الثلاثاء 21 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

كوليت هيلر: جدتى من القاهرة.. وعلمتنى الرقص الشرقى

كوليت هيلر
كوليت هيلر

- الممثلة وكاتبة قصص الأطفال العالمية من أصول مصرية تتحدث لـ«حرف»

- أعتقد أننا بحاجة إلى قدر من الملل كى نبتكر

- أشعر بالرعب من التكنولوجيا وهى تخنق الخيال

- عندما أرى طفلًا صغيرًا يستخدم جهازًا إلكترونيًا أرغب فى انتزاعه منه فورًا

- الإصرار على مفاهيم عميقة و«تنقية» القصص من المثير للجدل ليس فى صالح الطفل

بين المسرح والسينما، ثم الإنتاج فى هيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، وصولًا إلى تأليف كتب الأطفال، تمتد رحلة الممثلة والمنتجة والمؤلفة الأمريكية ذات الجذور المصرية كوليت هيلر.

رحلة متعددة الوجوه، تجمع بين التمثيل والإنتاج والكتابة، وتكشف عن شغف عميق بالفن واللغة، ورغبة دائمة فى التجديد، وهو ما يظهر بشكل جلى فى أعمالها الموجهة للأطفال، مثل «Colossal Words for Kids/ كلمات عظيمة/كبيرة للأطفال» و«The Elephant and the piano / الفيل والبيانو»، حيث المزج الساحر بين المرح والخيال والرسائل الإنسانية.

فى حوارها التالى مع «حرف»، نتوقف عند أبرز محطات مسيرتها المتنوعة، ونقترب أكثر من رؤيتها لأدب الطفل ودوره فى عالم يتغير بسرعة، كل لحظة تقريبًا، ما يخلق العديد من التحديات أمام هذا المجال الإبداعى.

■ فى البداية كنتِ ممثلة، وشاركْتِ فى أعمال شهيرة مثل «An American Werewolf in London» ومسلسل «Shockers»، ثم انتقلتِ إلى الإنتاج والمشاريع الفنية، ومنه إلى تأليف كُتب الأطفال.. كيف تصفين هذا المسار المتعدد؟

- على مدى سنوات طويلة عملتُ كممثلة، بعد أن التحقتُ بالمدرسة الثانوية الشهيرة لفنون الأداء فى نيويورك، حيث بدأت مسيرتى كراقصة. بعد فترة قصيرة انتقلتُ إلى لندن مع فريق مسرحية «آنى»، وهناك أمضيت أعوامًا عديدة على خشبة المسرح اللندنى. 

عندما كان توأمىّ لا يزالان صغيرين، أصدرتُ ألبومًا مخصصًا للأطفال بعنوان «Applehead»، وهو عمل يجمع بين الحكاية والأغانى، وحقق نجاحًا لافتًا ببيع ٥٠ ألف نسخة. هذا النجاح فتح أمامى الطريق إلى التوسع فى مجال الكتابة، ومن ثم الإنتاج داخل هيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، حيث شاركتُ فى إعداد برامج تعليمية. وما أحببته فى تجربة العمل مع «BBC» هو ما تحمله من قيم أساسية، تجمع بين الترفيه والتعليم والتنوير.

■ ما الذى أضافه التمثيل والإنتاج إلى أسلوبك فى كتابة قصص للأطفال؟ هل ساعدتك خبرتك كممثلة فى بناء شخصيات أكثر حيوية فى كتبك؟

- أرى أن أبرز ما منحنى إياه التمثيل، هو وعيى العميق بقيمة الكلمة المنطوقة. كل جملة تُكتب للأطفال ينبغى أن تكون ممتعة عند قراءتها بصوت عال، وأن تتسم بالإيقاع والمرح والإيجاز فى آن واحد. لا يجوز أن يُقال أكثر مما هو ضرورى فعلًا، بل يجب أن يتضمن النص عنصر الدراما بوضوح، فالغاية الأساسية أن يجذب الكاتب انتباه الطفل ويحتفظ به، مع الحرص فى الوقت ذاته على ألّا يثقل على القارئ البالغ، الذى يتولى قراءة النص بصوت مسموع، بكم كبير من الكلمات الزائدة.

■ عندما تتذكرين نفسك فى موقع التصوير كممثلة، ثم تجدين نفسك اليوم أمام الأطفال ككاتبة، أى جزء من شخصيتك ظل ثابتًا، مع كل هذه التحولات؟

- ظل إحساسى بالمرح وروح اللعب حاضرًا على الدوام. فهو جزء راسخ من شخصيتى، وما زلت أستمتع بالقليل من الشغب اللطيف، الذى يضفى على حياتى بهجة خاصة. إلى جانب ذلك، أؤمن إيمانًا عميقًا بقدرة الأطفال على التفكير الجاد، والدخول فى النقاش، وإظهار طاقة فكرية ملهمة.

مؤخرًا، نال كتابى «Colossal Words for Kids» جائزة «CLiPPA» المرموقة، وهو عمل يقدّم للأطفال كلمات كبيرة ومفيدة، ويُعرِّف كل كلمة من خلال بيت شعرى قصير. لم تكن الغاية أن نُثقل الأطفال بتعابير معقدة لمجرد أن يظهروا بمظهر الأذكياء، بل أن نمنحهم فرصة للاستمتاع باكتشاف جمال وروح اللغة الإنجليزية.

من بين القصائد التى يضمها الكتاب، قصيدة بعنوان «Fallible» أو «قابل للخطأ»، تقول كلماتها:

لا أحد كامل،

كلنا نخطئ أحيانًا،

الجميع يخطئون،

فنحن فى النهاية بشر! 

فإن حاولتَ جاهدًا،

لكن أخطأت رغم ذلك،

فالسبب أنك قابل للخطأ،

وليس لأنك لستَ ذكيًا!

■ ما الذى دفعك لكتابة أحدث أعمالك «The Elephant and the Piano»، الصادر هذا الشهر؟ وهل صحيح أنه مستوحى من قصة حقيقية؟

- هذا الكتاب الآسر بالتأكيد مبنى على قصة حقيقية، صدر عن دار «Magic Cat»، ويروى حكاية رجل إنجليزى يعيش فى تايلاند، ويعزف على البيانو للفيلة. هناك العديد من المقاطع المصوّرة على الإنترنت تُظهر كيف تتجاوب هذه الكائنات الضخمة مع موسيقاه، خاصة مع مؤلفات بيتهوفن! تواصلتُ مع هذا الرجل لأقترح تحويل قصته المدهشة إلى كتاب للأطفال.

ما جذبنى بشكل خاص هو افتتاحية الكتاب، التى ترسم المشهد بعبارات بسيطة آسرة تقول: بعض القصص حقيقية وبعضها من نسج الخيال». هناك قصص مُذهلة إلى حد تبدو وكأنها خيال، ومع ذلك فهى حدثت بالفعل. وهذه واحدة من تلك القصص.

■ لو افترضنا أن القارئ سيخرج برسالة واحدة فقط من هذا الكتاب، ما الرسالة التى تودين أن تبقى عالقة فى ذهنه؟

- أن للحيوانات مشاعر حقيقية تمامًا كما لنا نحن البشر. وأحيانًا يكون فى وسعنا تأدية فعل بسيط، لكنه كفيل بأن يجعل حياتها أكثر سعادة وامتلاءً بالبهجة.

فى كتابك «Colossal Words for Kids» اخترتِ أن تعرّفى الأطفال على كلمات كبيرة ومعقدة من خلال الشعر. ما الذى ألهمك لاختيار هذا الشكل تحديدًا لتعليم اللغة للأطفال؟

الأطفال صُنّاع كلمات بالفطرة. إنهم يحبون تعلّم الكلمات الكبيرة واستخدامها. فإذا تمكنوا من فهم معنى الكلمة، سيستمتعون عند استخدامها أيضًا. فمَن ذا الذى سيقول «ما قبل الأخير»، بعد أن يتعلم كلمة مثل «Penultimat»؟

ما قبل الأخير «Penultimate»

فى هذا الشعر ثمانية سطور،

الأخيرة منها هى الختام.

والتى تسبقها مباشرة،

تُسمى ما قبل الأخير.

فأى شىء يوصف بما قبل الأخير،

يعنى أنه الثانى من النهاية.

والسطور التى تقرأها الآن،

هى السطر ما قبل الأخير بين الأبيات الثمانية!

■ كيف تختارين المواضيع والشخصيات التى تناسب جمهور الأطفال؟

- قبل كل شىء، يجب أن تستحوذ الفكرة على إعجابى بالكامل. بعد ذلك، أعرضها على وكيلتى الأدبية، التى تلعب دورًا بالغ الأهمية فى مساعدتى على تنمية وتطوير الأفكار الجديرة بالتطوير. رغم ذلك، فإن العثور على فكرة جديدة ومليئة بالمرح لا يأتى بسهولة، ويتطلب قدرًا كبيرًا من التفكير والتأمل. لذا، أظل على الدوام أعبث وأجرب بلا توقف، مستمرة فى التجربة والاكتشاف دون نهاية.

■ أسلوبك السردى معروف بالجمع بين الخيال والرسائل الإنسانية. كيف تخلقين التوازن بين البساطة التى تجذب الطفل، والعمق الذى يلمس القارئ البالغ؟

- الوصول إلى البساطة يستغرق وقتًا طويلًا! فالكاتب مُطالَب بأن يغوص فى جوهر حكايته ليكشفها بوضوح، وأن يزيل بعناية كل ما هو زائد عن الحاجة. التمييز بين ما هو أساسى وما هو فائض ليس أمرًا عابرًا أو هيّنًا، بل هو عملية متكاملة بحد ذاتها. غالبًا ما أبدأ بكتابة صفحات عديدة، ومع مرور الوقت، اكتشف أن ما أحتاج إليه فعليًا لا يتعدى عددًا قليلًا جدًا منها.

■ فى ظل انتشار الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، والكتب الرقمية، كيف ترين تأثير التكنولوجيا على قراءة الأطفال اليوم؟

- أشعر أحيانًا بالرعب من التكنولوجيا، لأنى أؤمن بأنها قد تخنق الخيال. فعندما أرى طفلًا صغيرًا يستخدم جهازًا إلكترونيًا، أرغب على الفور فى انتزاعه منه! الأطفال بحاجة إلى أن نشجعهم على النظر إلى العالم الحقيقى من حولهم. أعتقد أننا بحاجة إلى قدر من الملل كى نبتكر. أعتقد أن للكتب الصوتية الكثير لتقدمه. فهى تجذب الناس إلى داخل القصة، وتغمرهم فى عالمها. لكنى لا أرى أن لمواقع التواصل الاجتماعى دورًا مهمًا فى هذا المجال.

■ هل ترين أن القصص المطبوعة ما زالت تلعب دورًا أساسيًا فى تطوير الخيال واللغة عند الأطفال، أم أن الكتب التفاعلية والرقمية ستصبح هى المعيار الجديد؟

- أعتقد أن للصفحة المطبوعة أهمية هائلة، خاصة فى كتب الصور، لأن الأطفال يحبون أن يمسكوا كتابًا ملموسًا بين أيديهم. أما بالنسبة لكتب الفصول والروايات الكلاسيكية، فإن النسخة الصوتية قد تكون بنفس القوة والجاذبية كما النصوص المطبوعة. بينما الكتب التفاعلية لا تثير اهتمامى كثيرًا، لست متأكدة من جدواها. أنا نفسى مستمعة نهمة للكتب الصوتية، لكن دائمًا هناك كتاب ورقى أقرأه فى الوقت نفسه. انتهيت للتو من قراءة «Time of the Child» لـ«نيال ويليامز»، وهو أحد أبرز الكُتّاب الأيرلنديين، ويكتب نثرًا رائعًا بحق.

■ هل سبق لكِ أن فكرتِ فى دمج عناصر تفاعلية أو وسائل رقمية فى كتبك، مثل تطبيقات مصاحبة أو محتوى متعدد الوسائط، لتعزيز تجربة القراءة للأطفال؟

- لم يخطر ببالى يومًا التفكير فى مثل هذا الأمر، لأنى أؤمن بأن القصة يجب أن تبرز بقوتها الذاتية.

■ فى نظرك، ما أهم مهارات يجب أن يكتسبها الأطفال اليوم؟ وكيف يمكن للكتب أن تلعب دورًا فعالًا فى تنميتها؟

- مهارات التفكير والتعليل تُعد على الأرجح من أهم الأمور التى يمكن أن نقدمها للأطفال. نحن نرغب فى تزويدهم بالأدوات التى تمنحهم القدرة على إدراك ما هو جوهرى وذى قيمة، وفهم الأسباب التى تجعل هذا الأمر مهمًا بالفعل، وليس مجرد معلومة عابرة.

■ كيف ترين الوضع الحالى لأدب الأطفال على مستوى العالم؟ 

- هناك العديد من كُتب الأطفال الصغار التى يغلب عليها الطابع العاطفى، ورغم أنها قد تجذب اهتمام الآباء، إلا أنها فى كثير من الأحيان لا تثير اهتمام الأطفال أنفسهم. على سبيل المثال، قد يعتقد بعض الناشرين أن الأطفال سيهتمون بمفهوم مثل «السلام العالمى»، لكننى أرى أن هذا المفهوم مُعقَد جدًا بالنسبة لطفل صغير ليفهمه. كما أن الناشرين فى الغرب يميلون أحيانًا إلى «تنقية» القصص، وإزالة أى عناصر قد تُعتبر مثيرة للجدل، وهو ما يؤثر على أصالة التجربة القصصية بالنسبة للأطفال.

■ هل صحيح أن لديكِ جذورًا مصرية؟

- جدتى فى الأصل من القاهرة. كانت يهودية سفاردية، وأورثتنى الكثير من الوصفات المصرية، مثل «الكبة»، إلى جانب حبى للرقص الشرقى.

■ فى رحلتك المهنية، هل لاحظتِ اختلافًا كبيرًا بين أساليب سرد القصص للأطفال فى الغرب مقارنة بالشرق الأوسط أو العالم العربى؟ 

- أنا أتابع حاليًا دراسة الماجستير فى جامعة «Goldsmiths» مع الكاتب مايكل روزن، وموضوعها «التحليل النقدى لأدب الأطفال». فى إطار هذا البرنامج أقرأ وأحلل طيفًا واسعًا من كتب الصور. وغالبًا ما أجد أن الكُتب البريطانية أكثر مرحًا وأقل جدية من الكتب الصادرة فى بلدان أخرى. 

■ كيف يمكن لأدب الأطفال العربى أن يستفيد من التجارب العالمية دون فقدان الهوية؟

- عندما تكتب كتابًا مصوّرًا، هناك نوعان من القراء يجب مراعاتهما: القارئ الفعلى، وهو الشخص البالغ الذى يقرأ الكتاب بصوت عالٍ، والقارئ المقصود، وهو الطفل الذى يستمع إلى القصة. أرى أن أفضل كُتب الصور هى تلك التى تتحدث مباشرة إلى الطفل، مُستخدِمَة روح الدعابة والوضوح، بحيث يفهم الطفل القصة ويستمتع بها دون الحاجة إلى تفسير من البالغ. هذا يعنى أن القارئ البالغ لا يكون دورُه فقط تفسير النص، بل يمكن للطفل أن يلتقط النكتة والمرح مباشرة بنفسه، حتى وإن لم يفهمها بالكامل.