السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

العالم السرى لجمال الغيطانى

أخبار الأدب.. حلم الغيطانى الذى أتلفه الهوى

جمال الغيطانى
جمال الغيطانى

- غالبية من اقتربوا منه يمارسون الكتابة ولم يسلك أحدهم طريقًا إبداعيًا سار فيه

- قرار صدورها لم يأت انتصارًا للثقافة والأدب.. بل لمواجهة استحواذ "الأهرام" على نجوم الكتابة وقتها

- "رغم الاختلاف في الخطط والسياسات، ورغم التصرفات التي توحي بالجحود ونكران الجميل، فثمة أمور لم تمس، ولم يحاول أحد الإخلال بها، حتى وإن انطوت النفوس على الرغبة في ذلك"

“حكايات المؤسسة”

شئنا أم أبينا.. لا يبقى من الكاتب، أو الإنسان عمومًا، سوى ما فعلت أو أنتجت يداه، شعر، قصة، رواية، نظرية في الفيزياء، اكتشاف علمي، أو حتى طبخة جديدة.. أيًا كان منتجه ومساحة وجوده في وقته وبين مجايليه، فلابد أن يأتي وقت تقاس فيه حياة الإنسان ومسيرته على وجه الأرض بما أنتج، وبما ترك من أثر، أو علامات تدل عليه، سواء كان ذلك المنتج يمثل إضافة إلى رحلة البشر مع الحياة والدنيا، أو حتى بالخصم من هذه الرحلة الطويلة، والمتشابكة، العامرة بالالتباسات والمراجعات، فما تراه اليوم إضافة بالغة الأهمية، ربما كان في وقت سابق، أو لاحق، خسارة فادحة، والعكس صحيح تمامًا، ليبقى الحكم دائمًا للتاريخ، وللقادم من أجيال، وفقًا لما تقرره معايير الإضافة والخصم في زمانها ومكانها معًا.. وفي حالة الكاتب الراحل جمال الغيطاني، تبدأ الحكاية وتنتهي من الكتابة الأدبية، في الرواية والقصة القصيرة والمقال الصحفي، ثلاث طرق أو مسارات متجاورة يؤدي كل منها إلى الأخر، وهذه الأخيرة تمتد، في تصوري، دون غيرها إلى مساحة أكبر من التواجد والتأثير والتأثر، خصوصًا أنها ارتبطت بإنجاز لا يزال موجودًا، وإن خفت تأثيره وغاب أو توارى، ولم يعد يتأثر بما يدور من حوله أو حتى يراه، وهو الإنجاز أو الحلم المتمثل في جريدة "أخبار الأدب"، تلك المطبوعة اللغز، والتي كانت تعد وقت صدورها أول وأهم جريدة ثقافية متخصصة في مصر والعالم العربي، والحلم الذي شاغل كثير من الكتاب والمثقفين المصريين على مر التاريخ الحديث، والذي لا أجد لحاله الآن وصفًا أدق من التعبير الشهير للسيد أحمد عبدالجواد في فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن رائعة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وبسيناريو وحوار الراحل يوسف جوهر، عندما سأله مساعده عن الكيفية التي يسجل بها مشتروات "الست زبيدة" من المحل، فقال له "إكتب عندك.. بضاعة أتلفها الهوى"، فأغلب الظن أن هذه العبارة لا تنطبق على شيء أو حدث، مثلما تنطبق على صحيفة "أخبار الأدب"، رافقتها منذ لحظة التفكير فيها، ووقت صدورها، وعند رحيل الغيطاني عنها، واستمرت معها حتى اللحظة التي تقرأ فيها هذه السطور. فهي حلم جمال الغيطاني الذي أتلفه الهوى والميل الفطري للأقربين، للصغير حتى يكبر، وللمريض حتى يشفى، وللغائب حتى يعود.. وهي من قبله، حلم محمود أمين العالم، الذي فتح أبواب مؤسسة "أخبار اليوم" على اتساعها أمام جمال الغيطاني وغيره كثير من الكتاب والأدباء.. وهي حلم إبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة مؤسسسة "أخبار اليوم" وقت صدور عددها الأول في التاسع عشر من يوليو 1993، والذي انقلب عليها هي ورفيقاتها من إصدارات متخصصة تزامن صدورها معها دون مبرر واضح أو مفهوم.. وهي، قبلهم جميعًا، حلم جميع الكتاب والمثقفين العرب الذي راهنوا عليها لمواجهة قوى الرجعية والظلام، فلم تسلم من الصدور وعلى كامل صفحتها الأولى صورة خيرت الشاطر، وعناوين تتغزل في شخص واحد من قيادات الإرهاب، وتدعو للسير على هديه، ووفق خطاه!!

1. ثلاثة أسئلة لميراث الكاتب والأديب

لن أتوقف طويلًا أمام سؤال القيمة الأدبية لما تركه الكاتب الراحل جمال الغيطاني من أعمال تتوزع بين القصة والرواية والمقال، وما تمثله تلك الأعمال من إضافة أو حتى خصم، في رصيد الإبداع والأدب العربي، أو الإنساني عمومًا، فالحقيقة أنني لم أقرأه كاملًا، ولم تستهويني بعض كتبه، وأتيت على البعض القليل منها.. وأغلب ظني أننا أمام ثلاثة أسئلة أساسية لرؤية منجز الكاتب أو الأديب، وهي في حياة الغيطاني تبدأ وتنتهي بالمحتوى الأدبي الذي قال، وقيل عنه، أنه وهب معظم حياته له، فكان يخصص النصيب الأكبر من يومه من أجل عمله الذي اختاره لنفسه، الكتابة والقراءة، لا شيء غيرهما.. وبعيدًا عن أحكام القيمة وما يشابهها، فالسؤال الأول يخص ذلك المنتج الأدبي الغزير، وما يمثله من إضافة إلى مسار الإبداع الأدبي والإنساني، ما هي تلك الإضافة؟! ما ملامحها؟، وما السمات الغالبة أو المميزة لها؟! وأغلب الظن أنني بحاجة إلى توضيح أن الجوائز والترجمات ليست دليلًا على شيء في هذا السياق، أكثر من إعجاب المترجِم بالمترجَم عنه، شخصيًا أو إبداعيًا، فهي عملية لا تخضع لمعايير اختيار محددة وواضحة، ولا يمكن وضعها في الاعتبار كمقياس أو معيار لرفع منجز، أو الحط ممن لم تصادفه حظوظ القرب من عاملين في حقل الترجمة.. 

هذا السؤال يقودنا إلى رفيقه، والذي يخص الأجيال التالية، هل شكلت كتابات الغيطاني مدرسة، أو طريقة جديدة في الكتابة؟ هل مهدت الطريق أمام أساليب مبتكرة في التعبير؟! وهل ظهرت لها أجيال يمكن اعتبار بعض أفرادها كتلاميذ لتلك المدرسة أو الطريقة؟! وهو سؤال لا إجابة لأحدٍ في وقتنا الحالي عليه، وتحدده الأجيال الجديدة وحدها، سواء من حيث الإقبال على إصدار طبعات جديدة من كتبه، أو تدارس تلك الكتب، أو حتى تداولها في طبعات قديمة، وإن كانت الشواهد تقول أن جميع من اقتربوا منه، وعملوا معه، أو تتلمذوا على يديه في "أخبار الأدب"، وغالبيتهم ممن يمارسون كتابة الرواية والقصة القصيرة، لم يسلك أيًا منهم أي طريق سار فيه الغيطاني، اللهم إلا طريق القرب من كتاب الخليج والمغرب العربي، وخصوصًا العاملين منهم في الصحافة الأدبية، أو المؤسسات المانحة للجوائز.. وكلنا نعلم أنهم جميعًا استؤجروا للعمل في لجان تحكيم تلك الجوائز في بعض الدورات، وفازوا بها في دورات أخرى، ولا يغيبون عن أي حدث تنظمه أي جهة عربية مهما كان الحدث صغيرا، فيما لا تجد لهم أي أثر في مؤتمرات أو ندوات تعقد في أماكن أقرب ما يكون من مبنى المؤسسة التي ينطلقون منها.. ولن أذهب بعيدًا عندما أسألك عن عدد المرات التي قرأت فيها في "أخبار الأدب" عن الندوات التي تعقدها اللجنة الثقافية لنقابة الصحفيين التي تقع في الجهة المقابلة من شارعي الجلاء ورمسيس، ولن أندهش إذا جاءت إجابتك بعدد محدود من المرات، بل سوف أزيدك بأنه حتى ذلك العدد المحدود كان في الغالب متابعة لندوات أصدقاء ومعارف أو ذوي قربى.. وفقط لا غير.

ربما لم تلتفت إلى أن الإشارة لتلاميذ الغيطاني اقتصرت على ممارسي كتابة الرواية والقصة القصيرة دون الشعر، ولكني لن أدعك تنعم بعدم الالتفات هذا، وسأقول لك أن السبب في ذلك يعود باختصار إلى طبيعة الشعر، ومكانته في سلم الفنون، فهو يحتل مرتبة متقدمة عن القصة والرواية، أو لا تجوز فيه المجاملة، لا يقبلها، ولا تقبله، ويسهل كشف غير الموهوبين فيه، بينما تحتمل القصة والرواية الاكتفاء بالحكاية، أو الموقف البسيط، ولن يعجز ناقد عن إيجاد مبرر لتقديم قصة قبل غيرها، أو كتابة تقرير يشرح فيه أسباب فوز رواية، ولو متوسطة بأكبر جائزة عربية.. ويكفي أن تتذكر معي ما صاحب مجموعة "الأرض الأرض..السماء السماء.. وانتحار رائد الفضاء" لصاحبها الرئيس الليبي السابق معمر القذافي من احتفالات، ودراسات نقدية جادة ومتعمقة، لم يهتم بها كثيرون، أو ربما نسيها الكثيرون، بينما لم ينس أحد ما أفردته صفحات "أخبار الأدب" للحديث عن عبقرية السعودي عبدالعزيز البابطين، وموسوعاته وجوائزه.. فلم تمر في مصر، أو غيرها، مرور الكرام، رغم أن الخلاف في طبيعة القصيدة العمودية التي تتبناها مؤسسة البابطين لم يحسمه أحد، ولن يقطع فيه أحد.. وأغلب الظن أنه سوف يظل قائمًا ما ظل الشعر ضمن فنون القول.. لا الكتابة.

2. بين "الأدب" و"النجوم".. ثلاثة أدوار وخصومة غير معلنة

تبقى الصحافة، وتبقى الجريدة الحلم التي وضعتها الظروف في طريق كاتبنا، ووضعها نصب عينيه، وتصادف ظهورها مع بداية عملي بالصحافة، والمشاركة في الاحتفال بها، إذ سبقتُها إلى بلاط صاحبة الجلالة بأشهر معدودة، من خلال عملي في صفحتي الفن والثقافة بجريدة "العربي" تحت إشراف الكاتب الكبير صبري موسى، وقبل انتقالي بعدها بخمس سنوات للعمل ضمن فريق رفيقتها "أخبار النجوم"، إحدى المطبوعات المتخصصة التي أصدرتها مؤسسة "أخبار اليوم" في توقيت متزامن، وهو الانتقال الذي لعب دورًا كبيرًا في اطلاعي على كثير من كواليس رحلة "اخبار الأدب"، وفتح لي باب التعرف بالكاتب الكبير جمال الغيطاني، رغم كثير من الملابسات التي كانت تمنع من القرب منه، وتمنع حتى الاقتراب ممن يعملون معه، فلم تكن الأجواء بأحسن ما يكون، وربما كانت من السوء بدرجة لم يكن لدي علم بها في وقتها.

ما عرفته في ذلك الوقت أن الأجواء ليست على ما يرام بين الغيطاني وبين إبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة والذي صدر قراره بالموافقة على إصدار "أخبار الأدب" عن هوى شخصي، وردًا على استحواذ "الأهرام" على كتابات نجوم الثقافة والأدب وقتها، وقيل وقتها أن السبب يعود إلى قرار "غير معلن" بوقف التعيينات في "أخبار الأدب" بسبب ما تتحمله المؤسسة من خسائر في إصدارها، ونتيجة لضعف التوزيع وتراجع الإعلانات أو انعدامها، وقيل أن الأستاذ جمال تقدم باستقالته من رئاسة تحريرها أكثر من مرة وتم رفضها، وربما لهذا كانت لقاءاتي بالكاتب الكبير قليلة ومعدودة أو محدودة الزمان والمكان، لكنها بالنسبة لي كانت تعني الكثير، فقد كنت وقتها مجرد صحفي شاب في مطبوعة تناصب الغيطاني العداء شخصيًا، ربما لم يكن العداء معلنًا، لكنه كان هناك، يعلم به الجميع، ويتهامسون به، ويرون آثاره، ولكن لا أحد يكتب عنه أو يعلن عن وجوده، ولك أن تتخيل مطبوعتان تصدران عن مؤسسة واحدة، لا يجروء أيٍ من العاملين بهما على التحدث مع زملائه من العاملين بالمطبوعة الأخرى، ولو حديث عابر، وإن حدث فليكن في أضيق الحدود، وبعيدًا عن مقر المؤسسة..

كان هناك شيء ما غير مفهوم بالنسبة لي، فلم يكن مسموحًا لأي من سكان الدور التاسع، حيث مكتب رئيس مجلس الإدارة والعاملين بالعدد الأسبوعي من "أخبار اليوم" ومجلتي "أخبار النجوم" و"أخبار السيارات" وبعض مديري التحرير، بالعبور على الطابق السادس، أو التجول والوقوف فيه، وخصوصًا صالة "أخبار الأدب" التي كانت تتوسط الممر الطويل الذي يقطع الدور كله طوليًا، بما فيها مكتب الغيطاني الذي كان يحتل ركنًا صغيرًا من صالة التحرير، ببابه المفتوح دائمًا، لا يتم إغلاقه إلا في القليل النادر.. وكنت أنا والزميلة أمنية طلعت من القلة التي تجرأت على نزول السلم، والدخول إلى صالة تحرير "الأدب"، كما كنا نسميها في غالبية مطبوعات المؤسسة، بل ونشر كتاباتنا على صفحاتها، وهو وقتها حدث لو تعلمون عظيم.

وأذكر أن عرض مسلسل "حديث الصباح والمساء" في شهر رمضان عام 2001، جاء متزامنًا مع شهر ديسمبر، فتوافق عيد ميلاد الكاتب الكبير نجيب محفوظ مع يوم 26 من شهر رمضان، واقترحت أن نقوم في "النجوم" باصطحاب النجمة ليلى علوى، بطلة المسلسل، مع "تورتة" خاصة لزيارة الأستاذ في يوم ميلاده، على أن تتضمن الجلسة حوارًا حول المسلسل والرواية، ولأن الظروف الصحية للأستاذ لم تكن في أحسن صورة، ولأن الأمر يحتاج إلى ترتيبات خاصة، فقد توليت الاتصال بالشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، والأستاذ جمال الغيطاني لإقناع الاستاذ بالفكرة أولًا، ولتنفيذ الزيارة التي تمت في إحدى المراكب النيلية التي كان يجتمع فيها بهم، بالصورة المناسبة، والتي لا ترهق الأستاذ، وهو ما حدث بالفعل، لكنني لاحظت أن الأستاذ جمال الغيطاني كان يتعمد الابتعاد عندما يحين وقت التصوير، فذهبت إليه، موضحًا أنه لا يجوز عدم ظهوره في صور التغطية، وهو أحد المساهمين الرئيسيين في إخراج الحدث، لكنه بلطف وتهذيب شديدين، قال لي "أنت عارف انهم مش ح ينشروا صور أنا فيها، فمافيش داعي للإحراج"، عندها أخذني حماس الشباب، ووعدته أن تنشر صورته مع الأستاذ، وعلى مسئوليتي، فابتسم ووافق وتم التصوير.. ولكنها بالطبع لم تنشر، ولم أجروء بعدها على النزول إلى الدور السادس، وإن حافظت على عادتي في قراءة "الأدب".

3. أسياد وعبيد.. لا أدباء ومفكرين

صدر العدد الأول من الجريدة في 19 يوليو 1993، برئاسة تحرير جمال الغيطاني الذي ظل في موقعه حتى صدور قرار مجلس الشورى بتعيين مصطفى عبدالله رئيسًا لتحريرها قبل أيام من بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ولم يكتب الغيطاني افتتاحية العدد الأول، بل ترك مكانها لرسالة من الكاتب الكبير نجيب محفوظ بعنوان "مرحبا بأخبار الأدب" كان نصها كالتالي: "لا أغالى إذا قلت إن صدور هذه المجلة حدث ثقافى هام نستقبل به العام الجديد. ومرجع تفاؤلى إلى جدية الدار التي تصدرها وتميزها بالابتكار، وإلى رئيس تحريرها الذى يعد بحق فى طليعة أدباء الأجيال الصاعدة التى أثبتت جدارتها بكل قوة وثبات.

وقد قيل عند اختفاء مجلة الرسالة أنها ستترك فراغا لن يسد، وصدق القول، ولكني كبير الأمل في أن يملأ ذلك الفراغ بالمجلة الجديدة التي آمل أن تكون ميدانها فسيحا لالتقاء الأصالة بالمعاصرة وفتحا شاملا للإبداع والنقد والقضايا الفكرية.. كونوا شعلة لنهضة جديدة. والله معكم".

وفي مقال بجريدة "عُمان" التي يعمل ويكتب بها غالبية محرري "الأدب"، كتب أحدهم عن رحلة "أخبار الأدب" ما نصه: "كتب الغيطاني ما يشبه الدستور الذي يحكم العمل في أخبار الأدب"، موضحًا أن ذلك الدستور تضمن "وحدة الثقافة العربية التي تستمد قوتها دائما من تكاملها، احترام الدين والوقوف في وجه محاولات توظيف الإسلام بأهدافها الصغيرة التي تضعه، ظلما، في موقع النقيض من حرية الإبداع، تنمية الإحساس بالجمال كقيمة توشك أن تختفي بعد أن اعتادت العين القبح أو كادت تعتاده، وأخيرا الانفتاح على كل التجارب الإبداعية الهامة في أنحاء الوطن العربي"، وقال: "عبر هذا الدستور خاضت الجريدة معارك لا حصر لها دفاعا عن حرية الإبداع، وضد منطق الوصاية، منذ الأسابيع الأولى هاجمت فتاوى التكفير ومواقف شيوخ مثل الغزالي ومحمد عمارة من الثقافة، وضد مصادرات الكتب التي تقوم بها مؤسسات رسمية"، مضيفًا: "لم تكن المعارك الثقافية وحدها هي شعار الجريدة، وإنما تقليب التربة كما قال الغيطاني، أي البحث عن الأصوات الجديدة في كل مجالات الأدب، وتقديم نصوصها، وعرض هذه النصوص على النقاد للكتابة عنها، ومثلما أسهم الملحق الثقافي لجريدة المساء ومجلة المجلة في تقديم جيل الستينيات الأدبي ونشر أعماله، أسهمت أخبار الأدب في تقديم جيل التسعينيات، أو تقديم الأفكار الجديدة في النقد والإبداع في كل العالم".

وجاء في افتتاحية العدد الخاص بالاحتفال بمرور ثلاثين عامًا على إصدارها ما نصه: "يحسب لأخبار الأدب أنها امتلكت القدرة والإرادة التي مكنتها من تقويم المسيرة، وإعادة الأمور لنصابها، كما يقاس التاريخ الحقيقى لها بعدد ما أشعلت من مصابيح تنير بها الطريق، وبعدد الأسماء التي دفعت بها للحياة الثقافية والفكرية، ووقفت وراءها حتى أصبحت تتسيد الساحة الفكرية"!!

والحقيقة أنني لا أعرف كيف يكتب محرر ثقافي وأديب، عن "تسيد" أسماء لساحة هي في الأصل فكرية!! أي خيال مريض يرى الكتاب والمبدعين والمفكرين في صورة أسياد وعبيد؟! لو فعلها محرر "تحت التمرين" في مطبوعة صغيرة لما قبل بها أحد، فما بالك بكاتب لافتتاحية عدد احتفالي من مطبوعة يفترض أنها تعلي من قيمة الرأي، والتفكير الحر؟!

أما عن الدور التنويري، والوقوف في وجه محاولات توظيف الإسلام بأهداف صغيرة تضعه في موقع النقيض من حرية الإبداع، فما عليك إلا العودة إلى حوار الدكتور محمد الباز المنشور في هذا العدد مع الكاتبة الراحلة ماجدة الجندي للتعرف على ما أصاب الغيطاني، وكلنا معه، من غم وحسرة وحزن مقيم، ونحن نطالع عدد "أخبار الأدب" الذي تصدرته صورة القيادي الإخواني خيرت الشاطر، وتتحدث عن فكره، ثم وهي تنفرد بهداية كارل ماركس في آخر أيامه!!

أخيرًا.. يقول جمال الغيطاني في صفحة 26 من كتابه "حكايات المؤسسة" فيما يحكيه عن المؤسس ما نصه: "رغم الاختلاف في الخطط والسياسات، ورغم التصرفات التي توحي بالجحود ونكران الجميل، فثمة أمور لم تمس، ولم يحاول أحد الإخلال بها، حتى وإن انطوت النفوس على الرغبة في ذلك"، وأغلب ظني أن كل شيء كتبوا أن "الأدب" صدرت من أجله "راح وانقضى"، ولم يبق من الأمور التي لم تمس شيئًا سوى أنها "حلم جميل أفسده الهوى".