الأحد 01 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كواليس وأسرار فيلم الوثائقية عن عبدالمعطى حجازى

شهادة حجازى.. ماذا قال فى «عمر من الشعر»؟ (ملف)

أحمد عبدالمعطى حجازى
أحمد عبدالمعطى حجازى

- أواصل العمل والكتابة وأجد نفسى محتاجًا لأن أعود إلى الشعر رغم أننى فى التسعين من عمرى

- المعركة كانت حامية وكنا نواجه يعنى جبهة قوية وعلى رأسها الأستاذ عباس محمود العقاد

- كل النقاد تقريبًا يعنى كتبوا عن الديوان وأشادوا به واعتبروه فتحًا فى حركة التجديد

- توثيق سيرة حياة وشهادة أحمد عبدالمعطى حجازى يحقق هدف قناة الوثائقية فى الحفاظ على الهوية المصرية الوطنية

قبل أيام، كان مشاهدو القناة الوثائقية على موعد مع فيلم استثنائى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس فقط لقوة الشخصية التى يدور حولها، وتأثيرها الكبير فى تاريخ الشعر، سواء فى مصر أو على مستوى الوطن العربى ككل، وإنما أيضًا لتميز عناصره كافة، من كتابة وتصوير وموسيقى تصويرية وإخراج.

الفيلم هو «عُمر من الشعر.. سيرة أحمد عبدالمعطى حجازى وشهادته»، الذى يستعرض مسيرة الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، الذى يعد واحدًا من أهم شعراء تاريخنا الأدبى، وكان له دور حاسم فى تجديد «ديوان العرب».

ولم يكتفِ الفيلم بعرض السيرة الذاتية لـ«حجازى»، والغوص فى رحلة مشوقة إلى أعماق حياة الشاعر الكبير، بل عمل على إبراز التحولات العميقة التى شهدتها الحركة الأدبية فى هذه الفترة، وكيف استطاع «حجازى» أن يكون جزءًا مما شهدته من «ثورة شعرية».

بدأت علاقتى الوثيقة بالشعر فى المدرسة ليست علاقة التلميذ، وإنما علاقة المفتون بهذا الفن، حصلت على الشهادة الابتدائية وانتقلت إلى شبين الكوم لأتعلم فى مدرسة المعلمين فى العام الدراسى ٤٨ و٤٩.

علاقة تلاميذى المصريين باللغة وبالشعر العربى كانت علاقة وثيقة، تلاميذ المدارس وطلاب المدارس كان لهم هذا النشاط يحتفلون بالأعياد الوطنية وأيضًا يتظاهرون ضد المحتلين الانجليز، وفى هذه المظاهرات زملائى يحملوننى وأنا أهتف وهم يردون هتافى، قُبض علىّ أرسلونى من تلا إلى شبين الكوم ومن شبين الكوم إلى القاهرة حيث قضيت شهرًا فى السجن.

والسجن ليس دائمًا سورًا وبابًا من حديد.. فقد يكون واسعًا بلا حدود كالليل كالتيه نظل نعدو فى فيافيه حتى يصيبنا الهموم.

فى ذلك الوقت بدأت طريقى إلى الشعر، فبدأت أعرف المشكلات والمواقف والتجارب، القصيدة الأولى «بكاء للأبد» نشرت عام ٥٥ فى مجلة الرسالة الجديدة.

تخرجت فى مدرسة المعلمين سنة ٥٥ وكان ترتيبى الأول فى المدرسة، والخامس فى القطر، فقيل لى إن جهات الأمن اعترضت على أن أكون مدرسًا لأنى قمت بمظاهرتين وفكرت فى أن أجد عملًا فى الصحافة، وانتقلت إلى القاهرة وأخذت أبحث عن عمل.

وصرت يا ليلى المدينة أرقرق الآه الحزينة.. أجر الساق المجهدة للسيدة.

كنت أتردد على الندوات والأماكن التى يوجد فيها الشعراء والنقاد. قدمت لهم قصائدى وتحمس لها الأستاذ أنور المعداوى وسعى لكى يجد لى مكانًا فى دارالهلال. بدأت العمل فعلًا مصححًا بمرتب ٨ جنيهات، وذهبت إلى تلا وأعطيتهم أبى لكى يطمئن على أنى أصبح أمامى مستقبل.

ديوانى الأول عدد لا بأس به من قصائده، نشرت فى مجلة الآداب بعد أن صارت هذه القصائد ممكنًا أن تنشر فى ديوان، عرضت هذا الديوان على الدكتور سهيل إدريس صاحب دار الآداب.

فى ذلك الوقت عندما علم العقاد أننا شاركنا فى الوفد المصرى فى مهرجان الشعر الذى كان يعقد فى دمشق هدد بالاستقالة.

دعيت لكى أشارك فى إحياء ذكرى عدنان المالكى، وعدنان المالكى كان ضابطًا فى الجيش السورى متحمسًا لفكرة الوحدة العربية وتعرض للاغتيال على يد من لا يريدون الوحدة.

من أى بحر عصى ريح تطلبه.. إن كنت تبكى عليه نحن نكتبه

يا من يحدث فى كل الأمور.. ولا يكاد يحسن أمرًا أو يقربه

أقول فيك هجائى وهو أوله.. وأنت آخر مهجو وأنسبه

دعيت لكى أشارك فى إحياء ذكرى عدنان المالكى، وعدنان المالكى كان ضابطًا فى الجيش السورى متحمسًا لفكرة الوحدة العربية وتعرض للاغتيال على يد من لا يريدون الوحدة.

ديوان أوراس يعنى سميته باسم القصيدة الطويلة التى نظمتها فى الثورة الجزائرية، وأوراس هو اسم الجبال التى بدأت منها الثورة، كنا فى ذلك الوقت نحتفل دائمًا بالثورة الجزائرية ونتابع ما يحدث فيها.

أنا كنت من المتحمسين للمشروع الناصرى، مدحت ما أحببته فى عبدالناصر عندما أجد أنه قد نادى بتوزيع الأرض على الفلاحين، أمم القناة، مواقفه مع الثورات التى اشتعلت فى المنطقة.

عبرت عن النكسة ووقفت وعبرت كذلك عن إعجابى العظيم بما قام به الجنود المصريون بعد ٦٧ وخصوصًا فى جزيرة شدوان.

كأن صوتًا ما ينادى فتعود من وراء الأفق أسراب الحمائم

تدور فى شمس المغيب دورة وتفترق.

كأن صوتًا ما ينادى فتعود من وراء الأفق أسراب الحمائم

تدور فى شمس المغيب دورة وتفترق كأن صوت ما ينادى تخلع الأرض قميصها الذى احترق

هذه آخر الأرض لم يبق إلا الفراق سأسوى هنالك قبرًا

وأجعل شاهده مزقة من لوائك ثم أقول سلام.

لم أكن أرثى عبدالناصر وحده، إنما أيضًا كنت أرثى هذا العمر الذى قضيناه نحلم هذه الأحلام عندما خلفه الرئيس السادات بدأ يتخذ إجراءات، كان يبدو منها أنه يتجه وجهة أخرى فاعترضنا على هذا وعبرنا عن اعتراضنا بأشكال مختلفة.

__

أنا قد أحلت إلى التقاعد هذا الموقف لم يكن له صدى فى مصر وفى المنطقة فحسب وإنما كان له صدى فى العالم.

__

عدت إلى العمل بعد حرب ٧٣ اقترحت على الأستاذ فتحى غانم وكان ذلك الوقت رئيسًا لتحرير «روزاليوسف» أن أقوم بزيارة باريس لمدة ٣ شهور وأكتب من باريس للصحيفة، وكان هذا الحلم قديمًا لأنى عندما أقرأ طه حسين وأقرأ حسين فوزى وأقرأ لويس عوض وأقرأ كل الذين أتيح لهم أن يعيشوا فى فرنسا وأن يتعلموا فى فرنسا أجد أنى يعنى أحب القيام بهذه الزيارة.

__

بعد أن انتهى اللقاء تقدم منى أستاذ من الأساتذة طرح على أن أعطى دروسًا فى القسم حول الشعر العربى، قدم لى نفسه الأستاذ، وإذا به هو رئيس القسم.

فى باريس طبعًا كانت هناك مناسبات ثقافية شاركت فيها المهرجان الفرنسى حدث فى أواخر السبعينيات فى الغالب دعيت لحضوره وحضرت، وألقيت قصائدى وكان عمدة باريس فى ذلك الوقت كان جاك شيراك.

___

بعد كامب ديفيد أخذت أفكر ووجدت أن الرئيس السادات رحمه الله نجح فى أن يعيد لنا سيناء بكرامة.

__

فى عام ١٩٨٠ كان لقائى أنا وزملائى مع الأستاذ صلاح جلال، عرض علينا حرية التعبير ولكن دون أن نغلظ فى القول، عدت للعمل من الوجهة الرسمية بعد ذلك فوجئت بأن «روزاليوسف» أرسلت لى أن الرئيس أنور السادات حدد موعدًا لكى يلقانى فى استراحته بالمعمورة، كان موعدى مع الرئيس حوالى الساعة ١٢ فوصلنا انفتحت البوابة وإذا بالرئيس السادات والسيدة جيهان السادات على الباب يستقبلان أحمد عبدالمعطى حجازى وزوجته، من ضمن ما قاله وما الذى تريد أن تصنعه للديمقراطية؟ أكتب، أنا كاتب وشاعر وكل ما أستطيع أن أقدمه أن أكتب، ودار الحديث حول هذه المسائل وأيضًا من ضمن ما قال أنتم قتلتم صلاح عبدالصبور وقلت للرئيس صلاح هو أحمد عبدالمعطى حجازى، ولا يمكن لأحمد عبدالمعطى حجازى أن يقتل صلاح.

___

فى عام ١٩٨١ كان صلاح عندما وصلت إلى مصر أنا وسهير دعانا لتناول العشاء فى منزله، ورأيت أن أرد له الدعوة فى ١٣ أغسطس، ورأيت أن أدعو معهما أيضًا بعض الأصدقاء أمل دنقل ودعوت جابر عصفور ودعوت الرسام بهجت عثمان، تناولنا العشاء وجلسنا فى الشرفة نتحدث للأسف أن بهجت عثمان يعنى عاب عليه أن يرأس الهيئة المصرية العامة للكتاب تلك السنة معرض الكتاب أقيم، وحضره وفد من إسرائيل صلاح رد عليه بشدة بعنف وصلاح حس بإرهاق وتعب، أولًا طلبت من بهجت عثمان أن يغادر بعد أن اعتذر بشدة لصلاح حاسس بالتعب عرضت عليه أن يستريح قليلًا فى غرفة نومى ففعل وجلسنا بعد نصف ساعة أو شىء من هذا سألته عن حاله قال إنه لا يزال متعبًا عندئذ قررنا أن نحمله أنا وأمل دنقل إلى المستشفى المجاورة لنا، وانتظرنا أنا وأمل دنقل أن يخرج معافًا فإذا بالطبيب يفاجئنا بأن صلاح رحمه الله.

فى السنوات الأخيرة من الثمانينيات دعيت لكى أشارك فى مؤتمرات أدبية والرئيس مبارك رحب بى أعطانى إحساسًا بأنى الآن أستطيع أن أعود للكتابة وأعبر عما أرى دون خشية.

___

كنت فى القاهرة عام ١٩٨٧ وحضرت جنازة الأستاذ توفيق الحكيم، والأستاذ إبراهيم نافع لقينى وعرض على أيضًا العمل فى الأهرام.

___

أذكر أننا احتفلنا بمختار فى عدد من الأعداد ووضعنا صورة لتمثال من تماثيله العارية على الغلاف، وهذا أدى إلى أن المجلة صودرت فى أحد البلاد العربية.

___

كان لا بد أن أدافع طبعًا عن فرج فودة وكان لا بد أن أدافع عن نجيب محفوظ وكان لا بد أن أدافع عن نصر حامد أبوزيد، وكان لا بد أن أدافع عن نفسى وعن غيرى وحرية التفكير والتعبير كانت مضطهدة مطاردة من جانب هذه الجماعات التى كانت تسعى للاستيلاء على السلطة رافعة راية الدين.

ونحن فى القصيدة يهمنا قبل كل ما فيها من فن ما فيها من شعر أصررنا على نشر أعمالهم ودافعنا عن حقهم فى التعبير للشاعر أو للكاتب أن يعبر عن رأيه، ولمن يعترض أن يعبر عن رأيه ونحن مستعدون لنشر الرأى المعارض لو كانت له قيمة فكرية.

__

وجدت نفسى منذ الصغر قادرًا على أن أعلن رأيى، وأيضًا أن أنجز ما يطلب منى وأحيانًا دون أن يطلب منى.

___

مرثية لاعب سيرك:

فى العالم المملوء أخطاء مطالب وحدك ألا تخطئ.

لأن جسمك النحيل لو مرة أسرع أو أبطأ هوى وغطى الأرض أشلاء.

__

وأستطيع أن أصف نفسى بأنى متذوق جيد للموسيقى لأنى تعودت أن أستمع للموسيقى، عرفت صورًا كثيرة من الموسيقى العربية، قصيدة «أتحداه» هذه عام ٥٩ حين كنا نذهب بصحبة صلاح جاهين كنت أجلس وسيد مكاوى يلحن وكان فى ذلك الوقت أيضًا صلاح جاهين اقترح على سيد مكاوى أن يستمع لبعض شعرى فاستمع من بينها هذه القصيدة ورأى أن يلحنها.

دور سهير لا يزال حيًا حتى الآن وهى دائمًا جانبى الآن وغدًا وأنا عرفت سهير حوالى الثامنة عشرة من عمرها كانت لا تزال فى الثانوية العامة، أحببت سهير عبدالفتاح وطلبت يدها من والدها فرحب.

____

سهير أصبحت مثلى بعد هذه السنوات وأنا أيضًا أصبحت مثلها لم نكن اثنين بل كنا واحدًا 

الطفلة التى دمت قابلتها ذات مساء فبكت خوفًا من الحب الذى فاجأها احتار وجهها البرىء هل يشى بخوفها أم يا ترى ينطق باعترافها.

____

حينما أنظر إلى نفسى أجد أنى حاولت دائمًا أن أؤدى واجبى، لكنى أعترف بأن هناك أشياء لم أستطع أن أؤديها.

__

أعتز بإيمانى بالله وأحتاج لهذا الإيمان وأشعر بالحاجة الدائمة وبالامتنان لهذا الخالق العظيم الرحمن الرحيم الذى أنعم علىّ بما وصلت إليه.

___

أنا الآن وقد دخلت فى التسعين ربما كنت مستحقًا شيئًا من الراحة، لكنى على العكس من هذا الاستحقاق أجد أنى سوف أحصل على حقى أكثر حين أواصل العمل، أواصل الكتابة، وأواصل القراءة لأنى الآن أجد نفسى محتاجًا للقراءات التى لم أحصلها من قبل، محتاجًا للمعارف التى لم أجد الوقت لكى أنال منها ما يجب أن أنال، أنا أقرأ الآن وأكتب وأنا أجد نفسى محتاجًا لأن أعود للشعر.

اقرأ في الملف:

شريف سعيد: فيلم «حجازى» عمل متكامل الأركان عن «شاعر مصر الحقيقى»

محسن عبدالغنى: حوّلنا 200 صفحة «مادة علمية دسمة» إلى «حدوتة» تلمس قلوب المشاهدين

حجازى المقيم فى عالم الأساطير