سارة حواس: أترجم من أجل المتعة فقط!

فى فضاء يتقاطع فيه الشعر بالترجمة، والمجاز بالفلسفة، تفتح الدكتورة سارة حامد حواس نافذتها الأولى على العالم الشعرى من خلال ديوانها «جبل على كتفى»، الصادر عن «بيت الحكمة للصناعات الثقافية». وبخطى تتجاوز المفاهيم التقليدية لما يُسمى «شعرًا نسويًا»، تقدّم سارة حواس نصوصًا تسكن المسافة بين الحسى والمعرفى، بين الذاتى والوجودى، لترسم ملامح قصيدة لا تكتفى برصد الألم، بل تنسج منه جماليات لغوية كنائية، تعيد للقصيدة العربية تألقها فى مواجهة العبث والخواء.
الكاتبة والمترجمة، الحاصلة على الدكتوراه فى اللغويات التطبيقية، تجمع بين التجريب الأدبى والتأصيل المعرفى، وتخترق بخفة وثقل معًا المحظورات والتابوهات، جاعلة من الشعر وسيلة لسبر أغوار الإنسان المعاصر وتحدياته المعيشية. فى حوارها مع «حرف»، نتحدث مع سارة حواس عن رؤيتها الجمالية، وخصوصية لغتها، والتقاطاتها البصرية والفلسفية فى مشروعاتها الأدبية، وعن مسارات الترجمة وعلاقتها بالشعر بوصفه فعلًا إنسانيًا مقاومًا.

■ كتابك «ثقب المفتاح لا يرى.. عشرون شاعرة أمريكية حائزات على جائزتى نوبل وبوليتزر» الذى صدر عن «بيت الحكمة»، هو ترجمات شعرية لشاعرات حائزات على جائزة «نوبل» فى الآداب، وجائزة «بوليتزر».. ما الدافع وراء ترجمتك تلك الأسماء والأعمال؟
- دافعى الأهم فى ترجمتى لأى عمل هو اختيار النصوص الأقرب إلى ذائقتى وروحى، فأنا أترجم من أجل المتعة الروحية التى أشعر بها من خلال ترجمتى لنصوص أحبها وأشعر أن لها رسالة ومعنى عميقين، لذا اخترت الشاعرات على هذا الأساس، فكنت أقرأ الخلفية الثقافية والاجتماعية مع قراءة مستفيضة للكثير من القصائد لهن، وأترجم دومًا بعد هذه القراءة الممتعة.

■ مقدمة كتابك كانت وافية وشارحة عن كيفية ومتى بدأتِ التفكير فى ترجمة تلك الأعمال وعن موقف ودور الشاعر الكبير أحمد الشهاوى فى هذا العمل.. حدثينا عن ذلك؟
- الشاعر والكاتب الموسوعى أحمد الشهاوى كان له دور كبير فى تقديم كتابىَّ «ثقب المفتاح لا يرى» و«ولاؤهم للروح» بشكل مبهر ومتكامل، فقد كان حريصًا على اختيار سياق مشروع أدرج تحته ترجماتى، من هنا جاءت فكرة اختيار الشعراء والشاعرات، واستفدت كثيرًا وبصورة عميقة من أفكار أحمد الشهاوى وإرشاداته.
كما أنه حرر كتابىَّ بالكامل، فحسُّه الشعرى المتفرد الذى يشهد عليه العالم العربى، وضح وضوحًا جليًّا فى تحريره الكتابين، فأحمد الشهاوى ليس فقط شاعرًا وكاتبًا، بل هو لغوى من طرازٍ رفيع، يهتم كثيرًا بالحداثة فى اللغة والموضوعات، وذلك أثرى العملين إثراءً عميقا وكبيرًا، وكذلك دقته المتناهية فى مراجعة الكتابين حتى خرجا إلى النُّور بصورة مُشرِّفة أفخر بها، ولعل هذين العملين رسالة إلى المترجمين والكُتَّاب عن ضرورة وجود مُحرر موسوعى واعٍ فى كل عمل إبداعى، فالعالم الغربى يؤمن بوجود المحرر فى أى عمل، ودوره لا يقل أهمية إطلاقًا عن المترجم أو المؤلف بصفة عامة.

■ هل استفدت من قراءة مسيرة الشاعرات اللاتى ترجمت نصوصهن؟
- قراءتى لمسيرة كل شاعرة كانت تُسهِّل علىَّ ترجمة النصوص، فذلك يُمكننى من قراءة وفهم ما وراء تلك السطور الشعرية ويوصلنى إلى التأويل الذى يناسب مغزى كل نصٍّ شعرى.
■ ما العلاقة بين دراستك وتخصصك الأدبى وهو الترجمة؟
- العلاقة بين دراستى وتخصصى فى اللغويات الإنجليزية، والترجمة والشعر، علاقة متداخلة ومتواشجة مع بعضها، إذ إننى استفدت كثيرًا من تخصصى فى اللغويات التطبيقية فى الترجمة وكتابتى الشعرية، حتى إن دراسة اللغة وفنونها وحيلها وقوانينها تساعد كثيرًا فى فهم النصوص ليس فقط فهم معناها، بل فهم المسكوت عنه فى النصوص أيضًا، فالترجمة ليست مجرد نقل، بل فهم ووعى وإدراك لثقافة اللغة المستهدفة أيضًا، فليس كل من يتحدث باللغة الإنجليزية، قادر على الترجمة، فالترجمة فن وإبداع قائم على فهم ثقافة الآخر والبناءات اللغوية والأسلوبية للغة المنقول منها وإليها.

■ كيف ترين أهمية دراسة اللغة وأصولها وفنونها وانعكاسها على الشعر والترجمة وتطبيقاتهما فى حياتك ومسارك العملى؟
- هنا، تكمن وتأتى أهمية دراسة اللغة وأصولها وفنونها، لذلك أُدين بالكثير لدراستى فى اللغويات الإنجليزية، وأُدين لوظيفتى التى أمتهنها، وهى العمل بوصفى مدرسًا فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية كما أننى أُدين بالفضل لمعلمى الأول وهو أبى- رحمة الله عليه- الأستاذ الدكتور حامد حواس، فهو من شكَّل تكوينى الثقافى واللغوى، وهذا ما أعول عليه فى ترجماتى وكتابتى الشعرية.

■ الراحل حامد حواس.. ماذا تتذكرين له من مواقف ودعم ومقولات كان لها الأثر فى تشكلك ومسارك؟
- حامد حواس، الأب والأستاذ والمُربى، يعيش فى قلبى وروحى، هو من شكَّل تكوينى النفسى والثقافى الذى أعول عليهما الآن وحتى مماتى، فهو من علَّمنى أصول اللغتين الإنجليزية والعربية، فكان دائمًا يقول لى: «المترجم الحقّ هو من يتقن اللغة المستهدفة ولغته الأم على حد سواء»، ومن هذا المنطلق كان حريصًا على زرع حب وإتقان اللغتين، حتى فى فترة الإجازة الصيفية كان يعطى لى تدريبات أعكف على حلها، وكان يدربنى دومًا على الكتابة فى موضوعات مختلفة حتى يُحسَّن لغتى.
حتى إنه كان يتبع سياسة التعلم من خلال الخطأ، فكنت أتعلم وأتدرب وكان يصحح لى ما أخطأت فيه، ظل هكذا معى حتى آخر يوم له فى الحياة، تعلمت منه حب اللغات والقراءة، فكان أبى قارئًا نهمًا، ليس فقط فى تخصصه وهو اللغويات الإنجليزية، وهو تخصصى نفسه، ولكن مكتباته ملأى بالروايات المصرية والعربية والعالمية ودواوين لكبار الشعراء فى مصر والعالم العربى والغربى، وأنا أعتبر مكتبات أبى كنزًا لا يُقدَّر بثمن.
فكان أبى أيضًا يسافر كثيرًا، فسافر إلى العالم شرقًا وغربًا وكان حريصًا على اقتناء أثمن الكتب من كل بلد يزوره، وكان دائم الزيارة إلى المكتبات الموجودة فى القاهرة «وسط البلد»، فكان يصطحبنى دومًا إلى تلك المكتبات ويقترح علىَّ الكتب التى أقتنيها وكان يتركنى أيضًا لذوقى الخاص فى اختيار الكتب التى أشتهيها فلم يبخل علىَّ يومًا فى شراء الكتب، وكذلك النصح والإرشاد.