هند الضاوى: الإسرائيليون بلغوا القنوات: «مش هنظهر معاها تانى»

- ناظرت الكثير من الجنسيات وأكثر نموذجين «تعبونى جدًا» هم الإسرائيليون والإثيوبيون
- كل إعلامى حيادى فى «حرب غزة» خايف من «قفل حنفية الفلوس»
- بعض القنوات قالت لى: «لو مش محايدة... مش هنجيبك»!
- هل مطلوب منى مهنية حتى لا أجرح مشاعر إيدى كوهين الذى يسبنا ليل نهار؟!
رغم التزامها بالمهنية فى آلاف الحلقات والمداخلات على القنوات العربية والإقليمية، تؤمن تمامًا بأن الحياد غير مقبول مع قتلة الأطفال ومُحتلى الأراضى ومُدبرى المؤمرات الخبيثة ضد الدول العربية بصفة عامة، ومصر على وجه الخصوص.
إنها الإعلامية المصرية هند الضاوى، التى لقنت عددًا من المحللين الإسرائيليين دروسًا على الهواء، خلال الأيام القليلة الماضية، لتنتشر فيديوهات «تأديبها» لهم على نطاق واسع، ليس فى مصر فحسب، بل على نطاق إقليمى واسع، ليردد الجميع معها عن الإسرائيليين، المثل الذى قالته لأحد محللى الكيان: «عويل ولسانه طويل».
عن رحلتها الطويلة فى الصحافة، والقراءة وفهم طبيعة عمل جماعات الإسلام السياسى، ثم مخططات الاحتلال الإسرائيلى، وكواليس مداخلتيها الأخيرتين مع محللين إسرائيليين، يدور حوار «حرف» التالى مع الإعلامية والصحفية هند الضاوى.

■ من هند الضاوى كما تُحبين أن تُعرفى نفسك؟
- أنا خريجة كلية آداب إعلام من جامعة حلوان عام ٢٠١١، تدربت فى مؤسسات صحفية منذ كنت طالبة فى الجامعة، لمدة ٣ سنوات من ٤ دراسة فى الجامعة، تدربت فى مجلة «أكتوبر» لمدة عامين، ثم تدربت فى جريدة «الأهرام» حتى تعيينى بها فى ٢٠١٢، ثم انضممت لعضوية نقابة الصحفيين. هذا هو المسار الرسمى الخاص بى. لكن فى الوقت نفسه، كنت أعمل بشكل دائم فى وسائل إعلام أجنبية وعربية، منها عملى ٥ سنوات متواصلة فى وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية.
■ لماذا اخترتِ دراسة الصحافة والتخصص فى الصحافة السياسية تحديدًا؟
- رغبت فى التخصص بالصحافة السياسية والشئون الخارجية، لذا التحقت بكلية الإعلام، ثم بدأت المرحلة الثانية التى شكلت طفرة كبيرة فى حياتى، وهى عملى فى وكالة «سبوتنيك» الروسية، التى انضممت إليها منذ إنشائها، وأمدتنى بدعم كبير جدًا، خاصة مع امتلاكى مصادر وعلاقات فى عدد من الدول العربية، ما ساعدنى على إنجاز مهامى داخل الوكالة حتى غادرتها فى ٢٠٢٠.
وكما قلت، سبق ذلك تدريبى فى مجلة «أكتوبر»، التى أعتبرها من أهم مراحل التأسيس فى حياتى، فهى أول مؤسسة صحفية أُمارس فيها عملى الصحفى، قبل عام ٢٠١١، وكنت وقتها ما زلت مبتدئة، ورغم ذلك تلقيت دعمًا واهتمامًا كبيرين بى من قبل زملائى المعينين فى المؤسسة، بقيادة رئيس التحرير وقتها.
أعقب ذلك انتقالى لجريدة «الأهرام» أيضًا كمتدربة، ثم تعيينى ضمن آخر دفعة عُينت بالجريدة، فى أكتوبر ٢٠١٣، علمًا بأننى التحقت بها وأنا لدى ثقل تدريبى ومعرفى كبير، تمكنت من تحصيله من قبل دراستى الجامعية حتى انضمامى إلى «الأهرام»، علاوة على كتابة العديد من المقالات والتحليلات فى عدد من المجلات بالشرق الأوسط.

■ كيف بدأتِ مراحل عملك فى التحليل السياسى والاستراتيجى؟
- بدأ ذلك عام ٢٠١٥ بظهورى فى عدد من البرامج فى القنوات الإخبارية الإقليمية، وشهد لى جميع زملائى فى بدايتى تلك بالتميز، من خلال تحصيلى كمًا كبيرًا من المعلومات، وفهمى ودراستى المتعمقة للمواقف السياسية فى المنطقة بشكل جيد، إلى جانب امتلاكى هبات شخصية.
فأنا أجيد التحدث بشكل جيد من وأنا صغيرة، كطبيعة شخصية وليس نتاج مجهود أو دراسة، وسبق ذلك حصولى على تدريبات مكثفة مع عدد من الخبراء، مثل الدكتور عاطف عبدالجواد، أشهر مراسل لـ«بى بى سى» فى مصر، المدرس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالإضافة إلى الإعلامى العراقى غضنفر عبدالمجيد، واللذين تعلمت منهما أساليب لغة الجسد المناسبة للظهور أمام الكاميرات وطرق التحدث المختلفة.
■ ما المرحلة التى تعتبرينها بداية تشكيل وعيك وتخصصك فى ملف الصحافة الخارجية؟
- اعتقد عام ٢٠١٢، ووقتها لم يتعلق الأمر بمصر فحسب، لم أكن متخصصة فى الشأن الداخلى المصرى، وكنت ضد «الإخوان» بشكل عام، وملفى الأساسى الذى اعتمدت عليه هو دراسة وتحليل محاولات تمكين جماعات «الإسلام السياسى» من الحكم فى الشرق الأوسط، وكان تركيزى الأساسى على سوريا فى البداية.
توجهت فى ذلك الوقت إلى سوريا لتغطية الأوضاع هناك، سواء كان فى دمشق أو بعض المناطق التى كانت خاضعة لسيادة الدولة، حيث التقيت عددًا من المفكرين الذين لديهم خبرة كبيرة ودراسة لمحاولات الفوضى الخلاقة، ومنهم المفكر الفرنسى تيرى ميسان، الذى أجريت سلسلة حوارات معه تتعلق بمشروع تمكين «الإخوان» ودعمهم من قبل بريطانيا وأمريكا بهدف تفكيك الشرق الأوسط، لأكون بذلك من أوائل الناس الذين تحدثوا عن هذا الملف، قبل ١٣ عامًا.
التقيت أيضًا المفكر المغربى إدريس الهانى، وتعمقت معه فى الحوار، لمعرفة على أى أساس تم اختيار الجماعات الإسلامية المنفذة لمشروع التفكيك كإحدى الأدوات الخاصة بالأنظمة الاستعمارية القديمة، وكنت أول من تحدث عن المستشرق البريطانى الأمريكى برنارد لويس، الذى اجتزأ من التاريخ فكرة جماعة «الحشاشين»، التى ترتدى الزى الإسلامى وتُمثل بالجثث وتقتل الناس باسم الدين، ووثقت كل ذلك فى عهد «الإخوان»، الذين مثلوا أعتى مراحل الإسلام السياسى فى مصر آنذاك؟

■ إلى أى شىء استند البناء الفكرى الخاص بهند الضاوى؟ ما الكتب والمفكرون المفضلون لديكِ؟
- القراءة كان منبعها لى هو حبى لموقع مصر الجغرافى، فأنا أرى أن مصر لديها هبة كبيرة، هى أن موقعها متميز جدًا، سواء فى البحر المتوسط أو إفريقيا أو بين العالم الإسلامى، ما جعلنى أبدأ البحث عن كتب أقرأ فيها عن مصر.
بالتوازى كان لدى بعض التساؤلات عن الأديان، وتحديدًا أفكار تدور حول تربيتنا على ألا نسأل فى الدين كثيرًا، وسبب لى ذلك «عقدة» منذ صغرى، لأننى كنت أريد أن أسأل وأجد إجابة أقتنع بها، وهو ما دفعنى للقراءة فى الأديان بتجرد من قبل الجامعة.
بدأت أفكر: هل الروايات الدينية التى ذُكرت فى التوراة عن إسرائيل صحيحة أم لا؟ وبدأت أبحث عن الكتب التى تتحدث عن الإسرائيليين، وكان أفضلها بالنسبة لى كُتب الدكتور عبدالوهاب المسيرى.
كما كنت أحب المواضيع المتعلقة بالخلافة العثمانية، وعندما دخلت فى مرحلة الجامعة، أطلعت على كتب كثيرة حول هذه الحقبة، وعن الحكم الإسلامى، والإمبراطورية الرومانية. كنت أحب التاريخ بشكل كبير، وبالمناسبة أنا حاصلة على الدرجة النهائية فى مادة «التاريخ» بالثانوية العامة، وهذا لا يحدث كثيرًا.
■ وماذا عن أوضاع الشرق الأوسط تحديدًا فى مراحل بنائك الفكرى هذه؟
- بدأت أقرأ لـ«برنارد لويس» الذى سبق أن ذكرته، واستوعبت أن الشرق الأوسط أمام مخطط كبير لما بدأت قراءة كتبه، التى حظيت باهتمام كبير منى فى عام ٢٠١١، فقد حاولت فهم على أى أساس أو نظرية تعتمد الدول الغربية فى التعامل مع الشرق الأوسط.
اكتشفت أن هناك «مُنظرين» و«مستشرقين»، هم من صاغوا الاستراتيجية الأمريكية والبريطانية، من وقت الاستعمار والانتداب، بدأت أبحث عنهم، ووجدت أن لهم «آلهة» فى السياسة، مثل برنارد لويس وصموئيل هنتنجتون، إلى جانب أعمال مثل «بروتوكولات حكماء صهيون» و«أوراق لعبة الشطرنج».
وكنت أسافر بشكل مستمر إلى سوريا ولبنان، لأن بهما دور نشر مميزة فى الترجمة، حصلت من خلالها على كتب قيمة جدًا لكبار المستشرقين الغربيين، خاصة الكتب عن تاريخ الصهيونية.

■ فى ظل وجود مراكز خاصة بالأبحاث والتحليلات.. كيف تمكنتِ من خوض غمار البحث السياسى وأنتِ صحفية؟
- «إعلامى» كلمة شاملة لا تعبر عن شىء محدد، فهناك صحفى أو مذيع أو مُعِد أو مُخرِج، لا بد أن يكون هناك تخصص واضح، ولا بد التأكيد هنا أن التحليل السياسى عُرف فى مصر من خلال الصحفيين وليس الباحثين، وعلى رأسهم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذى ابتدع التحليل السياسى فى مصر، وجعله مدرسة بمكانة كبيرة على طاولة التحليل العالمى، ولم يصل باحث فى مصر إلى ما وصل إليه، حتى الآن.
التحليل السياسى مهنة الصحفيين قبل أى أحد، وما يتوفر للصحفيين من أدوات ومصادر ومعلومات لا يتوفر لدى الباحث، وأنا عندما أتحدث عن سوريا والعراق وغيرهما، أكون قد زرت هذه الدول على الأرض، ورأيت توزيع القوى بها، وعشت ما فيها من حرب، عكس الباحث، الذى لا يتعمق بشكل ميدانى مع الأحداث.
■ ما كواليس ردك على الصحفى الإسرائيلى إيدى كوهين فى لقائك التليفزيونى الأخير الذى انتشر بصورة كبيرة؟
- أولًا: أنا أتعامل بمهنية شديدة فى تحليلاتى السياسية، وجميع القنوات التى ظهرت عليها تشهد بذلك، ولا أبالغ لو قلت إننى قدمت آلاف الحلقات، فأنا أظهر بشكل يومى على الشاشات الإقليمية منذ ٢٠١٩، ولست من أتباع «مدرسة التصعيد» مع المُناظِر أمامى، لكننى لا أقبل بالإهانة تحت أى ظرف، لا تلميح ولا تصريح.
والإسرائيليون عمومًا لديهم مدرستان فى التفاوض والمناظرة، الأولى التى واجهتها تسمى «تحريك اللسان»، وصاحبها لا تكون لديه حقائق يستند عليها فى الحوار، ويظهر ضعف حجته، فيضطر للتمويه و«التتويه» بأساليب مختلفة، حتى يخرج مُناظِره عن تركيزه.
للعلم، هذا ما يحدث فى جلسات التفاوض، ومن بينها مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل، التى كُتب عنها: «الإسرائيلى يتحدث فى المفاوضات عن كل شىء إلا الموضوع الذى يتفاوض المجتمعون حوله، بهدف استنزاف جهود وتركيز المفاوض المصرى».
ما حدث فى الحلقة المذكورة، أن حجة إيدى كوهين كانت ضعيفة للغاية، وفشل أن يناظرنى بالمنطق، لأننى فندت أكاذيبه التى أطلقها خلال مداخلته، فحاول تجاوز حدوده وقال اللفظ الذى سمعتموه.
هو من أصول عربية، ويدرك أن هذا اللفظ غير مقبول لدى المصريين، وأنهم يعتبرونه إهانة. حاول التقليل من قيمة المرأة المصرية، أو منى شخصيًا. وأعتقد أنه لم يتوقع هذا الرد منى، علمًا بأنه قال ما قاله فى الوقت الأخير من الحلقة، ما يعنى أنه أراد ختامها بهذه الإساءة.
■ ما أبرز ردود الأفعال التى تلقيتها بعد الحلقة؟
- أُبلغت بأن الإسرائيليين تواصلوا مع القنوات التى يظهرون عليها، وأخبروهم بأنهم لن يشاركوا فى مداخلات أكون أنا مُناظرتهم فيها، علاوة على محاولتهم التشهير بى باعتبارى «معادية للسامية».
أعتقد أن أهم سبب لذلك أننى تحدثت كثيرًا عن مخطط إسرائيل لإقامة دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل، وفندت زعمهم بأن لهم حقًا تاريخيًا فى أرض فلسطين من خلال نبى الله إبراهيم.
■ ما الفرق بين مناظرة باحث إسرائيلى وأى من الجنسيات الأخرى؟
- ناظرت الكثير من الجنسيات، وأكثر نموذجين «تعبونى جدًا» هم الإسرائيليون والإثيوبيون، وتقريبًا مدرستهما الإعلامية متشابهة، بالاعتماد على الابتعاد تمامًا عن الواقع، وسرد حقائق من الخيال، والتمتع ببرود أعصاب وتضليل وكذب.
أنا أفهم ملفاتى جدًا، ودربت نفسى كثيرًا على تحملهم قبل المناظرات، فالمذيع يوجه لهم سؤالًا معينًا، فتجد إجابة أخرى تمامًا، بهدف إضاعة وقت الحلقة، أو تشتيت المُناظِر أمامه، حتى أصبح لدى خبرة فى التعامل معهم، خاصة الإسرائيليين، وهم الأكثر استفزازًا.
■ ما مدرستك فى التعامل مع هذه الاستفزازات؟
- أنا لست من أبناء المدارس المُسالمة فى التعامل مع هؤلاء، كيف أفعل ذلك مع من يشرعون لأنفسهم قتل الأطفال بلا ذنب، وتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم؟ أنا هنا لا أؤمن بفكرة الحيادية إطلاقًا.
للعلم، هناك بعض القنوات يقولون لنا كعرب: «عندما تناظرون إسرائيليًا كونوا حياديين»، وفى المقابل هو يخرج ويبيدك ويشن هجومًا شديدًا على معتقداتك ويسب أنبياءك ويشكك فى حضاراتك، هل المطلوب منا أن نسمع ذلك دون رد؟
غير معقول أن تقف على الحياد بين ظالم ومظلوم، ومن وجهة نظرى، كل من حاول أن يمارس الحيادية من الإعلاميين فى حرب غزة، كان يحاول الحفاظ على استمرار عوائده من القنوات الإقليمية، وهو ما قيل لى شخصيًا من بعض القنوات: «لو مش على الحياد مش هنجيبك»، فرفضت الظهور معهم.

■ «عويل ولسانه طويل».. كيف وصلتِ إلى هذا المثل الشعبى؟
- الحلقة التى ذكرت فيها هذا المثل من أهم الحلقات التى تحدثت فيها عن الصراع القائم، وهى مناظرة لمدة 27 دقيقة، تحدث الطرف الإسرائيلى فيها بمعلومات مغلوطة كثيرة، وتم منحى نصف دقيقة فقط للرد على كل هذه المعلومات الخاطئة، فكان لا بد أن أختار كلمات مقتضبة تعبر عن رأيى.
أنا أمتلك أدوات للرد، ورأيت أن هذا المثل أفضل ما يعبر عن رأيى وردى على ما قاله مُناظرى الإسرائيلى، فقلت له إن إسرائيل ينطبق عليها المثل الشعبى المصرى «عويل ولسانه طويل»، وإذا كانت منزعجة من ذلك فلتجمع شعبها الذى جمعته من شتات الأرض وترحل من المنطقة.
وبصفة عامة، أنا أنظر إلى الأمثال الشعبية المصرية كتراث مصرى وتراكم فلسفى كبير، وأرى أنها «مش واخدة حقها» فى مصر، ونتعامل معها من باب الترفيه، رغم كونها حكمة تختزل توصيف موقف يُكتب فى صفحات متعددة.
لا أرى استخدام الأمثال غير مهنى إطلاقًا، خاصة أننى اعتمدت على سرد حقائق واقعية، ولم أسئ إلى الطرف الآخر، بل استخدمت مثلًا شعبيًا من التراث المصرى، الذى أعتز به للغاية.. وأنا «من مصر مش من إيجيبت»، والمصريون سعداء برد فعلى كثيرًا.
أواجه مناظرة غير شريفة، لأن ممثل إسرائيل لا يترك أى أداة للتكذيب والتضليل إلا ويستخدمها، مُدافعًا عن حرب غير عادلة فى الشرق الأوسط، هدفها تجريد العرب من هويتهم وأرضهم. فى ظل هذا الصراع الشرس والدموى والإبادات الجماعية وتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، هل مطلوب منى أن ألتزم بالمهنية حتى لا أجرح مشاعر إيدى كوهين، الذى يسب الدول العربية ورموزها وقياداتها!