا، أى خمسة ملايين زائر سنويًا، وهو ما له تأثيره السياحى والاقتصادى الكبير بدخل قد يتعدى ١٢٥ مليون دولار سنويًا من إيرادات التذاكر. 

■ هناك الكثير من الخرافات حول «الزئبق الأحمر».. ما سر ارتباط ذلك بالمومياوات؟ 

- تعد خرافة مادة «الزئبق الأحمر» وعلاقته بمومياوات المصريين القدماء من أشهر تلك الخرافات التى ملأت وعى الناس وشغلت تفكيرهم طيلة سنين وحتى اليوم، فيأتى العشرات من طالبى الثراء السريع، وراغبى الحصول على طاقات جسدية غير عادية، ويبدأون البحث والتنقيب عن مادة «الزئبق الأحمر»، ودفع الملايين من أجل الحصول عليها.

وما زالت مادة «الزئبق الأحمر» فى مخيلة الناس مرادفًا لعبارات: «إكسير الشباب»، و«طعام الجن» و«شفرة الكنوز» و«مفتاح فك رصد المقابر» و«سر المومياوات» و«خلطة التحنيط». ويدّعى الدجالون والنصابون أن المصريين القدماء كانوا بارعين فى معرفة أسرار الكون، حيث كانوا يذهبون إلى الصحراء الغربية والشرقية مستدلين بالنجوم بقيادة الكاهن الأكبر والمساعدين له من الكهنة لإحضارها، وقد توارث الكهنة هذا السر ولم يذكروه لأحد وحافظوا عليه داخل صدورهم. 

واعتبر المصريون القدماء تلك التمرة أو البلحة أثمن ما توصلوا إليه، حيث تحتوى على سرهم الأكبر وهو «الزئبق الأحمر»، لذلك وضعوها فى أغلى مكان لا يصل إليه بشر، وهو حنجرة الملك، وهذا يعطى القوة السحرية للملك، والتى تمكنه من تسخير الجان وإخضاعه لسطوته وتنفيذ أوامره. ووصل الأمر من بعض الجهلة إلى محاولة اصطياد المومياوات ليلًا، وحملها فى سرية، وتمزيق لفائفها وفصل رءوسها وتدميرها للوصول إلى تلك البلحة المزعومة!

رغم تأكيد الأبحاث العلمية حول ماهية هذا السائل، استمرت شائعة «الزئبق الأحمر» بين الناس عبر السنوات، وزاد إصرارهم فى الحصول عليه، قد يصل بهم إلى حد الوقوع فى براثن النصب والاحتيال، بل نجد قصصًا مؤسفة ذات نهايات سوداء تودى بأصحابها إلى الهلاك. 

وفى حقيقة الأمر لا يوجد أى دليل علمى على استخدام المصريين القدماء مادة «الزئبق الأحمر»، أو وجودها فى أى موقع أثرى أو داخل المقابر. ومع اكتشاف خبيئة الأقصر والكرنك، والكشف عن العشرات من مومياوات الملوك، بالإضافة إلى مشروع الكشف عن عائلة الملك توت عنخ آمون عام ٢٠٠٦، وغيرها من اكتشافات لمختلف المومياوات وتحليلها، لم نجد بأى منها ما يتعلق بـ«الزئبق الأحمر نهائيًا». 

■ ما رأيك فى محاولات البعض وصف حضارة مصر بأنها «وثنية»؟

- من الادعاءات السخيفة التى تطال الحضارة المصرية القديمة وفكرها الدينى بأنها «حضارة وثنية يتعبد أصحابها للأصنام»، دون وجود فكر أو ثقافة، واعتمادًا على حجم التماثيل المنتشرة فى بر مصر مقارنة بفكر التعبد للأصنام الموجودة فى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. 

وفى حقيقة الأمر لم تعرف أمة فى التاريخ القديم الإيمان بالبعث والخلود فى العالم الآخر مثلما عرفها المصريون القدماء. قامت تلك الحضارة على أسس الإيمان والنزعة العقائدية. وتجسد هذا الإيمان فى بناء الأهرام والمقابر، وتكوين «ميثولوجيا» قائمة على فكرة الحساب والعقاب ومحاكمة الموتى، ومصير لاحق فى العالم الآخر يودى بصاحبه إما لحقول الجنة التى أطلق عليها «الإيارو» أو إلى حفر الجحيم. والإيمان بفكرة البعث والخلود تجلّت فى جلب كل ما يمتلك المتوفى إلى المقبرة، واختراع التحنيط، وتصورات التعاويذ التى تصف فكر المصرى القديم وتخيله للعالم الآخر. 

■ ماذا عن نسبة بناء الهرم إلى العمالقة والفضائيين؟

- من الخرافات المنتشرة حول العالم فيما يخص بناء الهرم، والتى للأسف يصدقها الكثير دون عناء البحث العلمى أو الالتجاء لمصادر التاريخ، هى نفى قيام المصريين القدماء بناء هذا المبنى الرهيب، ونسب هذا الإعجاز لأقوام ليس لهم أدنى علاقة بالهرم الأكبر أو الحضارة المصرية من الأساس، مثل اعتقاد البعض من أبناء المنطقة العربية فى العماليق أو قوم عاد، اعتمادًا فى ادعائهم على تفسير خاطئ لآيات القرآن الكريم، وكبر حجم أحجار بناء الهرم، والذى يتطلب أشخاصًا بأحجام غير عادية، وهو ما توافر فى قوم عاد من ضخامة أجساد وقوة بنيان.

لكن مع فحص الهرم من الداخل والخارج يتأكد لنا بطلان هذا الاعتقاد الفاسد بشكل قاطع. فإذا ما ادعينا بأن أفراد قوم عاد، البالغ طولهم أكثر من 10 أمتار هم بناة الهرم، فكيف لهم أن يسيروا بداخل البهو العظيم، وهو أكبر ممرات الهرم من الداخل، وارتفاعه لا يزيد على 8 أمتار فقط، بينما يبلغ ارتفاع حجرة دفن الملك حوالى 6 أمتار. 

فى المقابل، يميل الغرب إلى الاعتقاد بأن الفضائيين هم صناع الهرم الأكبر، مستندين على عدم وجود أى برديات تؤكد تخطيط وهيكلة بناء الهرم. ولأن وزن الحجارة يزيد عن طن، فيمكن لكائنات فضائية، نظرًا لما توصلوا إليه من تكنولوجيا فائقة، أن يشاركوا فى معجزة رفع تلك الأحجار الضخمة وبناء الهرم.