بيل هايز.. الكاتب والمصور الأمريكى: لا أصور الأطفال أبدًا.. ولا أحب الكاميرا التقليدية

- أنا سيئ جدًا فى التصوير بالهاتف وأفضل استخدام الكاميرا التقليدية
- فكرة كتاب «Sweat: A Historyof Exercise» خطرت لى فى «الجيم»
- تعامل خاص عند تصوير النساء.. ولا ينبغى أن أجعل أحدًا يشعر بعدم راحة أو إحراج
- لا بد من احترام الاختلافات الثقافية والمتعلقة بالجنس والعرق والدين عند التصوير
يكتب بيل هايز، الكاتب والمصور الأمريكى، نصوصه كما يلتقط صوره، باحثًا عمّا يتوارى خلف الظاهر، حيث تمتزج الحواس بالذاكرة، ويغدو الحنين مرآة يرى فيها القارئ نفسه.
من نيويورك التى أحبّها وعاش فيها تفاصيل الحب والفقد، إلى تاريخ التمارين الرياضية والطب، يلتقط «هايز» الحياة بتفاصيلها الصغيرة، عبر مجموعة من الكتب الشيقة التى تستحق القراءة والمشاهدة فى الوقت ذاته، مثل «Sweat: A History of Exercise» و«The Anatomist» و«How New York Breaks Your Heart» و«Insomniac City: New York, Oliver, and Me».
فى حواره التالى مع «حرف»، نتوقف مع بيل هايز عند حدود الكلمة والصورة، عند التقاطع بين الحب كقوة حية والموت كظل دائم، والجسد كأرشيف عاطفى، والكلمة كتأريخ لما كان، ليقدم دروسًا مهمة لكل المصورين حول العالم.

■ كتابك «Sweat: A History of Exercise» تناول تاريخ التمارين الرياضية عبر العصور.. ما الذى دفعك لاختيار هذا الموضوع تحديدًا؟
- أصدرت ٣ كُتب سابقًا، سردت فيها جانبًا من التاريخ العلمى الطبى، إلى جانب السرد الشخصى، وهو النمط نفسه الذى اتبعته فى كتابى «Sweat: A History of Exercise». خطرت لى فكرة الكتاب صدفة فى إحدى صالات الألعاب الرياضية. حينها ما إن بدأت ممارسة تمارين الـ«كارديو»، توقفت فجأة، لا أدرى لماذا، وألقيت نظرة حولى، فرأيت مجموعة من الناس، رجالًا ونساءً من مختلف الأعمار والأعراق والبُنى الجسدية، منهم من يرفع الأثقال، أو يؤدى تمارين البطن، أو العقلة، أو الضغط، وتساءلت: كيف وصلنا جميعًا إلى هنا؟ ولو أردت العودة إلى الوراء، إلى بداية مفهوم التمرين الرياضى، أين ستكون نقطة الانطلاق؟ وحين غادرت الصالة، بدأت فورًا رحلة البحث للإعداد للكتاب.
■ ما أبرز الفروق التى لاحظتها بين الثقافات المختلفة فى تعاملها مع الرياضة والتمارين البدنية؟
- ما يثير الدهشة هو مدى التشابه بين أشكال التمارين. صحيح أن الثقافات والبلدان المختلفة ابتكرت أو ركزت على نوع معيّن من التمارين دون غيره. لكن الرغبة فى ممارسة الرياضة، والفهم الفطرى بأنها مفيدة للجسد والعقل، تعود إلى آلاف السنين، سواء فى اليونان القديمة أو الصين أو مصر أو أوروبا، وغيرها. أعتقد أن هذه الرغبة، بل والقدرة على الحركة والنشاط، مغروسة فى حمضنا النووى كبشر.
■ هل هناك نوع من التمارين كان يُمارس فى العصور القديمة ويُعتبر غريبًا فى الوقت الحالى؟
- أعتقد أن ما يبدو «غريبًا» بالنسبة لنا اليوم هو أن الفهم الذى ساد فى العصور القديمة لكيفية عمل جسم الإنسان من الداخل، على المستوى الفسيولوجى، كان خاطئًا تمامًا، ولا يستند إلى أى أساس علمى. فلمئات السنين، كان يُعتقد أن الجسم يحتوى على ٤ سوائل أساسية: الدم والبلغم والسوداء والصفراء، ويجب أن تظل هذه السوائل متوازنة، وإلا فإن اختلالها، سواء بالزيادة أو النقصان، يؤدى إلى الأمراض.
هذا الفهم الخاطئ يعود فى جزء كبير منه إلى أن تشريح الجثث البشرية كان محظورًا لقرون طويلة، ما جعل الأطباء والفلاسفة يعتمدون على التخمين فى تصورهم لكيفية عمل الجسد من الداخل. ومع ذلك، فقد كانت التمارين اليومية المعتدلة تُعتبر وسيلة للحفاظ على توازن هذه السوائل الأربعة.
لم يبدأ الفهم العلمى الحقيقى للجسم البشرى إلا فى القرن الـ١٧، حين اكتشف ويليام هارفى الدورة الدموية، وربطها بضربات القلب، فبدأت تتضح الفوائد الحقيقية للتمارين القلبية. ورغم أن التصورات القديمة حول الجسم كانت خاطئة فى نواحٍ كثيرة، كانت فكرة استفادة الجسم من الرياضة حاضرة بوضوح.
■ كيف ترى تأثير الإعلام ووسائل التواصل على انتشار الرياضة فى العصر الحديث؟
- تغيرت مفاهيم الجمال واللياقة البدنية فى العصر الرقمى، فالأفلام والتليفزيون، وفيديوهات التمارين الرياضية، وووسائل التواصل الاجتماعى، كل هذا له تأثير كبير فى انتشار التمارين الرياضية. اليوم، يمكن لأى شخص أن يحصل على مدرب شخصى افتراضى، أو برامج تمارين خاصة مباشرة على هاتفه.
■ فى كتابك «The Anatomist» تتناول حياة هنرى جراى وكتابه الأشهر «Gray’s Anatomy».. ما الذى جذبك إلى هذه المنطقة؟
- اقتنيت نسخة من كتاب «Gray’s Anatomy» فى الجامعة، اشتريته ذات يوم من مكتبة كتب مستعملة واحتفظت به لسنوات. وأثناء عملى على كتابى الثانى: «خمسة لترات: تاريخ شخصى وطبيعى للدم»، أخذت الكتاب للتحقق من معلومة ما، وفجأة تساءلت: من هو مؤلفه؟ من هو هنرى جراى؟ لم يتضمن الكتاب أيًا من سيرته، فبدأت رحلة البحث لأعرف قصته، وقصة كتابة الكلاسيكى لعلم التشريح.

■ تروى فى الكتاب قصة علمية وتاريخية معقدة.. كيف تمكنت من جعلها مشوقة للقارئ العام؟
- سردت فى كتابى عن هنرى جراى قصة السنة التى درس فيها التشريح، مع طلاب الطب والصيدلة فى السنة الأولى بجامعة كاليفورنيا فى سان فرانسيسكو. حينها لم أكن قد رأيت جثة من قبل. لكن بعد فترة تعلمت كيف أشق جثة بالكامل، مثل ما فعل هنرى جراى. تمنيت لو أن هذا يجعل الكتاب مشوقًا، لأن القارئ يكتشف جسم الإنسان والتشريح معى خطوة بخطوة.
■ هل تعتقد أن «جراى» كان راضيًا عن تأثيره الدائم فى الطب.. أم أنه لم يحظ فى حياته بالاعتراف المستحق؟
- هو لم يكن يعرف مدى تأثيره هذا، لأنه توفى بمرض «الجدرى» قبل عامين من نشر الكتاب الأصلى فى ١٨٥٨. كان عمره ٣٤ عامًا فقط. أشرف على مراجعات الطبعة الثانية قبل وفاته. لكنى أشك أنه كان تخيل أن يظل الكتاب يطبع وترتبط كلمة «التشريح» باسمه لأكثر من ١٥٠ سنة.
■ أيمكن القول إن «Gray’s Anatomy» أكثر من مجرد كتاب طبى؟
- غالبًا ما يذكر الفنانون أيضًا هذا الكتاب كمصدر إلهام لهم، سواء كانوا مشهورين أم لا. مثلًا، دمج جان ميشيل باسكيات أجزاء من هذا الكتاب فى بعض لوحاته، وكان للكتاب تأثير مهم على فنه. أعتقد أنه كان يمتلك نسخة منه فى فترة طفولته ومراهقته. أعتقد أن المئات من الرسومات التشريحية الدقيقة والجميلة، التى حُفرت على ألواح خشبية للطباعة، أسهمت بشكل كبير فى نجاح الكتاب.
لم تكن هذه الرسومات من عمل الكاتب نفسه، بل رسومات زميله وتلميذه، الدكتور هنرى فاندايك كارتر، وهو طبيب ويمتلك موهبة فنية. وكما أظن كانت قصته شبه مجهولة لمعظم الناس قبل أن أكتب كتابى. لم يُنسب لـ«كارتر» الرسومات بعد الطبعة الثانية أو الثالثة، ولم يتابع الفن كمهنة بعد انتهاء عمله فى كتاب «تشريح جراى»، رغم أنه حصل على أجر بسيط مقابل ذلك.

■ «How New York Breaks Your Heart».. ماذا تعنى فكرة «المدينة تكسر القلب» فى كتابك هذا؟
- عندما تقع فى حب شىء ما، سواء شخصًا أو مدينة، فمن الممكن أن يتألم قلبك، وربما يُكسر جزء منه. لكن هذا لا يعنى استحالة الإصلاح أو الشفاء. لقد وقعت فى حب نيويورك بشدة عندما انتقلت إليها عام ٢٠٠٩، كنت فى الـ٤٨ من عمرى. ومع ذلك، المدينة سببت لى ألمًا فى لحظات عدة، بعضها بسيط وتافه، وبعضها كان مؤلمًا للغاية، مثل فقدان شريكة حياتى. رغم ذلك، ما زلت أحب نيويورك كثيرًا. العلاقة مع المدينة قد تكون أحيانًا مليئة بالتناقضات، بين الحب والكره، وهذا يتغير حسب اليوم.
■ كيف تختار اللحظات والصور التى تعكس هذا التأثير العاطفى الكبير للمدينة على الأفراد؟
- أثق فى حدسى، وفى غريزتى لسرد القصص، وقدرتى على رؤية الصور أو اللحظات التى أشعر بأنها يجب أن تُلتقط كما هى، تمامًا كما أراها أو كما «أسمعها» فى ذهنى، أو كما أعيشها فى الشارع أو فى المترو أو فى سيارة الأجرة أو أى مكان آخر.
■ كتابك «Insomniac City: New York, Oliver, and Me» مزيج من الصور الفوتوغرافية والسرد القصصى.. كيف تعاملت مع هذا التنقل بين التصوير والسرد؟
- كنت ألتقط صور الشوارع لسنوات طويلة منذ أن انتقلت إلى نيويورك، وعندما قررت كتابة مذكراتى، بدا من الطبيعى أن أدمج الصور مع النص. فى الكتاب أكثر من ٤٠ صورة بالأبيض والأسود. ستلاحظى عدم وجود أى وصف أو قصة خلف هذه الصور، كيف التقطت الصورة، أو من هو هذا الشخص الغريب، باستثناء صورة واحدة فقط، لصديقة مسنة تُدعى «إيلونا».
كان ذلك قرارًا مقصودًا، لكى تروى الصور قصصها، أو تترك للقارئ حرية تخيل القصص. أردت أن تبدو الصور، كأنك تمر بمجموعة من الغرباء فى شوارع نيويورك. تقرأ فصلًا، ثم تقلب الصفحة لتجد صورة لشخص «نيويوركى» عادى. أردت أن يشعر القارئ بالمفاجأة البصرية، وأن يعيد تجربة العيش والسير فى شوارع هذه المدينة.

■ المدينة نفسها مليئة بالأصوات والضجيج، لكنك فى الكتاب تُظهر الهدوء والعزلة التى يشعر بها البعض فى وسط الزحام. هل تعتقد أن نيويورك تخلق نوعًا من الاغتراب حتى داخل مجتمعها الكبير؟
- الاغتراب لا، ربما هى العزلة. السكان فى نيويورك يمكن أن يكونوا لطفاء ومتعاونين جدًا مع الغرباء، سواء كانوا سياحًا أو من أهل المدينة. شاهدت ذلك بنفسى فى الأيام الأولى من جائحة «كورونا» هنا، كانت هناك روح حقيقية من التضامن والتكاتف، على الأقل فى البداية!
■ فى زمننا الحالى، أصبح بإمكان الجميع التقاط الصور بسهولة، ولكن لا يزال هناك فرق كبير بين مصور وآخر.. ما الذى يجعل صورك مختلفة عن التى يلتقطها الناس بهواتفهم؟
- لطالما أعجبت بأعمال مصورى الشوارع القدامى مثل روبرت فرانك وديان أربوس وجارى وينوجراند، ولهذا كنت دائمًا منجذبًا لهذا النوع من التصوير. عندما انتقلت إلى نيويورك، اشتريت كاميرا وبدأت أجرب التصوير بنفسى، أستكشف المدينة وألتقط صورًا للغرباء.
فى ذلك الوقت، لم يكن الناس يستخدمون الهواتف الذكية كثيرًا لالتقاط الصور، على الأقل هذا ما أتذكره. لم يكن يخطر ببالى أن أصور بهاتفى. رغم أننى ألتقط أحيانًا صورًا باستخدام الـ«آيفون»، إلا أننى سيئ جدًا فى ذلك، هى مفارقة لطيفة. أنا أفضل بكثير استخدام الكاميرا التقليدية، واستخدم كاميرا رقمية.
■ نيويورك، كما تصفها فى كتابك، مدينة مليئة بالتوترات العاطفية والإنسانية. هل تعتقد أن المدن نفسها يمكن أن تفرض تأثيرًا خاصًا على أسلوب المصور؟ وهل هناك مدن أخرى، غير نيويورك، تأثرت بها بشكل كبير وأثرت على تصويرك؟
- بالتأكيد. حاولت أن ألتقط صورًا مشابهة للشوارع فى مدن أخرى زرتها، مثل لندن وباريس ومومباى وروما. لكن الأمر لم يكن نفسه أبدًا. غالبًا لا تنجح الصور بنفس الطريقة. جزء من السبب هو اللغة، فأنا لا أتحدث الفرنسية أو الإيطالية، مثلًا، ما يصعب بدء محادثة. حتى فى لندن، لاحظت أن الناس كانوا أكثر تحفظًا عندما أردت التقاط صور لهم. فعندما نصور الناس فى الشارع يجب علينا دائمًا أخذ إذن منهم بالتصوير، أسألهم إذا كان بإمكانى التقاط صورتهم أولًا، لذا تكون الصور أشبه بصور شخصية عفوية تُلتقط بسرعة، وهى لقاءات لحظية وسحرية بين شخصين غريبين قد لا يلتقيان مرة أخرى.

■ هل سبق لك أن شعرت بأن تصوير مدينة معينة لم يكن قادرًا على نقل جوهرها الكامل؟
- لا بد من احترام الاختلافات الثقافية، وكذلك الاختلافات المتعلقة بالجنس والطبقة والعرق والدين، وغيرها. عندما سافرت مثلًا إلى الهند، شعرت أحيانًا بأن الناس لا يفهمون سبب رغبتى فى تصويرهم، أو كانوا لا يريدون أن ألتقط صورهم على الإطلاق، وبالتأكيد كنت أحترم ذلك ولا أصورهم.
أيضًا أنا مستوعب تمامًا أن المسألة مختلفة بالنسبة للنساء، خاصة هنا فى نيويورك، أحيانًا قد يشعرن بعدم الارتياح، أو أن يفهمن الأمر على أنه تطفل عندما يقترب رجل أبيض فى منتصف العمر مثلى لطلب تصويرهن. أنا لا أريد أبدًا أن أجعل أحدًا يشعر بعدم الراحة أو الإحراج، هدفى التقاط صورة جيدة وجميلة بموافقة الأشخاص. كما أننى لا أصور الأطفال أبدًا، إلا فى حالات قليلة يكون فيها الآباء حاضرين وطلبت إذنهم، أو عندما أصور عائلة كاملة معًا.