السبت 18 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

إنصاف دائم.. السادات يشارك السيسى توقيع اتفاق شرم الشيخ

حرف

- يجب إعادة تاريخ السادات لنقول للأجيال الجديدة إنه كان لدينا رئيس عظيم اسمه السادات

هنا وفى نفس هذا المكان، كتبت عن مهمة سياسية وثقافية يكون من شأنها رد الاعتبار للرئيس السادات على هامش احتفالنا بالذكرى الـ٥٢ لنصر أكتوبر العظيم. 

وختمت ما كتبته بقولى إنه جرت محاولات كثيرة لرد اعتبار الرئيس السادات من كتّاب ومفكرين وسياسيين، وما زلت أذكر ما قاله الرئيس السيسى فى مناسبات عديدة عنه، لكن ما أراه الآن أن التاريخ نفسه هو من يعيد الاعتبار للرجل الذى حارب وانتصر، وتفاوض واسترد الأرض كاملة، وأثبت للجميع أنه كان صاحب فكر عابر للعقود والأجيال، فما قاله السادات وفعله منذ أكثر من نصف القرن، يحاولون أن يأتوا بمثله الآن.. لكنهم لا يستطيعون. 

وقلت إن الرئيس السادات يستحق أن نمنحه ولو بعضًا من حقه، ولم أكن أتحدث عن الأجيال التى سبقت، فهى محملة بغبار ما كتبه كثيرون متهمين السادات وناقدين له ومجردينه من أى فضل، سواء فى الحرب أو السلام، لكننى كنت أتحدث عن الأجيال الجديدة التى لم تتلوث بعد، فهؤلاء من حقهم أن يعرفوا أن لدينا قائدًا عظيمًا، هو بالفعل خالد الذكر وطيبه، فما قدمه لمصر يؤهله لذلك.. شاء من شاء وأبى من أبى. 

فى الاحتفال الكبير الذى أقامته مصر للتوقيع على اتفاق شرم الشيخ، لم ينس الرئيس عبدالفتاح السيسى ذكر الرئيس السادات، قال نصًا فى كلمته التى ألقاها أمام رؤساء وقادة وزعماء العالم: «مصر دشنت مسار السلام فى الشرق الأوسط قبل ما يقارب نصف القرن، عندما أقدم الرئيس السادات بخطى ثابتة غير مسبوقة فى تاريخ المنطقة، وبادر بزيارة تاريخية إلى القدس، وأطلقت مصر بمبادرة السلام عهدًا جديدًا أهدى الأجيال اللاحقة فرصة للحياة، وأثبتت أن أمن الشعوب لا يتحقق بالقوة العسكرية فقط». 

توقيع اتفاقية السلام 1

كان ما فعله الرئيس لافتة سياسية وإنسانية عظيمة، لا يقوم بها إلا زعيم كبير، يعرف بنفسه قدرها، كما يعرف للآخرين أقدارهم، وينزلهم المكانة التى يستحقونها. 

لقد كان ما حدث فى شرم الشيخ أسطوريًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ودلالات، زحام لم نشهده من قبل، عشرات القادة والزعماء من مختلف دول العالم، مئات من وسائل الإعلام التى جاءت لترصد كل صغيرة وكبيرة، ترقب من كل عواصم العالم ما يمكن أن تسفر عنه الأحداث، أعصاب مشدودة وقد تكون متوترة تحسبًا لأى مفاجأة. 

ورغم كل هذا الزحام، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم ينس أن يأتى على ذكر الرئيس السادات، الذى اعتبره فى أحاديث سابقة ملهمًا، ولأن الحديث حديث سلام، فقد كان طبيعيًا أن يكون السادات حاضرًا وبقوة، فقد كان رائدًا فى السير باتجاه السلام رغم معرفته بخطورة الطريق الذى يسلكه، لكنه لم يعبأ ولم يهتم، فقد كان هدفه هو الأهم بالنسبة له مهما كان ثمنه وتكلفته وتبعاته والعواقب التى يمكن أن تترتب عليه. 

ما فعله الرئيس السيسى فى مؤتمر شرم الشيخ العالمى لم يكن عفويًا، ولكنه يترجم أصلًا من أصول فلسفته السياسية، وهى فلسفة تنصرف فى العموم إلى نسبة الفضل لأهله، فقد شهدت مصر فى عهده رد الاعتبار لعدد من السياسيين والقادة الذين لم يأت أحد لهم على ذكر قبل ذلك، ويكفينا ما فعله للرئيس الذى أعتبره مظلومًا أبديًا فى تاريخ مصر، وهو الرئيس محمد نجيب من تكريم واحتفاء. 

لكن فيما يخص الرئيس السادات، فإن فلسفة الرئيس السيسى فى التعاطى مع تاريخ مصر جعلته يضعه فى مكان وحده، ويرفعه إلى مكانة يستحقها، فخلال السنوات الماضية جاء الرئيس السيسى على ذكر الرئيس السادات كثيرًا، ويمكننا فى هذا السياق أن نرصد بعضًا مما جرى. 

ففى العام ٢٠١٨، الذى تصادف أنه عام مئوية الرئيس السادات، حيث مر على مولده مائة عام- من مواليد ٢٥ ديسمبر ١٩١٨- تحدث الرئيس السيسى عن السادات ثلاث مرات فى مناسبات مختلفة. 

المرة الأولى كانت فى أبريل ٢٠١٨، ففى الندوة التثقيفية التى نظمتها القوات المسلحة للاحتفال بعيد تحرير سيناء، قال الرئيس إن الرئيس السادات كانت لديه ثقة بربه وفى نفسه عندما اتخذ قراره باستعادة أرضه، وكان وحده عندما أخذ قرار السلام، لم يكن الكثيرون على قناعة به، لكنه مضى فى طريقه. 

توقيع اتفاق شرم الشيخ 

المرة الثانية كانت فى أكتوبر، عندما كانت مصر تحتفل بذكرى انتصار أكتوبر، أشاد به الرئيس السيسى ووصفه بالبطل الذى امتلك شجاعة اتخاذ القرار ورؤية المستقبل، فسيرته ستظل ملهمة للأجيال المقبلة، وأشاد بقدرته على ضبط أعصابه وإدارة الحرب بكفاءة عالية، معتبرًا أن حرب السادات فى العام ١٩٧٣ شهدت انتصارًا أعاد لمصر وللعرب الكرامة والشرف. 

وبعد الإشادة بقرار الحرب، أشاد السيسى بخطوات السادات فى اتجاه السلام، فقد قام بواحدة من أعظم وأشجع مبادرات العصر الحديث حين وقع معاهدة السلام مع إسرائيل، فقد مهدت الحرب الطريق أمام التوصل إلى اتفاقية السلام. 

المرة الثالثة كانت عندما شارك السيسى فى جلسة «دور قادة العالم فى بناء واستدامة السلام» بمنتدى شباب العالم فى شهر نوفمبر، وفيها أشار إلى أن رؤية السادات للسلام تعتبر عملًا متفردًا فى عصره، وهو ما جعله يتجنب الدخول فى صراع. 

وأكد الرئيس مخالفًا لما يذهب إليه كثيرون فى تفسير نهاية الرئيس السادات: «لن نقول إن ثمن رؤية السادات للسلام كان اغتياله، الثمن هو الجهد الذى بذله لتحقيق السلام، حيث إن السادات تحرك بإيجابية ومثابرة حتى حقق ما كان يسعى إليه». 

وفى الذكرى الـ٤٧ لحرب أكتوبر فى العام ٢٠٢٠، وبينما يضع الرئيس السيسى أكاليل الزهور على النصب التذكارى لشهداء القوات المسلحة فى مدينة نصر، وجه التحية للرئيس السادات، ووصفه بأنه بطل الحرب والسلام، وصاحب قرار العبور العظيم، الذى اتخذ القرار وتحمل تبعاته بشجاعة الفرسان. 

وفى أكتوبر ٢٠٢١ أكد السيسى أن الرئيس السادات كانت لديه القدرة على تجاوز كل الأدبيات المستقرة فى عصره، ولذلك أخذ قراره بمبادرة السلام بعد انتصارات أكتوبر ١٩٧٣. 

ويشرح الرئيس رؤيته فيقول: «إن الرئيس السادات كان يرى هذه الأدبيات والأساسيات والمفاهيم الموجودة فى عصره، وأدرك أنها لن تستمر بعد حرب أكتوبر، ولا بد من تجاوزها بمفاهيم جديدة، لذلك أطلق مبادرة السلام، وأثبت الواقع الحالى أن هذه القراءة كانت سابقة لعصرها». 

وفى العام ٢٠٢٢، وفى الندوة التثقيفية التى عقدتها القوات المسلحة للاحتفال بنصر أكتوبر، قال الرئيس إن أنور السادات بطل الحرب والسلام اتخذ بجسارة قرار العبور العظيم؛ رغم شبح الهزيمة الذى كان يطارد الجميع، وتوجه له بالتحية لاتخاذه بشجاعة الأبطال قرار السلام، الذى طوى صفحات الماضى، وفتح آفاق المستقبل. 

وفى العام ٢٠٢٤، وعندما كان الرئيس السيسى يفتتح محطة بشتيل، وفى ظلال توترات وصراعات المنطقة، استعاد سيرة وذكر السادات، عندما قال إنه سبق عصره وهزم خصومه حتى وهو غائب. 

وقال إن السادات تعرض لانتقادات وقطيعة من بعض الدول بسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن الزمن رد على خصومه بعد سنوات طويلة، وأثبت أنه كان هو الصواب. 

وزاد السيسى: «أعتقد أن كل ١٠ سنوات تُكتب للسادات صفحة جديدة فى التاريخ، فليس ضروريًا أن تكون جميع القرارات مفهومة فى وقتها، فالزمن كفيل فى النهاية بتوضيح الأمور وتفسيرها». 

وقبل مؤتمر شرم الشيخ بأيام، وفى كلمته الاحتفالية بالذكرى الـ٥٢ لنصر أكتوبر، توجه السيسى بتحية خالصة إلى روح القائد العظيم محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، صاحب القرار الجرىء والرؤية الثاقبة. 

وقال السيسى: «الرئيس السادات قاد الأمة بحكمة وشجاعة نحو النصر والسلام». 

الرئيس السادات حاضر وبقوة إذن فى خطاب الرئيس السيسى السياسى، ولا يمكن أن نقول إنه تذكر مناسباتى، يحدث فقط فى احتفالياتنا بنصر أكتوبر أو استعادة أرض سيناء، ولكنه يحرص على التذكير بالسادات فى مناسبات وسياقات مختلفة، وهو ما يؤكد أصالة وأهمية ما فعله السادات حربًا وسلامًا، حيث ما زالت ظلاله حاضرة بيننا.

لقد درس الرئيس السيسى تاريخ مصر جيدًا، وضع يده على عطاءات السابقين عليه، أدرك مواطن القوة ومواضع الضعف، الفارق أنه لا يكتسب شرعيته السياسية واستحقاقه للرئاسة من أنه الرئيس الذى جاء يعالج الخطأ الذى تمكن من مفاصل الدولة منذ عقود رغم أنه يفعل ذلك، ولكنه يبرز الإيجابيات ويمنح أصحابها حقهم، ولذلك يذكّر بالرئيس السادات الذى حارب فى الوقت المناسب، ثم توقف واتجه إلى السلام فى الوقت المناسب أيضًا، وهو ما صنع مستقبلًا لمصر، لم نكن نستطيع أن نخطو نحوه فى ظل أجواء الحروب التى لا تنتهى. 

كامب ديفيد

الأجواء مختلفة بالطبع، وما حدث فى العام ١٩٧٩ يختلف كثيرًا عما حدث فى العام ٢٠٢٥، لكن ما أنجزه الرئيس السيسى من وصول بالصراع الذى تفجر فى العام ٢٠٢٣ يؤكد أن مصر بخبرتها تستطيع أن تعيد صياغة معادلات العالم. 

خلال العامين الماضيين كانت المعادلات الحاكمة هى حديث عن تهجير الفلسطينيين عن أرضهم، واستبدال أرضهم بمشروع اقتصادى كبير، وهو ما كان يعنى فى بعض تجلياته نهاية القضية الفلسطينية إلى الأبد، فإذا خرج أهل غزة من أرضهم، فلا حديث عن دولة فلسطينية فى المستقبل، وهو ما كانت تدركه مصر وتستوعبه جيدًا. 

ولذلك صبرت مصر، واجهت الضغوط الكثيرة التى تعرضت لها، وصدت الحروب المتوالية التى تعاقبت عليها سياسيًا واقتصاديًا، لم ترضخ لإغراءات ولم تقبل إملاءات، وظلت على ثوابتها، بأنه لا تهجير ولا تصفية للقضية الفلسطينية، وهو ما تحقق لها فى النهاية، بصرف النظر عن التفاصيل، فالحياة تلتفت إلى النتائج.. والنتائج التى شهدها العالم وشهد عليها مبهرة بكل المقاييس. 

يمكننى الآن أن أخرج مما هو سياسى، فله حديث طويل، إلى ما هو ثقافى. 

وهو ما يهمنا ويشغلنا هنا. 

فما جرى فى شرم الشيخ قد يكون فرصة لإعادة صياغة تاريخ الرئيس السادات من جديد، لنقدمه إلى الأجيال الجديدة من واقع ما فعله على الأرض، وليس بتأثير تصفية حسابات قام بها خصومه فى كتب ومقالات ودراسات وأحاديث صحفية وتليفزيونية، فقد كان من شأن ذلك القيام بأكبر عملية تشويه لزعيم عظيم، يستحق منا أن ننزله المكانة التى يستحقها، فإذا بنا ننزع عنه كل قيمة، ونحرمه من أى فضل، ونجرده من أى وكل إنجاز. 

أعرف أن هناك فسادًا ثقافيًا.. الأمر ليس غريبًا، وهو الفساد الذى يجعل النخبة الثقافية فى مصر تنصرف عن الإنجاز الحقيقى، وتذهب للبحث عن إنجاز خيالى لا يراه أحد غيرها. 

وإذا أردت أن تتأكد من ذلك، فليس عليك إلا أن تقوم بقراءة ما كتبه المثقفون المصريون والأدباء والروائيون والنقاد عما حدث فى شرم الشيخ، لا أعمم ولا أميل إلى حكم شامل، لكن أصحاب الأصوات العالية الذين يصرون على أن الصورة سوداء، اختفوا تمامًا من المشهد، ومن تحدث منهم تعامل مع الأمر على طريقة عواجيز الفرح.. راحوا يبحثون عن الثقوب والعيوب، وكأنهم إذا أقروا بأن شيئًا إيجابيًا حدث على الأرض، فإن ذلك يمكن أن ينتقص منهم ومن قدرهم، وينال من مكانتهم كمثقفين. 

كامب ديفيد

لن أشير إلى أحد، ولن أجلب لكم منشورات اجتهد أصحابها فى نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعى، وهى المنصات الأسرع فى التوثيق، والأقدر على فضح المواقف الحقيقية والمشبوهة أيضًا، ولكن سأترك لكم حرية القراءة والحكم والتقييم. 

إننا نعانى من آفة خطيرة فى وسطنا الثقافى، ليس المصرى فقط، ولكن العربى أيضًا، وهى أننا لا نرى بشكل جيد ما يحدث، أو لنكن أكثر دقة فنقول إن المثقفين العرب لا يرون إلا ما يريدون أن يروه، وهو ما يجعلهم غير منصفين. 

من سنوات طويلة وأنا أقول: لا أريد الانحياز.. ولكننى أسعى فقط خلف الإنصاف. 

فلا يمكن أن نفرض على أحد قناعة معينة، ولا يمكن أن نجعل أحدهم ينحاز إلى وجهة نظر بعينها، فالناس أحرار فيما يعتقدون، لكن الحق يقتضى الإنصاف.. أن نتعامل بعدالة مع ما يحدث. 

وقد تكون هذه مناسبة لأن أقترح اقتراحين. 

الأول: أن تقوم وزارة الثقافة بتكوين لجنة من المؤرخين المنصفين لإعادة كتابة تاريخ الرئيس السادات، وهو التاريخ الذى نطمئن ونحن نقدمه إلى الأجيال المقبلة، نقول لهم من خلاله إنه كان لدينا رئيس عظيم اسمه السادات، كان سابقًا لعصره، وقد أثبتت الأيام أنه على حق. 

أما الاقتراح الثانى، فهو ليس إجراء محددًا، ولكنه دعوة إلى جموع المثقفين العرب والمصريين، بأن يعيدوا النظر فى التجربة المصرية خلال عصر الرئيس السيسى، وهى إعادة نظر تقوم على منهج مهم، وهو أن ننظر إلى الأمور بنتائجها وليس تفاصيلها، أعتقد أنهم لو فعلوا ذلك فإن الصورة ستختلف كثيرًا.. ومرة أخرى لا أطالب بالانحياز.. فكل ما أريده هو الإنصاف.