الأربعاء 03 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

المؤرخ السينمائى محمود قاسم: خدمتُ كثيرين.. والجميع تخلّوا عنى

محمود قاسم
محمود قاسم

- لا أظن أن أى قارئ أو مهتم بالسينما لم يصادفه يومًا كتاب ألّفه أو ترجمه محمود قاسم، فقد جمع فى مسيرته بين الأدب والنقد والسينما والمسرح والدراما الإذاعية

- أعوض كل الندوب بالكتابة.. ومعظم رواياتى عن تجاربى العاطفية

- أهدَيت ما أملك من أرشيف إلى الجامعة الأمريكية دون مقابل بعدما حاولوا مساومتى على ثمن بخس

- مشكلة السينما المصرية تكمن فى ورش الكتابة. الورشة تشبه لعبة المكعبات: كلّ فرد يضع قطعة. فتشعرين بأن العمل مصطنع وغير متناسق؛ مشهد قوى يليه مشهد ضعيف بوضوح

- محمد خان كان يغضب منى ويقول: «محمود قاسم طلّعنا كلنا حرامية»

- كتبت عن الذكاء الاصطناعى قبل ظهوره بسنوات وترجمت لكُتّاب نوبل قبل حصولهم على الجائزة 

- معظم النقاد اليوم تلاميذ سمير فريد.. يحكون قصة الفيلم لمن لم يشاهده

- الجوائز سرقة تتحكم فيها الولاءات والمجاملات.. ولو رشحت نفسى لن أنالها

لا تُنبئ واجهة العمارة الفاخرة فى أحد أحياء مدينة نصر بأن ثمة منزلًا فى الطابق الخامس يقطن فى زمنٍ ماضٍ، ربما قبل عشر سنوات على الأقل. طبقات من التراب تتراكم على ذكريات تأبى أن تُمحى تمامًا، وتعى جيدًا أنها وحدها ما تُبقى على أنفاس رجل كان يحيا حاضره بكل عنفوانه إلى أن أجبره المرض على البقاء إلى هامش الحياة.

فى منزله، يجلس الكاتب الصحفى والناقد السينمائى الموسوعى محمود قاسم إلى جوار مئات الكتب التى ألّفها، يغادره البصر ويفقد القدرة على الحركة، لكن عشقه المتأصل للفن يجعل أذنه تواصل المهمة، فتحتفظ بجانب من المتعة يُبقى للحياة معنى رغم متاعبها. يجلس منصتًا للأفلام والمسلسلات كمن يتوكأ على الصوت، ولا يوقف ذلك الخيط سوى لحديث أديره معه نفتح فيه نافذة على سنواته الماضية، نعيد عبرها بث الحياة فى أركانٍ ظلت صامتة طويلًا، ونستعيد معها صورة رجل عاش عمره كاملًا فى خدمة الكتابة.

لا أظن أن أى قارئ أو مهتم بالسينما لم يصادفه يومًا كتاب ألّفه أو ترجمه محمود قاسم، فقد جمع فى مسيرته بين الأدب والنقد والسينما والمسرح والدراما الإذاعية وأدب الأطفال ليصل عدد كتبه إلى 600 كتاب يُحافظ عليها فى مكتبته ويُنظمها وفق التخصص. بعد تخرجه فى كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية عام 1972م، عمل فى منظمة يونسكو، ورأس قسم مكتبة المعهد الفنى التجارى، وتنقل بين الوظائف الثقافية والإعلامية، من سكرتير تحرير لروايات دار الهلال إلى رئيس تحرير كتب الأطفال، ثم محاضر فى قسم الرسوم المتحركة بكلية الفنون الجميلة فى جامعة المنيا، غير أن المناصب الآن زالت، وانفضّت الصُحبة، ولم يتبق سوى المؤلفات التى بقيت شاهدة على مسيرة حافلة.

يشعر محمود قاسم بكثير من المرارة تنساب بين كلماته المعتدّة بتاريخ من العطاء وبُعمر من الإخلاص للكتابة. يقول: حينما فقدت بصرى وبُترت ساقى بسبب مرض «السُكر» تواصل معى الإعلامى محمد الباز فى برنامجه التليفزيونى وسألنى ماذا تطلب؟ قلت أحتاج إلى من يقيم معى ويساعدنى فى الحركة ويعتنى بى. لم أطلب أن أقيم فى مستشفى لمدة عام كامل، كما فعلت الدولة مع الكاتب يعقوب الشارونى، ولا أحتاج لمساعدات مادية من أحد، فلدىّ ما يقينى الحاجة وما يكفينى ربما لأربع سنوات مقبلة، لا أريد أن أكون فى موقف الطالب.

وبأسى يضيف: لقد خدمتُ كثيرين، وتخلّى عنى الجميع تقريبًا. المصلحة هى التى تحكم، وعليكِ أن تحذرى الأصدقاء، فسرعان ما يتخلون حينما تنقضى المصالح. 

إبداع يتجدد

رغم ظروفه الصحية الصعبة، ما زال محمود قاسم يُصر على الكتابة. يخبرنى بأنه يكتب حاليًا رواية تحمل عنوان «مناشف الحب»، ويسرد لى تفاصيلها بحماس قائلًا: 

هى رواية عن دبلوماسى أحيل إلى التقاعد، وتعرّف فى أحد المنتجعات الصحية إلى فتاة أحبّها، وظل يمدّها بالمال: خمسة عشر ألف جنيه شهريًا، ثم اشترى لها شقة بمليون جنيه، وسيارة، وينفق عليها من راتبه المرتفع. لكن ضغط الأسرة عليها ولّد مأساة، إذ تزوجت بغيره وتظاهرت بذرف الدموع على فراقه، والرواية تُصاغ من هذه القصة بلا اختلاق، ومن منظور هذه المناشف التى تجفف فيها الدموع تُروى الحكاية.

■ سألته: كيف تكتب؟ ومن يساعدك؟

- فقال: ربنا رزقنى بمخرج سينمائى تسجيلى يأتى إلىّ مرة أسبوعيًا، وأملى عليه الرواية فيكتب.

وبخلاف الرواية قيد الكتابة، ثمة مشروع مكتمل ينتظر النشر، يخبرنى بتفاصيله قائلًا: صنعت كتابًا من أغلفة المجلات المصرية والعربية القديمة، فقد جمعت أغلفة النجوم على المجلات مثل مارى كوينى، أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، وغيرهم، فى تواريخ مختلفة إلى عام ١٩٥٩، هذا الكتاب يُقرأ بالعين قبل أى شىء؛ فهو متعة بصريّة وتاريخ حى ويتماس مع الثقافة البصرية الرائجة حاليًا فى العالم. وقد قدّمته إلى هيئة الكتاب فى عهد رئيسها السابق أحمد بهى الدين؛ وعدنى بنشره ولم يفِ. وبعد رحيله جاء خالد أبوالليل، كتبتُ إليه، ووجدتُ منه تفهّمًا، لكنه انشغل ولم يردّ. 

■ قلت له: كان كتاب «المثقفون وأنا» هو أحدث ما صدر لك، وقد لفتنى أنك تصب فى أحد فصوله غضبك على الجوائز ومانحيها.. ما السبب؟ 

- أجابنى: لقد نشرت أيضًا منذ أسبوع تقريبًا كتابًا للأطفال بعنوان «اختفاء السلم الموسيقى». أما فيما يخص غضبى من الجوائز فهى ليست فقط لعبة بل سرقة. فالذى يمنحها هو نفسه الذى يرشّح لها، والمجاملات والولاءات تتحكم فيها. أشخاص حصلوا على جوائز كبيرة رغم أنهم لم يكتبوا سوى أعمال قليلة جدًا لا ترتقى للمنافسة. وبعض المسئولين رشّحوا أنفسهم وحصلوا على الجوائز، وهذا حدث بالفعل.

■ سألته: هل أنت ناقم بسبب عدم تقديرك؟

فردّ: لدىّ ١١ جائزة من مصر ومن خارجها. أولاها جائزة الدولة التشجيعية، وكنت حينها أصغر من حصل عليها تقريبًا. لكن جوائز الدولة عندنا تعانى مشكلات كبيرة، ولو رشحت نفسى لن أنالها لأننى أفضح الفساد فى كلّ مكان.

كتابة الرواية 

■ قلت له: صدر لك ما يقرب من ١٢ رواية، فما الذى كان يُحركك لكتابة الرواية؟ 

- فأجابنى: أغلب هذه الروايات مستوحى من تجارب عاطفية عشتها، فمعظمها يتناول قصص حب عشتها شخصيًا. أما الرواية التى أكتبها الآن فهى مختلفة، فهى تحاكى قصة عايشتها عن كثب.

على سبيل المثال، رواية بعنوان «البديل» كانت عن أكبر قصة حب عشتها. كنت أعرف فتاة كانت مريضة إلى جوار والدتى فى المستشفى، وعندما توفيت والدتى شعرت بأنها سلمت لى أمانتها. بدأت بيننا قصة حب امتدت لخمس سنوات، ووجدت لها عملًا، وفى مكان عملها جاء زميل أكثر ميسورية منى فخطفها منى. وفى نهاية العلاقة قلت لها: «أنا حافظت عليكِ». فقالت لى: فى كل الأحوال أنا لم أحبك سوى خمس سنوات.. ألا تصنع جملة مثل هذه رواية؟

البديل هنا هو من يدخل حياة من تحب ويخطفه بما يمتلكه من مال. هذه كانت واحدة من أكثر القصص المؤلمة فى حياتى، فهذه الفتاة تزورنى فى حياتى كل يوم تقريبًا.

كما أننى كتبت رواية «المؤلف» عن فترة ارتباطى بمذيعة كنت أذهب معها إلى أماكن مختلفة، فتخيلت فى الرواية أن كل هذه الأماكن التى زرناها شهدت علينا، وتعلمت أن الأماكن نفسها يمكن أن تحكى القصة.

انتقل بعدها للحديث عن رواياته التى لم تكن مباشرة عن حياته الشخصية، وقال:

هناك رواية تأثرت فيها برواية «صحراء التتار» للكاتب الإيطالى دينو بوزاتى، والتى تحكى عن ضابط شاب تخرج حديثًا فى الكلية الحربية، وأُرسل إلى قلعة فى الجبل، ينتظر العدو، لكن الزمن مضى ولم يأتِ أحد، وما جاء إلا التجاعيد والشيخوخة. من هذه الرواية أدركت معنى جميلًا جدًا، وهو أن أكثر ما نقوم به فى حياتنا هو الانتظار.

استوحيت منها روايتى «الثروة»، التى تدور حول أسرة أرسلت ابنها إلى بلاد ما وراء البحار ليجلب لهم الثروة، وظلوا ينتظرونها، وعندما وصلت بعد طول انتظار غرقت فى البحر. هذه الرواية عن لا جدوى الانتظار.

ثم أضاف:

ليست لدىّ رغبة فى التأليف من أجل التأليف فقط، لأن حياتى مليئة بالقصص. كنت أعوّض كل هذه الندوب بالكتابة. لست مثل إحسان عبدالقدوس الذى كان يحضر الكاتبة الصحفية نيرمين القويسنى لتروى له حكايات صديقاتها، فيكتب هو من قصصهن. بالنسبة لى، الشىء الأهم هو الصدق، أى أن تتحدث عمّا يخصك فعلًا.

■ انتقلت معه إلى الحديث عن الأعمال المترجمة، وسألته: ما الذى كان يحكم اختيارك لعمل ما لتترجمه، خصوصًا أن بعض هذه الأعمال نال أصحابها فيما بعد جوائز كبرى؟ 

- فقال: صدر لى أحد عشر عملًا. من أوائل الأعمال التى ترجمتها فى مطلع حياتى- عام ١٩٨٣ تقريبًا- كان رواية فرنسية مترجمة إلى الإنجليزية اخترت لها عنوان «آلهة الذباب» لويليام جولدنج، وطُبعت الرواية سبع مرات. كما ترجمت لباتريك موديانو، ولدوريس ليسينج.

الأمر بدأ من مكتبةٍ صغيرة جدًا. كانت مؤسسة الأهرام- فى ذلك الوقت- تتولى توزيع الصحف والمجلات الأجنبية فى مصر. ما لا يُباع كان يُباع بالكيلو لدى تاجر فى الإسكندرية بثمن بخس. وكنتُ حينها شابًا سكندريًا، فأصبحت أزوره بانتظام، آخذ من كل مجلة أو جريدة نسختين بثمن لا يتجاوز بضعة قروش. هكذا صار لدىّ- بمرور الوقت- أرشيفٌ ضخم، من خلاله تعرفت إلى الكثير من الكتاب والروايات المهمة.

جلستُ سنواتٍ طويلة فى الصفحات الثقافية أعدّ ملفات كاملة عن كبار الكُتّاب: كلود سيمون، وويليام جولدنج، وماركيز.. وغيرهم. ما زال لدىّ بعض هذه الملفات حتى اليوم.

وفى لحظة جنون، أو كرم، كما أحب أن أسميها، أهدَيتُ الأرشيف كله إلى الجامعة الأمريكية من دون مقابل، بعدما حاولوا مساومتى على ثمن بخس. قلت لهم: «لا، أنا لستُ تاجرًا.. خذوه بلا مقابل». ووضعوه فى ركن كامل يحمل اسمى، بجوار مكتبة أنيس منصور من اليمين، وعلى مقربة من كتب مصطفى أمين من الجهة الأخرى.

موسوعات السينما

بدأ محمود قاسم نشر مقالاته عام ١٩٨٠م، وجمع عددًا منها فى «موسوعة أدباء نهاية القرن العشرين»، كما صدرت له مجموعات موسوعية أخرى، مثل «موسوعة الأفلام العربية» و«موسوعة الأغنيات فى السينما المصرية»، وغيرهما. 

■ سألته: كيف بدأت فكرة كتابة الموسوعات عندك؟ ولماذا قررت مواصلة هذا المشروع؟

- فقال: كان لدىّ رفوف مليئة بالملفات عن كلّ فيلم وكلّ فنان، فقلت: لماذا لا أقدّمها للناس؟ وفى عام ١٩٩٣ بدأتُ موسوعات الأفلام العربية، واستعنت باثنين لمساعدتى فى جمع الأفلام المصرية، بينما قمت أنا بجمع الأفلام العربية. لكن وقعت فى أخطاء بسبب المساعدين، وقد شن البعض، مثل على أبوشادى وسمير فريد، حملة ضارية علىّ حينها، وطلب منى أحدهم أن أكتب اعتذارًا عامًا فى صحيفة رسمية، لكننى رفضت، وقلت: سأصحح الأخطاء، وأوسّع الموسوعة، وأجعلها أعمق.

وكلما تعمقتُ فى العمل اكتشفتُ عمقًا أكبر. فأصدرت موسوعات للمخرجين والممثلين، وكل موسوعة أصبحت فى ست أو سبع طبعات. وأنهيت آخر موسوعة عام ٢٠٢٠. ولو بدأت واحدة جديدة الآن ومعى فريق مخلص ستكون ثلاثة أو أربعة أضعاف ما عندى. المشكلة أنّ مواقع مثل «موقع السينما» نقلت كلّ شىء عنّى، حتى الأخطاء. وأنا أعدتُ تعديلها وأصدرتها كاملةً بالمعلومات الصحيحة.

ورغم أننى لم أتولّ مناصب كبيرة فى الصحافة، فإن عملى كان قويًا، والكتب هى التى كانت تتحدث عمّا أفعل. فلدىّ أكبر أرشيف، خاصة فى السينما، الأدراج التى ترينها هناك تحوى سيديهات تضم تاريخ السينما المصرية كاملًا موثّقًا بالصور. من هذا الأرشيف أصدرت كتابًا بعنوان «تاريخ السينما المصرية.. قراءةً فى الوثائق النادرة»، وعندما أنجزته، بعت الوثائق لأحد المهتمين بنصف مليون جنيه. 

تنوع الكتابات

كتب قاسم فى مختلف أنواع الكتابات، من سينما وأدب وفن تشكيلى وروايات للطفل وأفلام إذاعية.

■ سألته: ما سر هذا التنوع؟

- فقال: الحكاية ببساطة أنّنى مارستُ الكلمة. الكلمة كانت لغتى فى التفاهم مع الورقة، كنتُ فى رحلة طويلة أبحث فيها عن المعرفة فى كل مكان.

لم أدمن فى حياتى أى شىء إلا شىء واحد: القراءة. وأنا فى الصف الثانى الإعدادى قال لى أحدهم جملة علقت بذهنى: «كل وعاء يضيق بما يُملأ به، إلا وعاء واحد؛ وعاء المعرفة».

■ ما أوّل الكتب التى أدخلتك إلى بحر المعرفة؟

- أوّل من قرأت له كان نجيب محفوظ. ثم جاء أستاذى وكان يسكن بجوارنا، ويعمل أمينًا لمكتبة مدرسة الإبراهيمية. رآنى مفترسًا للكتب ففتح لى المكتبة كلها، وقال لى: «خُذ واقرأ»، لدرجة أننى بعد ذلك أقمت فى بيتى «عيدًا» خاصًا بالكتب وكنت مراهقًا. ثم أرشدنى والد أحد الأصدقاء فى مرحلة تالية إلى قراءة الأدب العالمى، وأعطانى رواية «الغريب» لألبير كامو، و«العجوز والبحر» لهيمنجواى، فقرأتهما مرتين فى يوم واحد. وتغيّرت حياتى تمامًا.

هذان الكاتبان مليئان بالفلسفة والفكر. فشرعت فى قراءة أعمال أخرى من الأدب العالمى، وفتحت لى عالمًا واسعًا من المعرفة والخيال.

■ وما أول ما كتبت؟

- قرأت فى المدرسة قصة بعنوان «ذيل الأرنب»، وكانت عن أرنب يريد تغيير ذيله كل مرة، ويحصل على ذيول مختلفة، ذيل قطة، ذيل ثعلب، ذيل طاووس.. وفى النهاية يعود إلى ذيله الأصلى لأنه الأنسب له. المعنى أنّ الله يخلق الإنسان على الهيئة التى تناسبه. فكتبت رواية مشابهة لهذه الفكرة. وعندما كبرت كتبت رواية للأطفال اسمها «زيزو موهوب زمانه»، وتحولت إلى مسرحية. وحوّلت فيها الأرنب إلى روبوت يظنّ نفسه موهوبًا: شاعرًا مرة، رسامًا مرة، موسيقيًا مرة. وكانت أول رواية عن «الموهبة الصناعية» أو الذكاء الصناعى، قبل أن يظهر الموضوع بزمن طويل.

ثم كتبت رواية «صندوق المساكين» للأطفال، وكانت تُنشر فى مجلة «ماجد». وهى عن طفل يكسر ألعابه ويرميها فى صندوق، فتنظّم الألعاب ثورة ضده. الرواية هذه وجدت أنها تشبه «Toy Story» التى ظهرت بعد روايتى.

كنت دائمًا أقرأ المجلات العربية والأجنبية، لأن الأفكار لا تُخزَّن مثل أرشيف على الرفوف، بل تُنشّط ذهنك. أحيانًا أجد فكرة قديمة فى مجلة فأقول: إذا كانت الفكرة طُرحت قبل ذلك، فلن أكتبها. لكن كثيرًا ما كنت أكتشف أنّنى كتبت أفكارًا قبل أن تُنفَّذ عالميًا بسنوات.

■ وكيف بدأت الكتابة عن السينما؟

- من أوائل الروايات التى قرأتها «السمان والخريف». وعندما شاهدتها فيلمًا وجدت أشياء كثيرة فى الفيلم ليست فى الرواية. وبدأت أكتشف الفروق العميقة. قرأت رواية نجيب محفوظ «فضيحة فى القاهرة» التى أُعيد نشرها مرَّةً أخرى باسم «القاهرة الجديدة»، ووجدت أن الفيلم اختزل الرواية. ونفس الشىء فى «زقاق المدق»، فالفارق كبير بين الرواية والسينما، نجيب محفوظ كان أقسى بكثير فى أدبه مما قدّمته السينما.

وإذا تحمّلتِ كلامى، فكل عالم نجيب محفوظ ملىء بالموبقات والعُهر. دائمًا الشخصيات النسائية إمّا عاهرات أو قريبات من هذه الصورة. فى «السراب» عاد البطل إلى الله على يد امرأة عاهرة. وفى «ثرثرة فوق النيل» كل شخصيات العوامة خطّاؤون، وكذلك الحال فى «ميرامار». وحتى الأسر الراقية فى رواياته تتصرف تصرفات فيها سقوط أخلاقى. لقد عاش محفوظ فى عالم منحط ونقله كما هو.

كتب قاسم مئات المؤلفات فى النقد السينمائى، لكن أول عمل له كان عن «الاقتباس فى السينما المصرية». سألته: من أين بدأت فكرة هذا الكتاب؟

فقال: فى أوائل الثمانينيات، كنت أقيم فى الإسكندرية، وأحضر مهرجانات الإسكندرية، وكان السينمائيون يعرضون أفلامهم ويقيمون ندوات. كنت أقف فى كل ندوة وأسألهم أسئلة تجعلهم يظنوننى مشاكسًا. كنا نحضر مهرجانات السينما، وفى كل ندوة كنت أكشف لهم عن الاقتباسات، وكتبت مقالات عن عدد من الأفلام المقتبسة، إلى أن أصدرت هذا الكتاب الذى طُبعت منه طبعات متعددة، فقد رصدت الأفلام المقتبسة من السينما الأمريكية والروايات الفرنسية، وكان هناك الكثير من هذه الأفلام. والبعض كان يغضب منى ومنهم المخرج محمد خان الذى كان يقول: «محمود قاسم طلّعنا كلنا حرامية».

■ هل هناك سينمائيون ترى أنهم لم ينالوا ما يستحقون من تقدير؟

- كثيرون، مثل المخرج كمال عطية الذى قدّم أفلامًا عظيمة، منها «رسالة إلى الله»، و«الشوارع الخلفية»، و«قنديل أم هاشم». أعمال شديدة الأهمية ولم يُنصفه أحد، وكنت أعدّه أبًا روحيًا.

■ وكيف ترى وضع السينما اليوم؟

- لم تعد السينما كما كانت فى السابق. فمثًلا عندما عمل مروان حامد مع والده فى صناعة فيلم «عمارة يعقوبيان»، كان فيلمًا جيدًا ولاقى استحسانًا. أما الآن، فهو يعمل مع أحمد مراد، وعندما شاهدت فيلم «كيرة والجن» المأخوذ عن رواية «١٩١٩» لأحمد مراد، شعرت بأنه فيلم اصطناعى لا علاقة له بالتاريخ، إذ أخذ التاريخ وألبسه على تاريخ آخر، صحيح أن الفيلم حقق نجاحًا وأشاد به النقاد، لكننى أراه ضعيفًا.

مع الأسف، معظم النقاد اليوم تلاميذ سمير فريد، وما أعنيه بذلك أنهم يحكون قصة الفيلم لأولئك الذين لم يشاهدوه، ويشجعون الناس على مشاهدته. وبعض هؤلاء النقاد يقولون صراحة: نحن من جعل السينمائيين يربحون، بينما نحن لم نكسب شيئًا.

■ ما آخر الأفلام التى نالت إعجابك؟

- لقد أعجبنى فيلم «برّه المنهج» لماجد الكدوانى. فيلم متميّز للغاية، شاهدته بعناية وكأنه يحدث أمامى. أحترم الكدوانى كثيرًا، أمّا غيره فمعظمهم يعملون فى أفلام الأكشن فقط.

■ وما المشكلة الرئيسية التى تواجهها السينما المصرية حاليًا؟

- المشكلة الأساسية تكمن فى ورش الكتابة. الورشة تشبه لعبة المكعبات: كلّ فرد يضع قطعة. فتشعرين بأن العمل مصطنع وغير متناسق؛ مشهد قوى يليه مشهد ضعيف بوضوح. وقد ظهر هذا الأمر فى كثير من الأعمال خلال السنوات الأخيرة. حتى كتّاب كبار قُدمت لهم أعمال من خلال ورش، فلم تكن على مستوى تاريخهم.

■ وما الذى يصنع مجد السينما؟ المؤلف أم المخرج؟

- الحقيقة أنّ الجميع يشارك، لكن أول عنصر هو الممثل. فالناس تحبّ الوجوه، وتتعلق بها عاطفيًا. ثم حين تزداد الثقافة يدرك المشاهد أن هناك مخرجًا هو الذى يحرّك كلّ شىء، وهو المسئول عن النصّ والسيناريو، ويحق للفيلم أن يُنسَب إليه. وبعد سنوات اكتشفتُ أنّ بعض الأفلام يجب أن تُنسب إلى مدير التصوير، وأخرى إلى كاتب السيناريو.

فعلى سبيل المثال وقع الجميع فى خداع كبير بخصوص فيلم «المومياء»، وظنوا أنه فيلم شادى عبدالسلام وحده. بينما العبقرى الحقيقى وراءه هو مدير التصvوير عبدالعزيز فهمى، فهو الذى جعل الكادر كائنًا حيًا، وهو صاحب الأسلوب نفسه فى أفلامه الأخرى، وهذا الرجل لم ينل حقه.