فى وثيقة صحفية عمرها 43 عامًا.. مَن بنى الكعبة؟

- تاريخ بناء الكعبة فى أولى مراحلها كان عام 2280 ق.م.. ومَن قاموا ببنائها وإرساء قواعدها قبائل جُرهم من أهل منف
- زهير بن أبى سلمى أكد أن بنى عبد مناف وجُرهم هم أهل الكنانة الذين بنوا الكعبة
- أول رسالة للتوحيد نزلت كانت فى أرض مصر كنانة الله فى أرضه
- أصل النبى من بنى هاشم الذين ينتمون إلى أهل منف الذين ينتمون إلى الكنانة أى أرض مصر
- ذكرت أساطير العمارنة أن الإله حدد موقع الكعبة بأن أسقط من السماء حجرًا مقطوعًا على شكل فحم مضىء «نيزك»
- أخناتون أقام أول سجود وأول ركوع فى تاريخ الأديان جميعها كما اشتملت طقوس العقيدة على الوضوء والصلاة
فى عدد مجلة الهلال الصادر فى 1 فبراير 1982 نشر الدكتور سيد كريم مقالًا أعتقد أنه كان محاولة بحثية جادة جديرة بالتأمل والمناقشة، وضع له عنوانًا محايدًا لم يجزم فيه بشىء وهو «قدماء المصريين وبناء الكعبة».
لكن قبل أن نقرأ ما قاله سيد كريم، أعتقد أنه يجب علينا أن نعرف مَن هو، على الأقل لنتعرف على مدى جدارته التى تؤهله لما كتب، وتساعدنا على تصديق ما يطرحه أو التشكيك فيه.
ببحث بسيط سنعرف أن سيد كريم مهندس ومصمم معمارى مصرى وُلد فى 16 فبراير 1911 بالقاهرة، وتوفى فى يوليو من العام 2005، وخلال رحلته التى استمرت فى الحياة لما يقرب من 94 عامًا، تعلم ودرس وبنى ما لا يمكننا تخيله.
تخرج فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة فى العام 1933، وكان ترتيبه الأول على قسم العمارة، وسافر إلى زيورخ ليحصل من جامعتها على الماجستير والدكتوراه فى تخطيط المدن، وعاد فى العام 1938 ليعمل أستاذًا بجامعة القاهرة حتى العام 1951.
فى أرشيفه المهنى نعرف أنه صمم معظم العواصم والمدن العربية، فقد قام بتخطيط أكثر من 12 مدينة عربية منها بغداد الجديدة ودمشق الجديدة وجدة والرياض ومكة وأبوظبى وطنجة المغربية، كما صمم فى مصر مدينة نصر والغردقة وساحل البحر الأحمر السياحى، كما أسهم فى تجديد ميدان التحرير وفندق هيلتون ومتحف الحضارة ومبنى جامعة الدول العربية، ومبنى أخبار اليوم وروزاليوسف.

ويمكننا أن نقرأ توقيع سيد كريم على كثير من المنشآت التاريخية، فقد كان أول من أقام عمارات سكنية متعددة الأدوار، مثل برج الزمالك وعمارة سينما ريفولى وسينما مترو وعمارة الإيموبيليا وشركة الإسكندرية للتأمين، وعمارات شبرد والشمس وعمارات ميدان الفلكى، وكان هو كذلك مَن وضع فى برنامج تخطيط القاهرة تصورًا لإقامة أماكن انتظار السيارات أسفل العمارات، وإقامة جراجات متعددة الطوابق، ووضع تصميمات الجراجات أسفل الميادين الرئيسية.
ومن بين ما ينسب له أنه وضع تصميمات لمشروعى مترو الأنفاق والمونوريل سنة 1950، لكن هذه المشروعات لم ترَ النور.
لم يكن سيد كريم مهندسًا معماريًا ومصممًا للمدن والمبانى فقط، ولكنه كان باحثًا متميزًا أيضًا فى مجال التاريخ والآثار.
كشف سيد كريم الكثير من ألغاز الحضارة الفرعونية فى دراساته وأبحاثه، منها مثلًا أن الفراعنة تمكنوا من إلغاء الجاذبية الأرضية عند رفع الأحجار التى استخدمت فى بناء الأهرامات وتحريكها لمسافات طويلة، وذلك عن طريق توجيه ذبذبات صوتية خاصة وشحنات كهروستاتيكية لتسهيل عملية رفعها، كما اكتشف أن قدماء المصريين هم أول من احتفلوا بعيد الأم كعيد مقدس ابتداءً من الدولة القديمة وحتى أواخر عهد البطالسة، وأن عيد شم النسيم أو عيد الربيع الذى يحتفل به العالم كله هو هدية مصر إلى شعوب العالم القديم والحديث، وله موسوعة مهمة جدًا هى «لغز الحضارة المصرية» التى صدرت فى ثلاثين جزءًا.
بهذه الخلفية العلمية والبحثية يمكننا أن نقرأ ونحن مطمئنون ما كتبه سيد كريم عن قصة المصريين القدماء وبناء الكعبة، فهو لا ينطلق فى كتاباته من الخيال أو التوقع أو التمنى، ولكنه يبحث ويقرأ ويفسر ويحلل ويربط بين المتاح من المعلومات لديه، ليضع أمامنا الحقائق أو ما يعتقد على الأقل أنه كذلك.

يبدأ كريم مقاله بأنه فى مطلع كل موسم جديد للحج ومع طواف حجاج شعوب العالم الإسلامى حول الكعبة الشريفة أو البيت العتيق يتصدى الكُتّاب والمتحدثون للكلام عن «الكعبة» وتاريخ بنائها بمعلومات متضاربة لا يستند معظمها إلى مراجع تاريخية موثوق بها، اعتمد أكثرها على أقوال الرواة.
يستعرض كريم بعضًا مما يقال عن بناء الكعبة.
يقول: من أقدم الأساطير أن الكعبة بناها آدم عليه السلام عند نزوله إلى الأرض على جبل عرفات الذى اتخذ اسمه من تعارف آدم على حواء عند لقائهما على الأرض، وقد أمرته الملائكة أن يبنى الكعبة أو بيت الإله ليدعو ربه ويكفر عن خطيئته، وليبقى البيت قائمًا ليذكر ذريته من البشر إلى يوم القيامة.
ويقول: يجمع تاريخ الكعبة المنسوب لأقوال رواة الجاهلية الكثير من أساطير الخوارق والمعجزات التى لم تلقِ أى ضوء على تاريخ الكعبة نفسها، بل أسدلت عليه ستارًا من الغموض ترك تفسيره للاجتهاد، كما أجمع كثير من المراجع القديمة أنه وردت آثار تدل على أن بناء الكعبة الشريفة تم عشر مرات فى أزمنة مختلفة وظروف متباينة، فقد بنتها الملائكة قبل سيدنا آدم عليه السلام، وبعد أن بنتها الملائكة بناها سيدنا آدم، ومن بعده ولده شيت بمساعدة أبنائه، ثم رفع قواعدها الخليل إبراهيم، كما ورد فى القرآن الكريم، وبنتها من بعده العماليق أو العمالقة، وبنتها من بعدهم جرهم، فقُصى بن كلاب، فقريش، فعبدالله بن الزبير، فالحجاج الثقفى.
ويقول: يذكر التاريخ أن أبا حذيفة المخزومى وبعض شباب قريش الأقوياء حاولوا تحريك حجرين من أحجارها، فانطلق منهما بريق يخطف الأبصار وارتجفت الأرض بزلزال قوى رجّ مكة كلها رجًّا عنيفًا قاسيًا تساقطت معه معظم بيوت مكة والصخور فى قمم الجبال.

وطبقًا لدراسة كريم لم يرد فى القرآن الكريم ما يشير إلى تاريخ الكعبة وبنائها بأكثر مما ورد فى قصة سيدنا إبراهيم وزيارته للكعبة التى كانت قائمة، وذلك فى قوله تعالى «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم ربنا إنى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون».
يشير كريم إلى أن تلك الآيات الكريمة تبين أن البيت الحرام كان معروفًا قبل سيدنا إبراهيم، ومعروف كذلك أن سيدنا إسماعيل كان فى هذه الفترة طفلًا، ثم تأتى آياتٌ أخرى من القرآن الكريم عن رفع سيدنا إبراهيم قواعد البيت الحرام الذى كان موجودًا قبله، «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل»، وذلك بعد أن أصبح سيدنا إسماعيل فى مرحلة الشباب ليستطيع معاونة أبيه.
ثم تأتى بعد ذلك قصة تحطيم سيدنا إبراهيم أصنام الكعبة والأوثان التى كانت تعبد بها.
«وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بى شيئًا وطهّر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود وأذّن فى الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق».
هذه الآيات- كما يرى كريم- تؤكد أن طقوس العقائد من سجود وركوع وطواف وتقديم الذبائح والقرابين والنذور كانت جميعها قد وصلت إلى الكعبة قبل زيارة الخليل أبى الأنبياء لها.

ويؤكد القرآن الكريم أيضًا أن الكعبة أو البيت الحرام كان قائمًا، وأن جميع طقوس العقيدة التى انتقلت إلى الأديان السماوية الأخرى التى نزلت من وقت سيدنا إبراهيم حتى نزول القرآن كانت قائمة بالكعبة وتقابلت عندها قبل ظهور الرُّسل ونزول الأديان.
يتوقف سيد كريم عند تاريخ الكعبة قبل دعوة سيدنا إبراهيم لزيارتها.
يقول: لم يرد لها ذكر فى جميع الكتب السماوية، ما كان سببًا فى محاولة تفسير بنائها بالرجوع إلى أساطير المعتقدات وأحاديث الرواة وتراث القصص الشعبى التى لعب الاجتهاد والخيال الدور الأساسى فى سرد وقائعها حتى جانب تضاربها الصواب.
هذا التضارب هو ما دعا كريم إلى التساؤل والبحث عن الغرض من بناء الكعبة؟ متى بُنيت؟ ومَن بناها؟
ويبدأ البحث من جديد حول إجابة علها تكون أكثر منطقية.
عن الغرض من بناء الكعبة يقول: مما لا شك فيه أن الغرض من بناء الكعبة هو إرساء قواعد بيت للعبادة لإقامة شعائر العقيدة به، عقيدة نزلت على رُسل وأنبياء قبل عهد إبراهيم عليه السلام، يقول القرآن «ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلًا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليمًا رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل».
ويبحث كريم عن جذور رسالة التوحيد ونزولها على البشرية، فيجد أن أول رسالة للتوحيد نزلت كانت فى أرض مصر كنانة الله فى أرضه.

يقول المؤرخ بترى فى كتابه «ضمير الحضارة»: شعب مصر كان أول شعب آمن بالله، وأول من آمن بأن هناك إلهًا واحدًا للجميع، آمن بهذه الحقيقة قبل مولد الزمان وقبل إرسال الرسل والأنبياء، فكان أول من نادى بالتوحيد، فذلك التوحيد والإيمان بالخالق هو الذى بنى حضارة مصر التى خُلدت بخلود العقيدة، وعبروا عن الإله الواحد «باتوم» القوة الخفية الكامنة التى تهب الحياة وتُسيّر الكون، وعرفوا سر الوجود فآمنوا بالحياة والروح والبعث والحساب والعالم الآخر.
وقد لفت هذا اللغز انتباه الباحثين وعلماء الأديان واللاهوت من قديم الزمن، فتقابلت بحوثهم ونتائجها حول مدينة «أون» «هليوبوليس- عين شمس»، التى أقاموا بها أول مرصد لقبة السماء، ومنها خرجت أولى رسالات الخلق والتوحيد التى عرفتها البشرية وكانت منارًا لجميع الأديان، وأجمع كثيرٌ من كبار علماء اللاهوت على أن تلك الرسالة بما حَوته من تعاليم وتشاريع وتفاصيل لبناء المجتمع الإنسانى لا بد أن تكون رسالة سماوية سبقت العقل البشرى. وقد خرجت رسالة تلك العقيدة، كما وصفها المؤرخ المصرى القديم «مانيتون» للكاهن الأكبر لمعبد أون، وكان أول من سجل تاريخ مصر وقسّمه إلى عهود وعصور وأسرات ووضع قوائم الملوك وأسمائهم والتاريخ الزمنى لحكم كل منهم من عهد «الخلق» الذى اعتبر خلق مصر بنزول العقيدة إلى نهاية الأسرات، وقد خرجت رسالة العقيدة، كما ورد فى قوائمه عام ٩٥٠٠ من التقويم المصرى الكهنوتى، أى من ١٢٥٠٠ سنة، ووصف حاملى تلك الرسالة «بأنصاف الآلهة من الكهنة المبجلين».
كان لا بد لهذه الرسالة من رُسل.
يقول كريم: حمل رسالة التوحيد خلال عصور مصر القديمة والفرعونية أكثر من رسول، بعد طغيان كل فترة من فترات انحلال العقيدة وتعدد الآلهة، فبعد رسالة التوحيد الأولى التى خرجت من «أون» واستمرت ما يقرب من ألفى سنة، كما ورد فى وثائق المؤرخ شنسللو «تاريخ العالم من آدم إلى دقلديانوس»، ثم خضعت بعد ذلك لمختلف المذاهب الدينية فتعددت آلهة العبادة ومعبوداتها حتى قامت ثورة التوحيد الثانية التى جمعت بين توحيد العقيدة وتوحيد الوادى فى عهد ما قبل الأسرات، كما كان الفضل للملك مينا «نعرمر» موحد القطرين ومؤسس الأسرة الأولى الذى قام بحربه المقدسة لتوحيد البلاد بتوحيد الإله الواحد الذى رمز له بصقر السماء، وقام بزحفه الدينى لدعوة البلاد لنبذ آلهتهم المحلية ومعبوداتهم المتعددة والدخول فى عقيدة الإله الواحد، إله السماء ورب الأرباب.

وعادت الدعوة لرسالة التوحيد مرة أخرى فى عصر الأهرامات ويرمز للإله الواحد بقرص الشمس «رع»، وكان آخر رسالات التوحيد هى التى نادى بها أخناتون فى الأسرة الثامنة عشرة، ثم خرج بها موسى عليه السلام من مصر حاملًا رسالة التوراة.
ويرصد كريم خروج رسالات العقيدة من مصر التى بدأت لأول مرة عند قيام ثورة عام ٢٢٨٠ ق. م فى أعقاب الأسرة السادسة، وقد أطلق عليها المؤرخون اسم ثورة الرعاع وعصر الاضمحلال، وقد بدأت، كما وصفتها برديات «الحكيم أيبيور» كأى ثورة شيوعية بالثورة على الدين وإغلاق المعابد ومنع الشعائر الدينية وحرق المقدسات وتشريد الكهنة والعلماء ومطاردة رجال الدين وأتباعهم.
ويصف «أيبيور» كيف هرب أهل منف إلى الصحراء الشرقية وجنوب الوادى وعبروا البحر إلى الجزيرة العربية، حيث أطلق عليهم اسم «بنى مناف» أو «أهل منف» كما أطلق عليهم الفراعنة اسم جُرهم، وهو الاسم الذى عرفوا به فيما بعد، ومعناه باللغة المصرية القديمة «مهاجرو مصر».

هنا تبدأ الحكاية إذن.
فطبقًا لسيد كريم كان هؤلاء المهاجرون من نسب إليهم بناء الكعبة، وهم أيضًا الذين لجأت إليهم السيدة هاجر المصرية أم إسماعيل عندما تركها سيدنا إبراهيم عند الكعبة، لأنها لم تكن على علم بلغة العرب فبحثت عن قبائل جُرهم المصريين الذين قاموا بإيوائها وأمكنها التفاهم معهم، وعندما وصل بنو مناف وجُرهم إلى أرض مكة أقاموا «بيت الرب» مماثلًا لمعبدهم الجنائزى بمنف الذى يطلق عليه حاليًا هرم «اللاهون» الذى بناه الملك سنفرو، مؤسس الأسرة الرابعة ليكون كعبة لمعبده الجنائزى وليس مقبرة له كبقية الأهرامات، وقد بنى قبل الهرم الأكبر كرمز أو كعبة للتوحيد، كما حملوا معهم عند خروجهم ثالوث منف المقدس المكون من الآلهة ألمت آخر أسماء «رع» وإيزيس ومنى، أو «آلت وعزت ومنى»، كما يطلق عليها بالفرعونية، وهى آلهة الخلق والخير والتناسل، وقاموا بوضعها فى الكعبة التى قاموا ببنائها فى مكة، وهى التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى سورة النجم «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان».
ويخرج كريم من ذلك إلى أن تاريخ بناء الكعبة فى أولى مراحلها كان عام ٢٢٨٠ ق. م، وأن الذين قاموا ببنائها وإرساء قواعدها قبائل جُرهم من أهل منف أو بنى مناف.

ويصل بنا كريم إلى الهجرة الثانية المشهورة للمصريين إلى أرض الجزيرة العربية، وكانت تتمثل فى هجرة أتباع أخناتون الذى كان آخر من نادى برسالة التوحيد التى بدأها بقوله «الله وحده لا شريك له- هو الواحد الأحد الفرد الصمد خالق السماوات والأرض ولا شأن بجواره لأحد، هو الأب وهو الأم وليس له ولد» وهى أقرب الرسالات إلى الإسلام.
كانت هجرة أتباع أخناتون عام ١٣٥٨ ق.م، عند اندلاع ثورة كهنة آمون المشهورة التى قتلوا فيها أخناتون وهدموا معابده وحطموا كعبته وطاردوا أتباع عقيدته الذين هاجروا إلى مكة للحاق ببنى مناف وعشائر جُرهم حول الكعبة.
ويطلق على أتباع أخناتون اسم «الصابى أو أهل الصاب»، ومعناها أهل الحق والعدالة، ووصفوا بأنهم يعبدون الخالق ويقدسون عظمته وينادون بوحدانيته، كما أنهم نقوا شعائر الركوع والسجود والطواف أو الدوار سبع مرات حول الكعبة، وجميعها من تعاليم رسالة أخناتون الخاصة بالتوحيد وقد ذكرهم الله فى كتابه العزيز بقوله «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
ويدلل كريم على صحة كلامه بأن الصابئة لا يزالون إلى الآن يقومون بالحج وزيارة الكعبة.
ويستشهد بما قاله زهير بن أبى سلمى فى معلقته المشهورة: فأقسمت بالبيت الذى طاف حوله/ رجال بنوه من قريش وجرهم، ليؤكد أن بنى عبد مناف وجُرهم هم أهل الكنانة الذين بنوا الكعبة.
وينتقل سيد كريم بعد ذلك إلى قصة الحجر الأسود.
فيقال إن سيدنا إبراهيم أثناء بناء الكعبة طلب من ولده إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يضعه فى جدار الكعبة ليكون علامة يبدأ منها الناس الطواف، فذهب إسماعيل إلى بطن الوادى وتأخر فى البحث، فجاء جبريل عليه السلام بالحجر الأسود وسلمه لإبراهيم الذى وضعه فى مكانه، وكان الله سبحانه وتعالى قد أودع هذا الحجر جبل بنى قبيس فى مكة، حيث غمرته مياه الطوفان أيام نوح عليه السلام واستدل عليه إسماعيل بعد انحسار مياه الطوفان عندما أخذته الدهشة من شدة ضوئه، فقد كان يتلألأ بنور وهّاج يضىء المكان من حوله، وقد ورد ذكر الحجر الأسود فى أحاديث الرسول فى قوله «كان أشد بياضًا من اللبن وإنما سودته خطايا بنى آدم»
كما ورد ذكر الحجر الأسود عند زيارة الرسول الكعبة.
فقد حدث بعد أن تم البناء فى ترميم الكعبة أن اختلفت قريش فيمن ينال الفضل ويضع الحجر الأسود فى مكانه، وكادت تكون فتنة ويحدث قتال بينهم، وهداهم التفكير أن يُحكّموا أول داخل عليهم فى ذلك، فكان الأمين، صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة أول داخل، وقد تصرف فى هذا المقام تصرفًا يدل على رجاحة عقل وبلوغ حكمة، فقد وضع الحجر الأسود فى ردائه وأمر كل فريق أن يحمل من طرف، ثم لما صاروا إلى مكانه وضعه بيده الكريمة وانتهى بذلك الخلاف.

بعد أن أثبت سيد كريم ما جاء عن الحجر الأسود فى الروايات الدينية، عاد مرة أخرى إلى تاريخ مصر القديم والفراعنة من أهل كنانة بنى مناف وقبائل جُرهم الذين ورد ذكرهم فى النصوص العربية القديمة ضمن بناء الكعبة واختيار موقعها وطريقة بنائها، كذلك ما ورد ذكره بخصوص الحجر الأسود وما ارتبط بكل منها من أساطير الرواة فوجد تشابهًا وتوافقًا عجيبًا بين قصة بناء البيت العتيق بمكة، وبناء كعبة التوحيد التى أقامها أخناتون التى سجلتها وثائق ولوحات العمارة المشهورة.
بدأ تاريخ بناء كعبة أخناتون واختيار موقعها برحلة الهجرة التى قام بها أخناتون من طيبة إلى تل العمارنة فى سفينته المقدسة التى أطلق عليها اسم «شعلة الإله التى لا تنطفئ»، وسار بها فى مجرى نهر النيل يقودها تياره «بأمر الإله الواحد مُعطى الحياة إلى أبد الأبدين».
وسارت السفينة تتبعها قافلة من السفن حاملة أتباع الدين الجديد الذين آمنوا بدين التوحيد، استمرت الرحلة ستة أيام عرجت بعدها سفينته تجاه الشاطئ الشرقى لترسو عند المكان الذى حدده له الإله بوصفه «أرضًا مقدسة لم يدنسها بشر»، وهى الأرض التى شيد عليها مدينته المقدسة التى يبلغ طولها ستة أميال وعرضها ثلاثة، وأطلق عليها اسم «أخت آتون» أى أفق الإله، وذكر فى برديات إنشاء المدينة، ألا يدخل المدينة أو يعيش بين أرجائها إلا كل مؤمن بالإله الواحد ويهدر دم كل كافر يتخطى حدود أرضها الطاهرة.
أما موقع المحراب المقدس أو كعبة العقيدة فقد ذكرت أساطير العمارنة بأن الإله حدد موقع الكعبة بأن أسقط من السماء حجرًا مقطوعًا على شكل فحم مضىء «نيزك»، وأمر أخناتون بأن يبنى المحراب حوله، وهو المعبد الذى أرسى أخناتون أركانه فى مطلع العام السادس من حكمه أى ١٣٧٠ ق. م، وتم إنشاء المعبد فى عام كامل، وعند افتتاحه أقام أخناتون صلاته الأولى التى أمّ فيها المصلين، فكان أول سجود وأول ركوع فى تاريخ الأديان جميعها، كما اشتملت طقوس العقيدة على الوضوء والصلاة وصلاة الجماعة خلف الإمام والدعاء والطواف حول الكعبة والتى نقلها المهاجرون «جُرهم» والصابئة «الصاب» إلى البيت العتيق بمكة واعترف القرآن بإسلامهم.
أما زيارة المصريين القدماء الكعبة بعد عهد أخناتون، فقد ورد ذكرها فى أكثر من مرجع من المراجع التاريخية للمؤرخ الكبير الدكتور سليم حسن «ديانة التوحيد وعصر أخناتون»، وكذلك أبحاث المؤرخ بتری «تاريخ مصر والضمير الإنسانى»، وأشارت أبحاثهم إلى زيارة المصريين القدماء البيت العتيق بمكة وخاصة فى مواسم الحج فى أعياد منف وأعياد أخناتون، ومن بين الزيارات المشهورة التى أمكن تسجيلها زيارة موسى عليه السلام بمرافقة النبى شعيب، وكان موسى عليه السلام قبل نزول رسالة التوراة من أتباع عقيدة أخناتون التوحيدية التى كان ينادى بها سرًا.

كما قام بالحج إلى الكعبة قائد حملة رمسيس الثانى الذى كان ينتمى إلى طوائف التوحيد، والذى حملته زوجة فرعون كسوة للكعبة صنعتها فى مصر، وقام برفعها على حوائطها قربانًا للإله، وهى التى قامت بتربية موسى الذى التقطته من النهر وقامت على رعايته ونشأته وذكر فى القرآن أنها كانت من المؤمنين، كما آمن بعدها فرعون عندما رأى معجزة ربه فنجاه من الغرق «وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إلٰه إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون».
لقد ظلت قبائل جُرهم المصرية وأتباع مختلف عقائد التوحيد الفرعونية على اتصال دائم بالكعبة والقيام بمناسك الحج، وليس هناك من شك فى أن زيارة جميع الأنبياء إلى الكعبة ابتداءً من سيدنا إبراهيم إلى إسماعيل وشعيب وموسى بدأت جميعها بزيارتهم لمصر وتفهمهم عقيدة التوحيد وإيمان المصريين بالبعث والحساب والآخرة وخلود الروح، وهو ما نادت به جميع الكتب السماوية التى قاموا بحمل رسالاتها.
ويخلص سيد كريم فى مقاله الذى أعتبره بحثًا دقيقًا عليه شواهده إلى مجموعة من النقاط، على النحو التالى:
أولًا: النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، من أصل مصرى، فالرسول يقول «إن الله اختار العرب واختار كنانة من العرب واختار قريشًا من الكنانة واختار من قريش بنى مناف واختار من بنى مناف بنى هاشم واختارنى من بنى هاشم»، أى أن أصل النبى من بنى هاشم الذين ينتمون إلى أهل منف الذين ينتمون إلى الكنانة، أى أرض مصر.
ثانيًا: نقل المصريون القدماء إلى بنى قريش ومكة الأسماء الفرعونية وألقابها التى كانت سائدة فى العصر الجاهلى وحاربها الإسلام لأنها أسماء وثنية، من بينها على سبيل المثال: عبد مناف «منف»، عبد شمس «آتون»، عبدالعزى «عيزت»، عبداللات «آلت» عبدالناس وعبد آدم «آتوم»، كما انتقلت كثير من الأسماء والكلمات الفرعونية القديمة إلى لغة قريش نفسها التى نزل بها القرآن الكريم، وقد أمكن حصر ثمانٍ وعشرين كلمة واصطلاحًا مصريًا قديمًا فى القرآن الكريم، بجانب الكلمات العربية والكنعانية أمثال اليم والزلزال والزيتون.
ورغم أهمية ما قاله سيد كريم فى دراسته، إلا أنه يثبت بتواضع العلماء أن ما نشره مجرد آراء تاريخية ، قد يصح بعضها ويخطئ بعضها الآخر، ولكن فى قراءتها فائدة، والدين يأمرنا بالتعمق فى المعرفة بقدر ما نستطيع.
لا أنكر أننى متحيز لدراسة سيد كريم، فقد اتبع فيها منهجًا علميًا دقيقًا، حيث استعرض الروايات الدينية حول بناء الكعبة، وسرد الروايات التاريخية التى تدور حول ما جرى فى بنائها، وقارن بينهما، ليخرج بعد ذلك بنظريته أن المصريين القدماء هم الذين بنوا الكعبة.

لكن لا يمنعنى هذا التحيز من إثبات رد كتبه الدكتور مصطفى عبده محمد خير، الذى كان يعمل فى جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، وهو الرد الذى جاء فى صورة مقال قصير نشرته مجلة الهلال فى عدد ١ يونيو ١٩٨٢ ، أى بعد ما يقرب من أربعة شهور على نشر دراسة كريم.
كان عنوان مقال مصطفى خير «قدماء المصريين لم يشتركوا فى بناء الكعبة»، بدأه بإشارة إلى أن ما يكتبه وجهة نظر تاريخية أخرى تؤكد أن قدماء المصريين لم يشتركوا فى بناء الكعبة.
يقول مصطفى: أرى أن بعض الاستنتاجات صحيحة وبعضها دراسة وافية، كما نجد بعض المعلومات القيمة والمفيدة، إلا أن كاتب المقال يجانب الحقيقة فى بعض النقاط المهمة لما فيه من افتعال مقصود وتزوير للتاريخ وحيز مرفوض ومنها: لم تكن أول رسالة للتوحيد نزلت بمصر، لم يكن شعب مصر أول شعب آمن بالله، ولم يكن التوحيد بمصر قبل إرسال الرسل والأنبياء، وليس صحيحًا أن جُرهم وبنى مناف أول من بنى الكعبة، ولم يكن أول سجود وركوع فى مصر، ولم تخرج عقيدة التوحيد من «هليوبوليس»، ولم يأخذ الأنبياء التوحيد من مصر، وليس من الأجداد أن بنى مناف هم أهل منف، وليس الرسول من منف على أنه من بنى مناف، وبنو مناف من منف، نادى أخناتون بالتوحيد ولكن ليس بهذه الصيغة القرآنية ولم ينج فرعون الخروج من الغرق.
يبدأ مصطفى فى الرد حيث يشير إلى ما قاله سيد كريم من أن أول رسالة للتوحيد نزلت فى أرض مصر، كنانة الله فى أرضه، ويستدل فى ذلك بقول المؤرخ «بترى» فى كتابه «ضمير الحضارة» فيقول: فشعب مصر كان أول شعب آمن بالله، أول من آمن بأن هناك إلهًا واحدًا للجميع، آمن بهذه الحقيقة قبل مولد الزمان وقبل إرسال الرسل والأنبياء، فكان أول من نادى بالتوحيد، ويقول أيضًا عن «هليوبوليس» إن منها خرجت أولى رسالات الحق والتوحيد التى عرفتها البشرية وكانت منارة لجميع الأديان.
ويرد مصطفى بقوله: صحيح أن أخناتون نادى بالتوحيد، ومن قبله كان التوحيد فى مصر، حتى ما قبل الأسرات فقد سمى المصريون القدماء «آتون»، وهو أصل كل شىء وله معنى ظاهرى هو «آتوم» الذرى وهو «رع» فى العطاء، و«آمون» فى بروزه كالشمس، فآمون مظهر «رع» وكان «رع» مظهرًا لـ«آتوم» وهو الإله الخفى.
لكنه يشير إلى أن ذلك لم يكن قبل إرسال الرسل والأنبياء، وإلا فلا حاجة لإرسال الرسل ما دام البشر يستطيعون معرفة الإله الواحد بدون وحى من الله، والوصول للوحدانية الخالصة بدون أنبياء، حتى إن أرسطو الفيلسوف اليونانى توصل إلى الله على أنه المحرك الأول الذى لا يتحرك، فحاول تنزيه الله حتى عطله عن الحركة ونزع منه القيومية على خلقه، ذلك لأنه لم يصل إلى الله عن طريق الوحى.
وينتقل مصطفى خير إلى ما قاله كريم عن «هليوبوليس» من أنها كانت منارة لجميع الأديان.
يقول: هذه المدينة كانت فيها مدرسة عين شمس القديمة التى كانت منارة للعلوم الفيزيقية وحتى الميتافيزيقية، ولكنها لم تكن المنارة لكل الأديان التى عرفتها البشرية، فأول من نادى بالتوحيد كان «آدم»، وهو أبوالبشر وأول الموحّدين وأول الرسل، وجاء بعد «آدم» النبى «إدريس» وهو أخو نوح بن يارد، وكان إدريس بأرض الرافدين ثم ذهب لمصر، وهو الذى أدخل عبادة التوحيد لمصر وكان معلمًا كذلك لكل العلوم الفيزيقية وأخذ عنه المصريون عبادة التوحيد والحكم والعلوم.

ويضيف خير: و«ثالوث منف» كما يزعم كاتب المقال، مكون من «آلت وعزت ومنى»، يعنى بذلك أنهم «اللات والعزى ومناة» الأصنام المذكورة فى القرآن، وكان يعبدها العرب فى الجاهلية، لكن ثالوث منف مكون من «الأب بتاح» والأم «شحمة» والابن «نفرتم»، وكما أن هناك ثالوثًا آخر بمصر وهو «ثالوث أوزيرى» ومكون من «أوزيريس» الأب و«إيزيس» الأم و«حور» الابن.
ويرفض خير ما قرره كريم من أن «بنى مناف» هم «أهل منف» المصرية، وأن جُرهم هو الاسم الذى عرفوا به، ويقرر أيضًا أن بنى مناف وجُرهم هم أصل الكنانة الذين بنوا الكعبة،
وعن نسب الرسول إلى أهل منف، يقول خير: لا أدرى على أى معلومات يستند كاتب المقال بنسب الرسول وهو معروف حتى جده إسماعيل بن إبراهيم، وكيف أثبت أن بنى مناف هم من «منف» وأنهم هم «أهل جُرهم»، وأنهم هم الذين بنوا الكعبة على مثال معبدهم فى منف، وهو الذى يقول فى أول مقاله إن بناء الكعبة قبل إبراهيم يرجع إلى الأساطير والمعتقدات وأحاديث الرواة والتراث الشعبى، فإلى أى أسطورة يستند كاتب المقال ليقرر أن بنى مناف أى أهل منف المصرية هم بُناة الكعبة، والمعروف تاريخيًا أن آدم هو الذى بنى الكعبة وقد بناها أيضًا ابنه شيث وكذلك بناها بعدهم العماليق ثم جُرهم حتى رفع إبراهيم القواعد وإسماعيل.
وينتقل بنا خير نقلة أخرى، عندما يقول: وعلى حسب قول كاتب المقال بأن أخناتون يقول: الله وحده لا شريك له، هو الواحد الأحد الفرد الصمد، خالق السماوات والأرض ولا شأن بجواره لأحد، هو الأب وهو الأم وليس له ولد، فإن بعض هذه الأقوال صحيحة، ولكن ليس بهذه الصيغة، فإن موسيقيتها عربية ولا يكون ذلك إلا باللسان العربى، وما يقال كتشبيه له ما هو إلا قول مستحدث مأخوذ من القرآن وليس قبله.. وهو يشبه أقوال مسيلمة الكذاب.
فأناشيد أخناتون- بحسب خير- تختلف فى الموسيقى اللفظية وبعيدة عن الأسلوب القرآنى.
يقول أخناتون، كما هو مكتوب فى جبانة وزيره «حور محب»: أنت الواحد الأحد لا شريك لك، يا إله الشمس يا من لا شبيه له، أنت تملأ الأرض بحبك أيها المعبود، يا آتون الحى، الذى صنع نفسه بنفسه وكل مخلوقاتك، فسبحانك من مبرز لخلقك.
هذه هى المناجاة التى كان يناجى بها أخناتون ربه وهى أدعية ومناجاة للإله «آتون» أى القوة الكامنة فى الشمس، والفارق كبير بين الأسلوب القرآنى وأناشيد «أخناتون»، فالأسلوب الذى كتبه به صاحب المقال أسلوب يقلد القرآن، وإلا لما بهر القرآن العرب وأعجزهم، فكان القرآن المعجزة والمنهج، وهو قرآن عربى بحروف عربية لقوم كانت حضارتهم اللغة العربية، وفنهم المعبر عن الزمان المطلق.
ويأخذ خير على كريم أنه كبا كاتب كبوة أخرى عندما قال «كما آمن بعدها فرعون عندما رأى معجزة ربه فنجاه من الغرق».
فالصحيح- كما هو مذكور فى المصادر وأوراق البردى المصرية والكتاب المقدس فى أسفار الخروج وأسفار موسى الخمسة ومزامير داود وفى القرآن الكريم وتقارير علماء الآثار- أن فرعون موسى قد غرق فى البحر وهو يطارد بنى إسرائيل بقيادة موسى عليه السلام، وقد أنجى الله جسد فرعون فقط ليكون آية للناس، وكما يذكر الله فى القرآن فى سورة يونس بأن فرعون موسى قد غرق فى البحر وأنجى الله جسده كآية.

وهذا الفرعون هو «مرنبتاح» وهو فرعون الخروج، أما فرعون الاضطهاد فهو «رمسيس الثانى» وما زالت الدراسات جارية على مومياء «رمسيس الثانى» ومومياء ابنه «مرنبتاح».
ويعارض خير كريم فى زيارة الأنبياء لمصر أولًا ثم ذهابهم لمكة ونشر «التوحيد» الذى أخذوه من مصر.
يقول: يذكر من الأنبياء إبراهيم، ولكنه نسى أو تناسى أن إبراهيم عليه السلام حطم الأصنام قبل أن يعبر الفرات وينزل بأرض فلسطين ومن ثم لمصر، فقد نادى إبراهيم بالتوحيد قبل أن يصل إلى مصر ويتزوج من هاجر أم إسماعيل، ولم تكن هاجر أميرة، بل جارية فى مصاف الأميرات فى القصر الفرعونى.
فى نهاية مقاله يقول مصطفى خير: المقال جيد فى عرضه، وأورد معلومات قيمة، وأعطى لمسات فنية ودراسات مفيدة، ولكنه يُجانب الحقيقة فى بعض النقاط .
وبنفس التواضع يختم مقاله بقوله: وقد أكون مخطئًا فى بعض من ملاحظاتى، فأرجو من كاتب المقال تصحيح ما قلت أو إثبات ما قال، وما أرجوه أن يكون هذا مجالًا لنقاش مفيد ونقد بنّاء لنصل إلى الحقيقة، فكلنا طُلاب علم وحقيقة ولا نرجو سواها. وهكذا نحن أيضًا.
