الجمعة 05 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

محمد السيد عيد: لا أنتظر الوحى ولا الإلهام لأكتب

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

- لدىّ 4 مسلسلات جاهزة فى درج مكتبى منها مسلسل «طلعت حرب»، وهو يمثل الجزء الرابع فى مشروعى لكتابة تاريخ مصر الحديث من خلال الدراما التليفزيونية وسبقه 3 أجزاء هى: «قاسم أمين» و«مشرفة» و«على مبارك».

- الكتابة لدىّ «فعل إرادى» أجلس على مكتبى وفى نيتى أن أكتب كذا

- حين أكتب أعيش مع شخصياتى وانفعالاتى أثناء الكتابة تثير انتباه أبنائى

- أعمل على 3 كتب حاليًا أحدها عن الأشكال الأدبية الغريبة فى الرواية المصرية

محمد السيد عيد كاتب متعدد المواهب، كتب فى النقد عن نجيب سرور وصلاح عبدالصبور وغيرهما من الرواد، إلى جانب العديد من الأعمال الأدبية المميزة، علاوة على أعمال درامية خالدة، مثل مسلسلات: «الزينى بركات» و«الإمام الغزالى» و«قاسم أمين» و«مشرفة» و«على مبارك». لذا لم يكن غريبًا أن تُكرمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، خلال احتفالية إحياء الذكرى الـ150 لميلاد الزعيم مصطفى كامل، قبل عام.

ومن يعرف محمد السيد عيد يعرف تمًاما أن اسمه مرتبط بالدراما التاريخية، فى إطار مشروع خاص لديه، يسعى من خلاله لتقديم تاريخ مصر الحديث عبر أعمال تدور حول مجموعة من الشخصيات التاريخية، وهو ما نفذه بالفعل فى 3 أجزاء سابقة، واستكمله بكتابة الرابع الذى لم يُنفَذ بعد.

عن هذا المشروع الدرامى، وتفاصيل الجزء الرابع المنتظر منه، وكتابته للإذاعة والطفل، ومسيرته الإبداعية بصفة عامة، وفترة عمله فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، يدور حوار «حرف» التالى مع الكاتب والسيناريست الكبير محمد السيد عيد.

■ توليت مناصب عديدة فى هيئة قصور الثقافة، وقدمت مشروعات مهمة، منها النشر الإقليمي. لماذا وافقت على هذه المهمة بالتزامن مع كتابتك للسيناريو؟ ألم تعطلك الوظيفة؟

- السبب أنى تعاملت مع الوظيفة باعتبارها رسالة. لم أكن أتعامل مع الوظيفة على أنها مصدر دخل، أو عبء مفروض علىّ، بل كنت أرى أنى أؤدى دورًا فى إنعاش الثقافة خارج العاصمة، وأظن أنى نجحت فى تأدية رسالتى.

وضعت لائحة أندية الأدب لتنظيم العمل فيها، وخصصت لها ميزانيات مستقلة، وأنشأت العديد منها فى الأماكن المحتاجة، وأسست مؤتمرات الأقاليم، وأسهمت فى انتظام مؤتمر أدباء مصر، وحافظت على انعقاده لعشرات السنين، رغم كل التحديات التى واجهت ذلك، وعلى رأسها التحديات المالية.

أسست مجلة وكتاب «قطر الندى» للأطفال، إلى جانب مشروع النشر الإقليمى، ومهرجان مسرح الهواة. وأهم من هذا كله أنى عينت ودربت رجالًا حملوا الأمانة بعد خروجى، وبعضهم لا يزال يحمل الأمانة حتى الآن. 

مَن يقُم بهذا كله لا يمكن أن تكون نظرته إلى الوظيفة باعتبارها مصدر رزق. لقد أديت وظيفتى بحب، اعتبرتها رسالة، دورًا وطنيًا. لذا لم أتركها تحت أى إغراء، وأعتز بما قدمته للثقافة من خلالها.

أما مسألة أنها عطلتنى فأنا لا أرى هذا. لقد كتبت ستة وثمانين مسلسلًا إذاعيًا، إلى جانب الكثير من مسلسلاتى التليفزيونية، والكثير من كتبى، خلال فترة عملى بهيئة قصور الثقافة. وإلى جانب حبى للوظيفة والنظر إليها كرسالة، كنت أنظم وقتى بدقة، وأعمل دون كلل.

■ كتبت عن نجيب سرور وصلاح عبدالصبور وغيرهما.. هل لديك نية للكتابة عن رواد آخرين؟

- أنا صاحب مشروع نقدى، أهتم بالبحث عن العلاقة بين الأدب المصرى والتراث. فى ضوء هذا قدمت عدة كتب تُبين العلاقة بين المسرح والتراث، مثل كتاب «التراث فى مسرح صلاح عبدالصبور»، وكتاب «التراث فى مسرح نجيب سرور الشعرى»، و«التراث فى مسرح عبدالرحمن الشرقاوى». انتقلت بعد ذلك إلى الرواية لأبيّن العلاقة بينها وبين التراث، فكتبت «فن السيرة وأثره فى الرواية المصرية».

وانتهيت أخيرًا من كتاب جديد بعنوان «أدب الرحلات وأثره فى الرواية المصرية». وبعده سأضع اللمسات النهائية على كتاب آخر عن التجارب الروائية المصرية التى بادر أصحابها بالتجريب من خلال أشكال أدبية غربية، لكى أبيّن أن التجريب ليس معناه الاتجاه غربًا فقط، بل يعنى أيضًا الالتفات إلى الجذور، واستلهام أشكال من تراثنا الخاص، تعطى أدبنا خصوصية ومذاقًا متفردًا. الكتابة عن الرواد بالنسبة لى لم تكن تقصد الرواد بقدر التدليل على العلاقة بين المسرح والتراث لدى هؤلاء الرواد، وعلى رأسهم نجيب سرور وصلاح عبدالصبور.

■ كتبت للإذاعة والتليفزيون، وللأطفال، والنقد المسرحى بطبيعة الحال، إلى جانب إبداعك الخاص.. كيف توازن بين كل هذه الأنواع من الكتابة؟

- موضوع الكتابة يفرض نفسه فى معظم الأحيان. لكن فى أحيان أخرى تكون الكتابة بتكليف. لا أشعر بأنى أؤدى أعمالًا مختلفة عن بعضها البعض. كل الكتابات لدىّ سواء. المهم هو تنظيم الوقت، وأن يبارك الله فى هذا الوقت. وأظن أنه لو لم يكن فى وقتى بركة ما تمكنت من أداء هذه الأعمال.

وسواء بتكليف أو دون تكليف، طريقتى فى الكتابة واحدة. الكتابة لدىّ فعل إرادى، فأنا لا أنتظر نزول الوحى والإلهام لأكتب، بل أجلس على مكتبى وفى نيتى أن أكتب كذا. طبعًا تسبق الكتابة مرحلة التفكير والتأمل. وخلال فترة التفكير والكتابة يتلبسنى الموضوع بشكل تام، حتى وقت النوم. أنام وأنا أفكر فى أبطالى، وأتصور ماذا سيفعلون، وماذا سيقولون، ومَن سيقابل مَن، وكيف سيتطور الحدث؟.

وحين أمسك بالقلم لا أبدأ من فراغ، بل أستكمل سلسلة من التفكير والتصورات التى تشغلنى طول الوقت. ومن حسن الحظ أن زوجتى حين تجدنى سرحان لا تسألنى عما يشغلنى، لأنى أكون غارقًا فى التفكير فيما سأفعله. وحين أكتب أعيش مع شخصياتى ومواقفهم، يكفهر وجهى فى المواقف الصعبة، وأضحك فى المواقف الكوميدية، وكثيرًا ما يتفرج أبنائى على انفعالاتى وقت الكتابة. 

■ وفدت إلى القاهرة من الإسكندرية، وساعدك عدد من الأدباء، منهم على شلش وأحمد سويلم وعبدالفتاح البارودى.. الآن، كيف ترى انتقالك إلى القاهرة، وتأثيره على مسيرتك؟

- أعتقد أن الانتقال كان ضرورة، ولو بقيت فى الإسكندرية ما كنت كتبت كل هذه الأعمال النقدية والإذاعية والتليفزيونية وغيرها. أذكر أن الأستاذ عبدالفتاح البارودى، حين رآى أنى ناقد مسرحى مُبشر، قال لى: «لا بد أن تنتقل إلى القاهرة. الإسكندرية ليست فيها حركة مسرحية ولا مجلات».

أقيس على هذه القاعدة كتابتى للإذاعة، فإذاعة الإسكندرية لم تكن لتستوعبنى بكل طاقتى. ولا يوجد إنتاج تليفزيونى أصلًا فى الإسكندرية. والمجلات ودور النشر القاهرية تتعامل مع كُتّاب الإسكندرية، رغم موهبتهم، على أنهم أدباء أقاليم، أو «كُتّاب من الدرجة الثانية». حين أنظر إلى الخلف الآن، بعد أكثر من نصف قرن على انتقالى إلى القاهرة، أرى أنى تصرفت التصرف الصحيح، رغم كل الصعوبات التى قابلتنى فى البداية.

■ كيف كان الأمر فى القاهرة بعد مجيئك إليها؟

- فى القاهرة عملت ككاتب قصة، ثم عملت ككاتب نقدى إلى أن التقيت المخرج مدحت زكى، هو من اكتشفنى، وبدأت أعمل معه فى الكتابة للدراما، وكتبت أول مسلسل عن كتاب «مقدمة ابن خلدون»، وكان هذا العمل بمثابة التحدى الأكبر بالنسبة لى، لما يحمله الكتاب من دراسات فلسفية، لكننى نجحت فى كتابته خلال ١٨ يومًا فقط، مع تشجيع الزملاء لى.

اتجهت بعد ذلك إلى العمل فى التليفزيون، وكتبت عدة مسلسلات أشهرها «الزينى بركات»، المسلسل الذى كان أحد عوامل نجاحى كسيناريست، ثم اتجهت للكتابة فى مجال المسرح، وألفت ٩ كتب، وكتبت مقالات لا حصر لها، إلى جانب الكتب التى نشرتها فى مجالى التاريخ والفلسفة، أشهرها كتاب «فى مواجهة التكفير»، الذى ناقشت فيه فكر التكفير لدى سيد قطب وأتباعه.

■ بناءً على هذه المسيرة، هل ترى أن تمسك أدباء آخرين بالإقامة فى الإسكندرية، مثل مصطفى نصر ومحمد حافظ رجب، كان له تأثير سلبى على إبداعهم وشخوصهم؟

- طبعًا، بقاء حافظ رجب ومصطفى نصر، وغيرهما من الكُتّاب الكبار الموهوبين، أثر على إبداعهم وشخوصهم. مصطفى نصر كتب عن العالم المحيط به، ورواياته تدور فى الإسكندرية، خاصة حى «غربال». وشخصياته رآها بعينيه وعاشرها. محمد حافظ رجب كتب عن تجربته الحياتية فى معظم أعماله، لكن بشكل يختلف عن الشكل التقليدى.

وأعتقد أن بقاء هذين الكاتبين بالتحديد فى الإسكندرية أثر عليهما سلبًا. على سبيل المثال مصطفى نصر لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية، رغم أننا فى «نادى القصة» رشحناه لها ٣ مرات، وكان يصل إلى القائمة القصيرة، لكن أعضاء اللجنة التى تمنح الجائزة لا يعرفونه، لأنه لا يقيم فى القاهرة، ولا يتواصل معهم، ويكتفى بالكتابة، ويرى أن الكتابة وحدها تكفيه. 

■ افتتحت مصر متحفها الكبير مؤخرًا.. هل لديك أى فكرة لعمل إبداعى يمكن من خلاله الاحتفاء بهذا المشروع القومى الكبير؟

- نعم، أُفكر فى الكتابة عن المتحف المصرى الكبير باعتباره «المتحف الأخضر» الوحيد فى مصر، بل فى المنطقة المحيطة بنا كلها. هذا المتحف قام بتجربة فريدة فى توليد وترشيد الطاقة، وفى تدوير المياه، وفى التشجير، ويعمل على قياس نسبة الكربون بشكل دائم. كما أنه حصل على شهادة «الإيدج» فى مجال «المتاحف الخضراء». وأنا فعلًا مشغول بفكرة «المتحف الأخضر»، وبكل شىء أخضر، وسبق أن ألفت أكثر من كتاب للأطفال عن البيئة الخضراء.

■ قدمت العديد من الأعمال الدرامية، منها «الزينى بركات» و«قاسم أمين» و«مشرفة» و«على مبارك»، هل هناك أعمال لم تنفذ بعد؟

- لدىّ ٤ مسلسلات جاهزة فى درج مكتبى، منها مسلسل «طلعت حرب»، وهو يمثل الجزء الرابع فى مشروعى لكتابة تاريخ مصر الحديث من خلال الدراما التليفزيونية، وسبقه ٣ أجزاء هى: «قاسم أمين» و«مشرفة» و«على مبارك». ولدىّ مسلسل عن الفقيه والفيلسوف والطبيب ابن رشد، أقدم فيه نموذجًا للتجديد الدينى، إلى جانب مسلسلين آخرين كما سبق أن ذكرت. وأرجو أن يمنحنى الله الصحة والعمر لأواصل مشروعى لكتابة تاريخ مصر الحديث، رغم انصراف جهات الإنتاج حاليًا عن تقديم الشخصيات التاريخية إلى حد كبير.

■ فى نهاية حوارنا معك.. هل هناك عمل تعكف عليه الآن؟

- أعمل الآن فى ٣ كتب دفعة واحدة، تحدثت عن اثنين منها فيما تقدم من هذا الحوار. أما الكتاب الثالث فهو كتاب تاريخى، اسمه «ملامح مصرية»، أُبيّن فيه أثر مصر فى أمور كثيرة، مثل قصص حياة الأنبياء أصحاب الرسالات السماوية، والكتب الإسلامية المقدسة، ودور مصر فى تحرير الشام من الصليبيين والمغول، ودور مصر فى اللغة العربية، وكيف كانت مصر عاصمة للخلافة خلال فترات طويلة، وغيرها من الموضوعات التى أرى أنها تنمى الإحساس بالانتماء والفخر بالوطن لدى المصريين، وتعرّف غير المصرى بدور مصر التاريخى فى الكثير من المجالات.

■ فى معرض الكتاب الأخير قدمت «حكايات جدو» كيف يرى محمد السيد أدب الطفل فى مصر الآن؟

- أدب الطفل فى مصر يعيش مرحلة استثنائية، هناك انتعاش وغزارة لا مثيل لهما. الكُتّاب المصريون يحتكرون كل مسابقات التأليف للطفل فى الوطن العربى، دور النشر تهتم بأدب الطفل، والمركز القومى لثقافة الطفل يؤدى دورًا مهمًا فى تشجيع الكتابة للطفل، من خلال تنظيم المسابقات، ونشر الأعمال المتميزة. ونحن فى نادى القصة نعقد مؤتمرًا سنويًا لأدب الطفل، ومنذ حوالى شهرين، عقدنا مؤتمرًا عن أطفالنا والخيال العلمى. باختصار أدب الطفل فى مرحلة صحوة جميلة أرجو أن تستمر.