أسئلة المستقبل.. الفن التشكيلي
هل لثقافتنا مستقبل؟
تُعدّ الثقافة أحد أهم الأعمدة التى يقوم عليها أى مجتمع، فهى فى أحد تعريفاتها «طريقة حياة». فكلما كان الإنسان مدركًا لواقعه وإمكاناته، أصبح قادرًا على ابتكار الطرق التى تمكّنه من مواصلة مسيرة الحياة. والسؤال: هل تستطيع أى أمة أن تستمر دون ثقافة؟ الإجابة قطعًا: لا. فكل مجتمع يمتلك قدرًا من الثقافة، يتفاوت عمقه وقوته من مكان إلى آخر، لكنه يظل ركنًا أساسيًا لاستمرار الحياة.
الحضارات بدورها لا تقوم إلا على ثقافة تحمل رؤية أو طريقة للحياة. وكلما جاءت هذه الرؤية منسجمة مع مقومات البيئة والمجتمع، ازدادت الثقافة قدرة على الإسهام فى بناء الحضارة. لكن هل يمكن للثقافة أن تتآكل أو تُفقد؟ بالتأكيد، فالثقافة تحتاج إلى «توريث»: نقل المعرفة والخبرات ووجهات النظر تجاه مشكلات الحياة من جيل إلى آخر. وإذا توقّف هذا النقل، تبدأ الثقافات فى التراجع والانحسار.
عبر التاريخ شهدنا دولًا تصعد وأخرى تتراجع، وأممًا كانت فى ذيل القائمة ثم نهضت عندما كوّنت لنفسها شخصية ثقافية قوية أصبحت بمثابة القاطرة التى تجرّ وراءها باقى المقومات. وفى المقابل، رأينا مجتمعات فقدت جزءًا من قوتها حين تراجع توريث القيم والمعرفة الروحية والحضارية.
ومصر نموذج واضح؛ فهى أقدم حضارة فى التاريخ، لكنها مرّت عبر العصور بكبوات وانتصارات عديدة. هذا التاريخ المتقلب يدفعنا إلى التأمل فى أسباب ازدهار المد الحضارى أو انحساره. نحن فى مصر ننتج ثقافة بلا شك، لكنها ليست كافية لتلبية متطلبات المجتمع نحو المستقبل، وهو ما يجعل العمل على ملف الثقافة ضرورة لا رفاهية.
اليوم نحن فى حاجة ماسة إلى مشروع ثقافى كبير ينهض بالأمة ويعيد توحيد مقوماتها. هل يمكن تحقيق ذلك؟ نعم، لم يفت الأوان، لكن الأمر يحتاج إلى مجهود ضخم يبدأ بمحاسبة الذات والبحث فى أسباب التأخر، والاعتراف بأننا نعانى من غياب رؤية ثقافية واضحة. لقد أدركنا حجم المشكلة، وهذا أول الطريق نحو الحل. فكل دول العالم تسير إلى المستقبل، لكن الفرق سيكون بين دول تصنعه، وأخرى تكتفى بالمشاهدة، وثالثة لا تصنع ولا تشاهد.
تواجه الثقافة اليوم تحديات غير مسبوقة فى تاريخ البشرية؛ فالمعرفة هائلة ومتاحة، والإنسان بلغ مستويات متقدمة من العلم، وظهرت أسئلة جديدة أكثر حدة وقسوة. ومن أبرز التحديات ما يواجهه شباب اليوم فى ظل ثورة الذكاء الاصطناعى، وهى ثورة ستخدم البشرية بلا شك، لكنها ستفرض ثمنًا باهظًا على المجتمعات. وسيظل الفاصل بين الأمم هو كيفية استيعاب هذه المعطيات الجديدة والتعامل معها.
أما الفن التشكيلى، وهو عنصر أساسى فى المشهد الثقافى، فيواجه تحديات كبيرة. فالفنان اليوم أمام أسئلة أكثر تعقيدًا مما واجهه الفنانون فى الماضى، لكنه يبقى مطالبًا بالإجابة عنها إن أراد أن يكون مشاركًا فى صنع الحضارة والمستقبل. العالم يتطلع إلى الأمام، لكنه يتكئ فى الوقت نفسه على منجزاته السابقة، وكل الابتكارات الجديدة هى خليط من الحلم ومعرفة جذور الماضى. وهنا نحتاج إلى نظرة مزدوجة: وعى بما نمتلكه، وقدرة على تعلم أدوات صناعة المستقبل.
يبقى السؤال: هل ما زال الفن قادرًا على التعبير عن روح المجتمعات والمساهمة فى بناء الحضارة وتشكيل الجملة الثقافية؟
الإجابة: نعم. سيظل الفن مرآة للمجتمع تكشف تطلعاته ومشكلاته. صحيح أن دور الفن تطوّر عبر العصور، حتى وصل إلى عصر أصبحت فيه الفنون جزءًا أساسيًا من التصميم والصناعة والتسويق وكل مناحى الحياة. لقد تطور الفن، ونحتاج نحن أيضًا إلى تطوير علاقتنا به إذا أردنا العبور إلى المستقبل.








