الجمعة 31 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

أولياء وأدعياء..

يا بدوى.. علاء أبو العزائم: «شيخ العرب» من آل بيت النبى

حرف

- السيد أحمد البدوى ولى من أولياء الله الصالحين

- كان يجلس فوق السطوح ليعيش حالة من الخلوة مع الله 

- كثير من الأكاذيب دُست عليه والمؤسسات الدينية مُطالبة بالتصدى لها 

- المصريون استغاثوا به لنجدتهم من الصليبيين فأشهر سيفه وقادهم لمواجهة العدو 

فى الأيام التى تلت احتفالات مولد السيد أحمد البدوى بمدينة طنطا، تصاعدت حملات تشويه وجدال واسع النطاق على منصات التواصل الاجتماعى، طالت شخصية أحد أبرز أعلام التصوف الإسلامى فى مصر والعالم العربى. 

هذه الحملات التى شككت فى مكانة السيد البدوى الروحية، امتدت إلى الطعن فى سيرته العلمية والجهادية، متجاهلة قرونًا من المحبة الشعبية والتقدير الدينى الذى يحظى به فى وجدان المصريين، خاصة فى الدلتا والصعيد.

الطرق الصوفية بدورها، استنكرت تلك الحملات، ودافعت عن السيد البدوى بوصفه رجل علم وجهاد، وردت على كل المغالطات التى أثيرت حوله من حيث سيرته وكراماته وشخصيته، وعلى رأس هؤلاء الشيخ علاء أبوالعزائم، شيخ الطريقة العزمية عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية.

وفى حواره التالى مع «حرف»، يؤكد الشيخ «أبوالعزائم» أن السيد أحمد البدوى كان فقيهًا ومجاهدًا، جمع بين الزهد والعمل والتربية الروحية، معتبرًا أن الهجوم عليه هو فى جوهره هجوم على روح الإسلام المتسامح، مستعرضًا أبعاد شخصية القطب الصوفى، ورحلته من فاس إلى طنطا، وجمعه بين التصوف والزهد والجهاد فى سبيل الله.

■ بداية.. من هو السيد أحمد البدوى؟ وما قصته؟ وهل كان من أولياء الله الصالحين فعلًا؟

- السيد أحمد البدوى هو ولى من أولياء الله الصالحين الذين قال فيهم رب العزة «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، وهو أحد أقطاب الصوفية الأربعة وهم سيدى عبدالقادر الجيلانى، والقطب أحمد الرفاعى، والقطب إبراهيم الدسوقى، والقطب أحمد البدوى، وهو من أبرز الشخصيات الصوفية فى التاريخ الإسلامى، ويُعتبر مؤسس الطريقة الأحمدية، التى انتشرت بشكل كبير فى مصر والعالم الإسلامى، وله مقام مشهور فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، والمكان الذى دفن فيه هو الزاوية التى كان يعبد الله فيها، ويُقام له مولد سنوى يجتذب مئات الآلاف من الزوار.

اسمه بالكامل أحمد بن على بن إبراهيم البدوى الحسنى، ويُنسب إلى سلالة آل بيت النبى ﷺ من جهة الحسين بن على، حيث إنه وُلد فى مدينة فاس بالمغرب سنة ٥٩٦هـ / ١٢٠٠م تقريبًا، ثم انتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة، وهناك نشأ وتعلّم.

■ قيل إنه كان لا يصلى ويلازم سطح منزله بشكل دائم.. ما ردك؟

- هذا كذب وافتراء على السيد البدوى، فقد كان يصلى وكان زاهدًا متعبدًا، يميل إلى الخلوة والذكر، وكان له مريدون وأتباع، واشتهر بـالكرامات عند أهل الصوفية، مثل مساعدة الناس فى الأزمات، واستجابة الدعاء، وكانت دعوته مستجابة، وذكر الكثير من كراماته فى العديد من الكتب، وكان يجلس فوق السطوح لأجل أن يعيش حالة من الخلوة مع الله. 

والسيد أحمد البدوى لم يؤلف كتبًا، بل كانت تعاليمه تنتقل عبر مريديه وتلاميذه وفتيانه الذين علمهم الدين الإسلامى والجهاد فى سبيل الله، ومن أشهر خلفائه الشيخ عبدالعال.

■ ما حقيقة كراماته؟

- السيد أحمد البدوى من أولياء الله الصالحين، لأن أهل زمانه شهدوا له بذلك، من خلال الكرامات التى شاهدوها على يده. 

وكانت تُروى عنه كرامات كثيرة، كما أنه كان يحظى بمكانة عالية فى قلوب الناس، خصوصًا فى منطقة الدلتا. ومن يرفضون كرامات السيد البدوى هم السلفية والتيارات المتطرفة التى ترفض أى حدث صوفى، فهناك تشكيك فى بعض القصص والكرامات المنسوبة إليه، ورفض لفكرة التوسل بالأولياء أو التبرك بهم بعد وفاتهم، حيث يرون أن بعض ما نُقل عنه قد يكون مُبالغًا فيه أو مخالفًا للتوحيد إذا خرج عن حدوده الشرعية، وكل الكرامات ذكرت فى كتاب «طبقات الأولياء» لعبدالوهاب الشعرانى، و«الطبقات الكبرى» لابن الملقن وغيرهما. لكن هناك كثير من الأكاذيب دست على السيد أحمد البدوى، ولذلك ينبغى على المؤسسات الدينية التصدى للذين يروجون الأكاذيب.

■ ماذا عن جهاده ضد الصليبيين؟

- السيد أحمد البدوى كان يجاهد ضد الصليبيين، لأن الفترة الزمنية التى كانت موجودًا فيها بمصر كانت الحملات الصليبية مشتعلة، فجاء إليه أهل مصر يستغيثون لنجدتهم من الصليبيين فما كان منه إلا أن أشهر سيفه وأخذ طلابه معه ليحاربوا ويحرروا المنصورة والبلاد التى وقعت فى قبضة العدو، وعندما كان يحارب كان يغطى وجهه حتى لا يراه أحد، فينقض فى الليل على معسكرات الصليبيين ويحرر أسرى المصريين، ولذلك هناك مقولة قديمة تقول «الله الله يا بدوى جاب اليسرى» وتعنى أنه جاء بالأسرى.

■ ما علاقة الرئيس السادات بالسيد أحمد البدوى؟ ولماذا كان يذهب لمسجده دائمًا؟

- الرئيس الشهيد محمد أنور السادات كان من محبى ومريدى السيد أحمد البدوى، وكانت تربطه به علاقات روحانية، ومن كشف ذلك هو الشيخ أحمد حجاب أحد مريدى السيد البدوى رحمة الله عليه.

وكان الرئيس السادات يذهب إلى المسجد الأحمدى قبل توليه رئاسة الجمهورية ويلتقى الشيخ دائمًا، فبشره الشيخ حجاب بأنه رأى السيد البدوى فى المنام يقول له إن السادات سيكون حاكمًا لمصر وحدث ذلك بالفعل، والأمر ذاته حدث قبيل حرب اكتوبر ٧٣، حيث رأى الشيخ حجاب رؤية فى المنام بأن السيد البدوى يقول له أبلغ السادات بالجهاد والعبور وارفعوا شعار «الله أكبر»، وهذا ما حدث وكتب الله النصر لمصر، وهذا أمر واقعى حدث ليس فيه كذب، ويؤكد أن السيد البدوى كان رجلًا صاحب كرامات فى حياته وبعد مماته.

■ هل هناك ما يميز السيد البدوى عن غيره من الأولياء من حيث الأثر والسلوك والطريق؟

- هناك عدّة ملامح تميّز السيد البدوى بالذات، يمكن تلخيصها فيما يلى: هو امتداد علمى وصوفى، فقد ذكر بعض العلماء أنّه فقيه على المذهب الشافعى، وكان حافظًا للقرآن الكريم، وُملِمًّا بالعلوم، بالإضافة إلى أنه عاش حياة الجهاد والزهد والتنسّك والتصوف، ما جعله يجمع بين العلم والعمل. 

واختار السيد البدوى مدينة طنطا مقرًا له، وبفضل وجود مقامه فيها اشتهرت فى العالم الإسلامى، حيث تُعدّ من المراكز الصوفية المهمة، ويحتفل بمولده الملايين بشكل واسع كل عام، ما يدل على أن أثره لم يكن محصورًا فى حلقات ضيقة، بل تجاوز ذلك إلى التأثير الشعبى والعالمى.

وتنسب إلى السيد أحمد البدوى الطريقة الأحمدية البدوية «ذات الراية الحمراء» التى تمثل حالة من التصوف السنى الشعبى المعتدل، وتربط بين الولاء لآل البيت، والانخراط فى المجتمع، والذكر الجماعى، والنشر الروحى. 

والسيد البدوى له رمزية فى البناء المجتمعى، وليس فقط كزاهد، بل كمصلح اجتماعى إذ تحولت زاويته التى كان يتعبد فيها وضريحه إلى مركز روحى وثقافى، تُقام حوله شعائر وتجمعات تُعزّز القيم «شالذكر، والمحبة، والتواصل بين الناس».

وبناءً عليه، يتميّز السيد البدوى بالجمع بين الأصالة العلمية والزهد، وبين الانفتاح الشعبى والوسطية فى التصوف، ما جعله نموذجًا يُحْتذى به ضمن المنظومة الصوفية، ولم يكن رمزًا منعزلًا أو صاحب كرامات فقط.

■ كيف تقيّمون المكانة الروحية والرمزية له فى وجدان المتصوفة وأتباعها وعلى رأسهم الطريقة العزمية؟

- إنّ السيد أحمد البدوى، رضى الله عنه، يحتل فى تراث أهل التصوف مكانةً فريدةً، تجمع بين امتدادٍ روحى، وانتماءٍ إلى السُّلَم الروحى والعلمى، وبين ارتباطه الشعبىّ الوثيق بمكانه «مدينة طنطا» ومريديه فى مصر والعالم الإسلامى وإفريقيا، فهو كما ورد فى بيان دار الإفتاء المصرية «قطب أقطاب الأولياء، وسلطان العارفين»، من ذوى السُلك العرفانية والوراثة النبوية. 

وبالنسبة إلى الطريقة العزمية والطرق الصوفية الأخرى، فإن السيد البدوى يُمثّل رمزًا للتصوف وآل البيت فى مصر «نسبًا وروحًا»، والطريقة العزمية تجمع بين المعرفة والزهد والعمل، وكذلك تحمل ذكرى الزهد والمجاهدة فى المحراب والميدان، وعلى المستوى الرمزى، فإن احتفال الطرق بمولده يُعدّ مناسبةً لتجديد العهد بالسلوك الروحى، وتأكيد البُعد الاجتماعى للتصوف مثل المحبة، والإخلاص والتواضع، كما هو ظاهر فى الاحتفالات السنوية فى طنطا. 

■ شهدنا مؤخرًا حملات تتطاول عليه.. كيف تفسر هذا الهجوم؟

- الهجوم على السيد أحمد البدوى، هذا القطب الصوفى الكبير، سببه الرئيسى هو زيادة عدد أتباعه، فالتيارات السلفية أنفقت ملايين الجنيهات لتشويه صورة هذا الولى، وسبحان الله يزداد أتباعه كل عام، ما يؤكد أن هذا الرجل من الصالحين، مصداقًا لقول رسول الله: «لا تجتمع أمتى على ضلالة»، ونحن رأينا فى مولده الأخير ٣ ملايين مسلم وأكثر.

من جهة أخرى، هناك رؤية فكرية تبحث عن ربط الدين بالخطاب الشرعى النصى الجاف، فتنظر إلى بعض مظاهر التصوف باعتبارها ممارسات شعبوية أو بدعًا أو ابتعادًا عن أصل الشريعة. قد يكون هذا نابعًا من اختلاف منهجى بين التصوف كممارسة روحانية شاملة، والخطاب الذى يرى الدين محصورًا فى النصّ والعقيدة فقط.

وهناك أبعاد اجتماعية وثقافية، فرموز التصوف، مثل السيد البدوى، يمثلون ثقافة شعبية متجذّرة فى الأرض، لها حضور جماهيرى وشعبى، ما يُمثّل تحدّيًا لمنهج تنظيمى أو فكرى يسعى للسيطرة الفكرية أو الدينية أو الاجتماعية.

وقد يكون هناك سوء فهم أو تجزئة داخل التيارات العلمانية أو الحداثية، التى تنظر إلى التصوف باعتباره جزءًا من التراث القديم، الذى يجب نقده أو ترسيخه فى إطار تجديدى، دون أن تدرك أين تقع حدود الاحترام والدين والبُعد الروحى. وأخيرًا، هناك خشية من أن يُستخدم كلام رموز التصوف أو ممارسات المريدين لتبرير مواقف اجتماعية أو سياسية، فينظر إليها البعض باعتبارها «نفوذًا غير مرخّص» أو «موّجه».

بناءً عليه، من وجهة نظر الطريقة العزمية، الهجوم ليس مجرد جدال فكرى، بل يعكس صراعًا على المفاهيم: ما التصوف؟ ما السلوك؟ ما العلاقة بين الولىّ والمريد؟ وعلى المكانة الرمزية التى تحتلها تلك الطرق فى الوجدان الشعبى، لذا الواجب هو التوضيح والحوارات البناءة، وليس الانفعال أو الانغلاق.

■ ما ردك على من يصف بعض الممارسات المرتبطة بالموالد أو زيارة الأضرحة بـ«البدع» و«الخرافات»؟

- بعض الأشخاص يشاركون فى المولد ويمارسون ممارسات غير سوية، وهم غير تابعين للصوفية، وليس لنا سيطرة عليهم. التصوف يجب أن يُبنى على أساسين: الشريعة والعلم، وبالتالى، كلّ مظهر يجب أن يُرجع إلى النصّ القرآنى والحديث، والاتّجاه العلمى أو الفقهى الذى يحكمه.

■ إذن.. الطرق الصوفية ليس لها سيطرة على الموالد.. ما تعليقك؟

- الموالد مناسبات شعبية، واحتفال الطرق الصوفية بها يكون بمجالس العلم والذكر والصلاة على النبى، وما يحدث خارج ساحات ومقار الطرق الصوفية لا نعرف عنه شيئًا. هناك بعض المندسين التابعين لتيارات متشددة يحاولون بين الحين والآخر ضرب المنهج الصوفى وتشويه صورته، مع أن الموالد يحضرها جميع المصريين وليس الصوفية فقط، فأحباب آل البيت فى مصر بالآلاف، والملايين يذهبون إلى الموالد.

■ كيف تفرّق بين التقديس المحمود لرموز التصوف وما يُتهم به المتصوفة من «غلو» أو «شرك»؟

- التقديس المحمود هو احترام أولياء الله، والتعلّم من سلوكهم، وحفظ سيرتهم كدورهم فى الزهد والذكر والإحسان، وربط القلب بالله وبآل البيت. هذا التقديس يكون فى سياق التوجيه إلى الله، وليس توجيه العبادة لغير الله.

■ ما تقييمكم لموقف التيارات العلمانية من التراث الصوفى؟ 

- التيارات العلمانية تركّز على التراث الصوفى بوصفه «ظاهرة تاريخية أو شعبية» فقط، مع إغفال البُعد الروحى العميق، أو ربط الممارسة الصوفية فقط بالطقوس والتقاليد الشعبية، دون النظر إلى جوهرها فى تزكية النفس، وتحقيق المعانى الروحية، والخدمة الاجتماعية.

■ كيف ترى دوركم فى الدفاع عن «الهوية الروحية» لمصر؟

- دور الصوفية فى الدفاع عن «الهوية الروحية» لمصر يكون من خلال الحفاظ على التراث، والتذكير بسيرة الأولياء، مثل السيد البدوى وإبراهيم الدسوقى وأبوالحسن الشاذلى، وإحياء المناسبات بالشكل الذى يعكس روح الوسطية والمحبّة، والعمل الاجتماعى، فالتصوف ليس فكرًا منفصلًا عن الحياة، بل هو منهج يسعى إلى إصلاح النفس والمجتمع معًا.