الخميس 09 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«جودر».. باب أمام عودة أقوى لعالم «ألف ليلة وليلة»

مسلسل جودر
مسلسل جودر

سعيد بعودة عالم «ألف ليلة وليلة» إلى الشاشة الصغيرة مجددًا، من خلال مسلسل «جودر»، الذى كتبه أنور عبدالمغيث، وأخرجه إسلام خيرى، وقدمته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بإنتاج ضخم، ساعد فى تجسيد الخيال، ومنح هذه النوعية الصعبة سحرها اللائق بها.

مسلسل «جودر» توفرت به عناصر فنية ممتازة، ومواهب حقيقية أعادت بناء دنيا الحكاية وتفصيلاتها، ورفعت سقف الإجادة والإتقان، بل ويمكن القول إنها نقلت النوع- وحكايات ألف ليلة وليلة فى الدراما المصرية نوع إذاعى وتليفزيونى مستقل- إلى منطقة أخرى.

اختيار حكاية مصرية من عالم «ألف ليلة وليلة» أمر لافت أيضًا، إلى جانب عالم «الشمعيين» الغامض، الذى يحتمل بعض التأويل، كما أن الصراع حاضر من اللحظات الأولى، وهناك تصميم واضح منذ البداية على كل التفاصيل، والعودة إلى القصة الإطارية «شهريار وشهرزاد» جرى بشكل جيد، وكنت أتمنى وجود تقاطع موضوعى ما بين حكايتى «جودر» و«شهريار»، يتجاوز مسألة أن «جودر» مجرد حكاية نجحت فى تسلية «شهريار»، وأنقذت «شهرزاد» من الموت.

نجاح المسلسل لن يضيف عملًا مميزًا لدراما رمضان ٢٠٢٤ فحسب، بل سيفتح الباب لعودة أقوى لاستلهام عالم «ألف ليلة وليلة» فى ثوب جديد، بإمكانيات إنتاجية وتقنية استثنائية، ومن يدرى فقد ينتقل هذا العالم إلى السينما بكل سحرها وإبهارها، وبكل قدراتها على ترجمة الخيال إلى صور وألوان، وخدع مذهلة ومتفردة.

«جودر» دليل على أنه إذا توافرت الإمكانيات المادية والوقت فسيكون هناك إبداع، لأن الفنان المصرى يكون مرتبطًا بالوقت، فيضطر إلى التعجل وتسديد الخانة، وعلى العكس إذا وجد وقتًا وإمكانيات.

نحن لدينا مهندسو الديكور ومصممو الخدع والجرافيك، ولدينا المصممون وخبراء الصوت والصورة، ويمكننا أن نقدم مستويات عالمية، وهذا ليس الآن، ولكنه منذ زمن، وهناك مخرج بولندى شهير جدًا اسمه كازاليروفيتش، عندما قدم فيلمًا عن فرعون، استعان بشادى عبدالسلام كمصمم للأزياء، والفيلم وصل إلى الأوسكار فى الستينيات.

«جودر» أثبت بالدليل القاطع قدرتنا على إنتاج مثل هذه الأعمال، بطريقة عملية تفوقت على كل الإنتاج السابق لأعمال «ألف ليلة وليلة»، ورفعت سقف الطموح، بمعنى أن أى عمل جديد فانتازى ينبغى ألا يقل عن هذه الجودة، فالمسلسل غيّر طريقة تقديم هذه الأعمال، وقفز بها قفزات كبيرة.

كتابة المؤلف أنور عبدالمغيث تستحق الإشادة، لأن المسألة ليست إبهارًا بصريًا وإخراجيًا فحسب، لكنه أخذ الفكرة وطورها، وركز فى إعادة معالجتها على «تنظيم الشمعيين»، الذى له تأويلات كثيرة من بينها «المتربصون بالبلد»، وبالتالى لا بد أن نمنحه حقه، ولا نأخذ الأمر على أنه مجرد «بهرجة بصرية»، بل هناك فكرة ومغزى ودلالة من تقديم هذه القصة فى هذا التوقيت.

كما أشيد بالمخرج إسلام خيرى، والفنان ياسر جلال، فإسلام خيرى طوال عمره مخرج متميز، لكنه لم يأخذ المكانة التى يستحقها، وحين أتيحت له الفرصة والإمكانيات، استطاع أن يبلور موهبته ويدفع بها إلى الأضواء بشكل أكبر، وكذلك الحال بالنسبة لياسر جلال، فهو طوال عمره ممثل مجتهد ودارس وفاهم، وأعتقد أنه فى السنوات الأخيرة حقق الكثير، وما زال أمامه الكثير.

وبالنسبة لـ«التتر» والموسيقى التصويرية، هناك من أحب تتر المقدمة لعزيز الشافعى، وآخرون انحازوا لتتر النهاية لشادى مؤنس، وأنا من الفئة الثالثة التى أحبت الاثنين معًا، وأرى أنهما يكملان بعضهما البعض، ومن أفضل أعمال مؤنس والشافعى.

موسيقى البداية تدخلنا أجواء الخيال، وموسيقى النهاية تعبر عن صراعات شاهدناها، وتمهد إلى صراعات قادمة، والمقطوعتان تتميزان بجمل موسيقية حلوة، بل باذخة الطعامة، ترسخ فى الذهن بسهولة، وفيهما الروح الشرقية والمصرية، مع افتتاحية تقدم التحية لكورساكوف، وجملته الشهيرة، التى صارت عنوانًا على شهرزاد و«ألف ليلة وليلة» ككل.