الثلاثاء 01 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

إيزابيل الليندى: النساء يكتبن أعمالًا عظيمة لكن لا يلقين الاحترام

إيزابيل الليندى
إيزابيل الليندى

تقدم الكاتبة التشيلية- الأمريكية إيزابيل الليندى فى أحدث أعمالها «اسمى إميليا ديل فال»، الذى تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية فى تشيلى عام 1891، قصة شابة تبحث عن هويتها. تحمل الرواية بصمات الليندى المميزة؛ بطلة نسويّة متحررة، وتشابكات السياسة فى أمريكا اللاتينية، والتزام راسخ بالعدالة الاجتماعية، وجوهر نابض بالعاطفة.

تسير إميليا، المهاجرة المعلقة بين عالمين، وراء شغفها بالكتابة والصحافة، رغم ما يفرضه عليها المجتمع الأبوى من تحديات. وتصوغ الليندى عملاً شيقًا من أدب السرد التاريخى، تنسج فيه خيوطًا متفردة من العاطفة والتاريخ والأسطورة.

دخلت بروايتها الأولى «بيت الأرواح» (1982) التاريخ الأدبى بعدما أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا عالميًا، ورسّخت مكانتها بصفتها صوتًا بارزًا فى مشهد الأدب اللاتينى الذى كان الرجال يهيمنون عليه. ومنذ ذلك الحين، نشرت الليندى، التى تكتب بالإسبانية وأضفت طابعها الخاص على الواقعية السحرية، ما مجموعه 27 كتابًا. تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة، وتجاوزت مبيعاتها 77 مليون نسخة حول العالم. عملت إيزابيل الليندى صحفية فى تشيلى أواخر الستينيات، لكنها اضطرت إلى الفرار إلى فنزويلا بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده بينوشيه عام 1973، وأطاح بحكومة سلفادور الليندى المنتخبة ديمقراطيًا. كان سلفادور الليندى عمها «ابن عم والدها». عاشت إيزابيل وعائلتها فى المنفى بفنزويلا لمدة 13 عامًا، ثم انتقلوا لاحقًا إلى الولايات المتحدة، حيث تقيم حاليًا. خلال سنوات المنفى، مرض جدها المقيم فى تشيلى مرضًا خطيرًا، فكتبت له رسالة مؤثرة من القلب، أصبحت لاحقًا النواة التى انطلقت منها روايتها الأولى.

تغوص العديد من كتب إيزابيل الليندى فى ماضى تشيلى وتقلباته السياسية، وفى معاناة المهاجرين والمنفيين، ودور النساء فى مجتمع أمريكا اللاتينية، وتدور أحداثها فى أماكن وسياقات متنوعة؛ من تشيلى إلى حمى الذهب فى كاليفورنيا، ومن حركة العصابات فى فنزويلا خلال الستينيات إلى حرب فيتنام، مرورًا بثورة العبيد فى هايتى فى القرن الثامن عشر.

حازت الليندى على عدة جوائز مرموقة، من بينها جائزة تشيلى الوطنية للأدب «2010»، ووسام الحرية الرئاسى الأمريكى «2014»، وجائزة الإنجاز مدى الحياة من مركز «بن» PEN فى الولايات المتحدة. 

فى حوارها مع موقع «outlook»، والذى تترجمه «حرف»، تتحدث الليندى عن الذكريات التى شكّلت كتابتها، وعن قوة الخيال والأسطورة، وعن روايتها الأحدث.

■ فى روايتك الجديدة «اسمى إميليا ديل فال»، التى تدور أحداثها فى القرن التاسع عشر، البطلة كاتبة وصحفية.. إلى أى مدى كانت تجربتك الشخصية حاضرة فى رحلة هذه الشخصية المتخيلة؟

- أشار كثيرون إلى أن إميليا انعكاس لى، لأنها صحفية وكاتبة، ولأنها لا تربطها علاقة بوالدها البيولوجى، الذى يحل مكانه زوج أم رائع، كما فى حالتى تمامًا. فى الحقيقة، لم أكن أفكر فى أى من ذلك عندما كتبت الرواية، لكن المادة الخام لكل كتاباتى هى تجربتى الخاصة؛ ذكرياتى، الأشخاص الذين ألتقيهم، والأشياء التى تهمنى وتشغلنى.

■ عندما تقنع إميليا رئيس تحريرها بإرسالها إلى تشيلى لتغطية الحرب، أوكل إليها مهمة كتابة تقارير إنسانية وأسند التقارير السياسية «الجادة» إلى زميلها الرجل.. الأمور تغيرت، لكن التحيزات ما زالت قائمة، أليس كذلك؟ فالتسميات مثل «كاتبة امرأة» و«أدب نسائى» لا تبدو أنها فى طريقها للزوال.

- نشرت روايتى الأولى «بيت الأرواح» عام ١٩٨٢، خلال فترة ازدهار الأدب اللاتينى الأمريكى، وهى موجة كانت ذكورية بامتياز، فلم تكن ثمة كاتبات ضمن هذه الموجة. ومنذ ذلك الحين اقتحمت الأصوات النسائية عالم السرد بقوة، واليوم نشهد طفرة حقيقية فى الكاتبات. النساء حول العالم ينشرن أعمالًا روائية عظيمة، لكن عمومًا لا يُمنحن نفس الاحترام الذى يحظى به الكتّاب الذكور. عندما نتحدث عن الأدب يُفترض ضمنًا أنه أدب يكتبه رجال بيض. وحين يُلصق صفة باسم «الأدب»، فإنها تقلل من قيمته، كما لو أن كل الآداب الأخرى أقل شأنًا أو أهمية.

■ عملت فى بداية مسيرتك الصحفية فى مجلة نسائية رائدة فى تشيلى.. كيف أثّرت تجربتك فى الصحافة على تكوينك بصفتك ناشطة نسوية وكاتبة؟ 

- أعتقد أننى كنت نسوية قبل أن أبدأ عملى فى الصحافة. فى تلك المجلة تعلّمت لغة واضحة ومعبرة لأتمكن من التعبير عما أشعر به. كنا نقرأ مؤلفات نسوية، ونكتب عن قضايا المرأة. الصحافة منحتنى الأدوات التى أستخدمها اليوم فى كتابتى؛ كيفية بناء النص، وإجراء البحث والمقابلات، واستخدام اللغة بشكل فعّال، والعمل تحت ضغط المواعيد النهائية.

■ تتصاعد الخطابات المعادية للمهاجرين وتتم شيطنتهم فى كثير من الدول.. هل يمكن لكتّاب الأدب أن يسهموا فى مواجهة هذا التهميش؟

- هناك ١٢٠ مليون لاجئ فى العالم، غالبيتهم من النساء والأطفال، والأعداد فى تزايد مستمر. من المفارقات أن كل شىء اليوم أصبح عالميًا؛ التكنولوجيا، والمخدرات، والأسلحة، والموضة، والتجارة، والمال، والعلم.. إلخ، بينما يبقى الناس مقيدين بالحدود. هذه مشكلة عالمية تتطلب حلولًا عالمية. الخطابات المعادية للمهاجرين تساعد الحكومات على إلقاء اللوم على «الآخرين». وتزيد سياسات اليمين المتطرف من حدة هذه المشاعر. الأدب يصل إلى عدد قليل من الناس، بينما الإعلام والأفلام أكثر تأثيرًا فى تشكيل الرأى العام.

■ عندما تكتبين رواية تاريخية، كيف تضمنين ألا تُطغى الحقائق التى تجمعينها من البحث على السرد الروائى الخيالى؟

- أدرس الماضى لكى أفهم الحاضر وأتخيل المستقبل. بعد أن أنجز بحثى أحصل على الأساس الذى يمكننى من خلاله تطوير الشخصيات الخيالية والقصة. فى بداية مشوارى بالكتابة كنت أغوص فى البحث لدرجة أننى أضيع نفسى فيه، لكننى الآن تعلمت اختيار أبرز النقاط التى تدفع القصة قدمًا. عادةً، أضطر إلى حذف الكثير من المواد من المسودة الأولى.

■ قلتِ فى مقابلة سابقة إنك تحبين كتابة الروايات لأنكِ «كاذبة ماهرة»... هل يمكنكِ التوضيح؟

- لدى خيال واسع جدًا. أحتاج إلى عدد قليل جدًا من العناصر لأخلق عالمًا خياليًا بالكامل، ولهذا أشعر براحة كبيرة وأنا أكتب الروايات. أما الكتابة غير الروائية فهى أصعب بالنسبة لى لأننى مضطرة للالتزام بالحقائق. وفى هذه الحالة يصبح الخيال عائقًا وليس ميزة. أما الأصعب من كل شىء فهو كتابة المذكرات، لأنها تجبرنى على البحث عن الحقيقة داخلى.

■ كثيرًا ما تمزجين بين العالم الواقعى والخيالى فى كتاباتك.. ماذا يعنى لكِ مفهوم الواقعية السحرية؟

- أؤمن بأن العالم مكان غامض جدًا. الغموض، الأساطير، الأرواح، السحر، كلها لها مكان فى حياتى، وبالتالى فهى موجودة أيضًا فى كتاباتى. الأمر ليس مجرد أسلوب أو تقنية سردية.

أنا أحلم كثيرًا. وعندما أكتب، وفقط عندما أكتب، أحلم بأطفال رضّع. ما يحدث للطفل فى الحلم عادةً يكون مرتبطًا بالقصة التى أكتبها، لذا أُولى ذلك اهتمامًا خاصًا. مثلًا، إذا بكى الطفل بصوت رجل مسن فهذا يعنى أن علىّ أن أراجع صوت السرد فى الرواية، لأن ثمة خللًا فى أحد الأمور.

■ فى المذكرات التى تعملين عليها الآن ستشاركين القراء كيف وجدتِ الحب فى السبعينيات من عمرك بعد انتهاء زواجك الثانى.. هل تصفين نفسك بالرومانسية؟

- أنا رومانسية إلى أقصى درجة. فى حياتى الطويلة فعلت أشياء كثيرة غبية من أجل الحب والهوس العاطفى. أدركت أننى يمكن أن أقع فى الحب فى شيخوختى «أنا الآن فى الثانية والثمانين» بنفس الطريقة التى كنت أفعلها عندما كنت شابة، لكن الآن هناك شعور بالعجلة. أنا وروجر «تشوكراس؛ الزوج» لدينا وقت قليل متبقٍ؛ لذا علينا أن نستمتع به.

■ عندما تكتبين كتابًا تعزلين نفسك عن العالم طوال فترة الكتابة.. كيف تحافظين على هذا النظام فى عصر المشتتات الرقمية؟

- لدى جدول كتابة محدد. خلال الساعات التى أعمل فيها على الكتاب لا أسمح بأى مشتتات، لكنى أقضى على الأقل ساعتين فى إجراء المقابلات، والرد على الرسائل، والتعامل مع المكتب والمؤسسة «مؤسسة إيزابيل الليندى، التى أسست عام ١٩٩٦، تخليدًا لابنتها باولا فرياس التى توفيت». لا أستخدم وسائل التواصل الاجتماعى بنفسى، يديرها المكتب نيابةً عنى.

■ هل فكرتِ يومًا فى الكتابة باللغة الإنجليزية؟

- أكتب الأدب الروائى فقط باللغة الإسبانية، لكن يمكننى كتابة الأعمال غير الروائية بكلتا اللغتين. حاليًا، أعمل على مذكراتى باستخدام شاشة منقسمة؛ الإسبانية على اليسار، والإنجليزية على اليمين.