نيكى چيوفانى أميرة الشِّعْر الأسود

- لم تكن شاعرة فقط بل كانت كاتبة فى أدب الطفل
- كتبت حول تحرير السود والحب والجنس والأفراح الصغيرة للحياة الأسرية
«لم يكن حلمى أن أنشر أو حتَّى أصير كاتبة.. كان حلمى أن أكتشف شيئًا لم يُفكِّر فيه أحدٌ من قبل.. أعتقد أن هذا هو السبب فى أننى شاعرة.. نحن نضع الأشياء معًا بطرق لا يقوم بها أحد آخر».
«لستُ أسطورة.. أنا حتَّى لا أعرف ماذا تعنى كلمة إرث.. أنا مُجرَّد شاعرة.. كل ما أتمناه هو أن يقرأ الناس شعرى».
«عندما أكتب أُحاول دائمًا أن أكون صادقة قدر الإمكان بغض النظر عما قد يقوله أى شخص..أنا لستُ إلهةً أنا فقط أبذل قصارى جهدى وأنا لطيفة مع نفسى.. آمل أن يكون ذلك كافيًا».
هى شاعرةٌ وكاتبة وناشطة أمريكية شعارها الصدق، الصدق فيما تقول وفيما تفعل، فهى صادقة فى عطائها وحبها لتوجيه الكُتَّاب وتعليمهم فنون الكتابة.
إن أكثر ما لفت انتباهى أثناء قراءتى لها وعنها هو حب أصدقائها وزملائها وطلابها لها، وذلك لم يولد من فراغ، فهى لم تبخل يومًا عن إعطاء نصيحة أو تقديم معلومة تفيد المحيطين بها من كُتَّاب وشعراء وطلاب، حتَّى إن الكثير ممَّن تعاملوا معها كتبوا عنها مقالات يعبرون فيها عن مشاعرهم تجاهها وكيف استفادوا من خبراتها فى الكتابة والحياة، وبرغم أنها تربت على يد أب يسىء معاملة أمها فإنها أنقذت نفسها من براثنه وذهبت إلى العيش مع أجدادها، حيث قالت فى حديث لها إنها عندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها «كنت إما سأقتله أو أرحل»، وقالت فى حديثٍ آخر: «أحاول أن أفهم والدى.. جزءٌ منى يعتقد أنه كان قاسيًا، وجزء آخر يعتقد أنه كان يشرب كثيرًا، وجزء فقط لا يفهم، ولكن فى كل ليلة سبت حوالى الساعة الحادية عشرة مساءً إذا سألتنى ماذا كنت أفعل، كنت أسمع والدى يضرب أمى.. أكثر صوت محزن سمعته فى إحدى الليالى كان: جاس، أرجوك لا تضربنى».

اسم نيكى چيوفانى الكامل «يولاندا كورنيليا» Yolanda Cornelia، ولدت فى نوكسفيل فى عام ١٩٤٣ لأب اسمه «جاس جيوفانى» وأم اسمها «يولاندى كورنيليا چيوفانى» كان لقبها قبل الزواج «واتسون». كانت نيكى الأصغر بين ابنتين، وبدأت أختها الكُبرى «جارى آن» بمناداتها بـ«نيكى» خلال طفولتها.
التحقت چيوفانى بجامعة فيسك عام ١٩٦٠، لكنها طُردت بعد الفصل الدراسى الأول لعدم توافقها مع المعايير المحافظة للجامعة. عادت چيوفانى بعد ذلك إلى جامعة فيسك بعد أربع سنوات، وشاركت فى ورش الكتابة التى كان يديرها الكاتب الأمريكى المقيم آنذاك چون أوليفر كيلينز John Oliver Killens «١٩١٦-١٩٨٧»، كما أعادت تأسيس اللجنة التنسيقية الطلابية اللا عُنفية Student Nonviolent Coordinating Committee فى الجامعة. تخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف فى عام ١٩٦٧ بدرجة البكالوريوس فى التاريخ، قبل أن تأخذ دورات دراسات عليا فى جامعتى بنسلفانيا وكولومبيا. نظمت چيوفانى مهرجان الفنون السوداء فى سينسيناتى، ودرست أيضًا العمل الاجتماعى فى جامعة بنسلفانيا من عام ١٩٦٧ إلى ١٩٦٨، ثم التحقت ببرنامج ماچستير الفنون الجميلة فى جامعة كولومبيا عام ١٩٦٩، لكنها تركت الدراسة فيما بعد وتفرغت للكتابة.
نشرت چيوفانى أول كتابين لها: «الشُعور الأسود.. الحديثُ الأسود» Black Feeling -Black Talk الذى بيع منه أكثر من عشرة آلاف نسخة فى السنة الأولى من نشره، وكتاب «الحُكم الأسود» Black Judgment فى عام ١٩٦٨. أما فى عام ١٩٦٩ فقد أنجبت چيوفانى ابنها توماس.. تقول: «أنجبت طفلًا وأنا فى الخامسة والعشرين لأننى أردت أن أنجب طفلًا وكان بإمكانى أن أتحمل ذلك»، وقالت أيضًا: «لم أتزوج لأننى لم أرغب فى الزواج، وكان بإمكانى تحمل ذلك أيضًا»، ولم تكشف أبدًا علنًا عن هُوية والد الطفل، حتى إنها لم تكن مقتنعة بأن الرجال والنساء قُدر لهم أن يعيشوا معًا.

هل كل ذلك بسبب سوء معاملة والدها لوالدتها؟! هل سبب ذلك صدمة وعُقدة لها من الرجال ؟! رُبما.
بحلول عام ١٩٧٢ نشرت چيوفانى مذكراتها بعنوان «الجوزاء: بيان ذاتى موسَّع عن أول خمسة وعشرين عامًا من كونى شاعرة سوداء» Gemini:An Extended Autobiographical Statement on My First Twenty-Five Years of Being a Black Poe.. كتبت فى مذكراتها عن التناقضات والمعتقدات الزائفة لحركة القوة السوداء، وعن شراستها كطفلة، وازدواجيتها تجاه العلاقات بين الجنسين.
أصبحت چيوفانى جُزءًا من حركة الفنون السوداء الناشئة التى تضمنت شخصيات مثل الشاعرة الأمريكية «مايا أنجلو» Maya Angelou «١٩٢٨-٢٠١٤»، والكاتب الروائى والشاعر الأمريكى «چيمس بالدوين» James Baldwin «١٩٢٤-١٩٨٧»، وعازف الجاز الأمريكى ثالونيوس منك Thelonious Monk «١٩١٧-١٩٨٢»، والشاعرة الأمريكية «أودرى لورد» Audre Lorde «١٩٣٤-١٩٩٢». وكناشطة فى الحقوق المدنية وكاتبة سياسية ملتزمة، جذبت چيوفانى أيضًا اهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI»، وقالت لصحيفة «بيتسبرج برس» Pittsburgh Press إنها كانت تدعو العملاء الذين يراقبونها إلى منزلها «لتناول القهوة لأننى كنت أعلم أنهم يريدون تفقُّد المكان».
بدأت چيوفانى بعد ذلك فى جولات المحاضرات وظهرت بانتظام فى برنامج «روح» Soul، وهو برنامج ثقافى أسود عُرض على التليفزيون من عام ١٩٦٧ إلى ١٩٧٢.
وأجرت مقابلة فى إحدى الحلقات مع الكاتب الروائى والشاعر الأمريكى «چيمس بالدوين» James Baldwin «١٩٢٤-١٩٨٧»، وقد عُرضت الحلقة فى لندن على جُزءين فى عام ١٩٧١..كانت چيوفانى تبلغ من العمر حينها ٢٨ عامًا، بينما كان بالدوين يبلغ ٤٧ عامًا. ووصفت مجلة «ذا نيو يوركر» The New Yorker الحدث بأنه مذهل: «اثنان من أبرز الفنانين المفكرين فى القرن العشرين كانا يتبادلان حديثًا حميمًا على التليفزيون الوطنى».
فى هذا اللقاء، سألت چيوفانى بالدوين عن والدها، الذى اعتبرته نموذجًا للعديد من الرجال السود: «ماذا يمكن فعله لرجل يُساء معاملته فى العالم الخارجى ويعود إلى منزله ليُعنِّف زوجته؟»، قالت: «أنا خائفة من الرجال السود»، وأضافت: «إنها دورة مستمرة، وهذا أمر مؤسف لأننى بحاجة إلى الحب».
يبدو أن هذا هو الجزء المُعتم فى حياة چيوفانى، الجزء الذى بنى داخلها حاجزًا بينها وبين الرجال، فالأب هو النموذج والمثل الأعلى للابنة، فترى فيه دومًا البطل والفارس الذى يحميها ويحمى أسرتها، فعندما تنشأ الطفلة بين أب يضرب وأم تتحمل المهانة، تكون النتيجة طفلة تحمل كُرهًا أبديَّا للرجل.
شغلت چيوفانى مناصب تدريسية فى جامعة روتجرز وكلية كوينز قبل أن تجتذبها فرجينيا سى. فاولر Virginia C. Fowler «١٩٤٨» التى كانت حينها نائبة رئيس قسم اللغة الإنجليزية فى جامعة فرجينيا للتكنولوجيا فى بلاكسبرج عام ١٩٨٧ لتكون أستاذًا زائرًا. حصلت چيوفانى على التثبيت الأكاديمى بعد بضع سنوات، وفى تلك الأثناء أصبحت فاولر باحثة فى أعمالها، حيث حرَّرتْ مجموعاتها الشعرية وكتبتْ سيرتها الذاتية. درَّست چيوفانى فى تلك الجامعة من عام ١٩٨٧ حتى عام ٢٠٢٢، وفى عام ٢٠٠٧ قام أحد طلابها السابقين فى الشعر بقتل ٣٢ شخصًا فى حادث إطلاق النار بالجامعة «جامعة فرجينيا للتكنولوجيا» وقالت چيوفانى لاحقًا إنها طلبت من الجامعة طرده من صفها فى عام ٢٠٠٥، قائلة إنها شعرت بأنه كان يثير الخوف. عندما سُئلت عن حادثة إطلاق النار قالت چيوفانى: «القتل نقصٌ فى الإبداع، إنه نقصٌ فى الخيال، ونقصٌ فى فهم من أنت ومكانك فى العالم. الحياة فكرة مثيرة للاهتمام ولطيفة».

كتبت چيوفانى شعرًا يسهل الوصول إليه، فكتبت حول تحرير السود والحب والجنس والأفراح الصغيرة للحياة الأسرية، ما جعلها شخصية عامة فى سنواتها الأولى، أى كان الكثير من شعرها جريئًا ومليئًا بالنضال، أى أن قصائدها المبكرة، التى جُمعت فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، راديكالية وأكثر جرأة من أعمالها اللاحقة، فكان يُوصف شعرها بأنه شواعٍ سياسيًا وروحيًا واجتماعيًا»، حيث تناولت الأهوال التى أثارت حركة الحقوق المدنية، حتى كتبت فى مذكراتها أيضًا: «لم يكن أحد مهتمًا كثيرًا بفتاة سوداء تكتب ما كان يُطلق عليه (شعر متشدد)، لذلك أسست شركة ونشرت أعمالى بنفسى».

تصف الشاعرة الأمريكية «إيفى شوكلى» Evie Shockley «١٩٦٥» چيوفانى بأنها: «تُجسِّد الروح القوية لحركة الفنون السوداء، والتى كانت سياسية بشكل صريح، وإفريقية المركز بلا اعتذار».
شِعر چيوفانى غالبًا ما يكون محادثيًا بلا قافية، أى يتسم أسلوبها بالبساطة والعفوية، فكانت تعتمد على اللغة اليومية والحوارات العادية، ما كان يجعل شعرها قريبًا من المتلقى وسهل الفهم، كما كانت تكاد تستخدم الحروف الكبيرة «Capital letters».
تُوصف أعمالها بأنها «إلحاح فى التعبير عن الحاجة إلى الوعى الأسود، الوحدة والتضامن». كذلك اعتُبرت أعمالها المبكرة «هجومية» و«مشحونة». وصلت قصائد چيوفانى إلى جمهور أوسع من خلال مشاركتها النشطة مع الجمهور الحى. قدمت أول قراءة عامة لها فى مكان الجاز بمدينة نيويورك بيردلاند. سمحت لها تعبيراتها عن «الاضطهاد، والغضب، والتضامن»، بالإضافة إلى نشاطها السياسى، بالوصول إلى جمهور يتجاوز دوائر الشِّعر.

تركت چيوفانى إرثًا أدبيًا كبيرًا، فهى لم تكن شاعرة فقط بل كانت كاتبة فى أدب الطفل، فنشرت أكثر من عشرين مجموعة شعرية ومقالات ومختارات محررة، بالإضافة إلى أحد عشر كتابًا مصورًا للأطفال، بما فى ذلك كتاب «روزا» Rosa، وهو سيرة ذاتية حائزة على جائزة روزا باركس «المرأة الشجاعة».
أما عن دافعها حول الكتابة فى أدب الطفل، فقالت فى حديثٍ لها من قبل إن الدَّافع وراء اهتمامها بالكتابة فى أدب الطفل هو وجود ابنها «توماس»، فمن خلاله تعرفت باحتياجات الطفل ورغباته ودفعها ذلك إلى الكتابة فى هذا الشأن. ومن مؤلفاتها فى أدب الطفل: «مكتبة» A Library، «الشَّمسُ هادئة جدًا» The Sun Is So Quiet، وغيرهما.
أما عن الكتب الشعرية: «غزل البنات فى يومٍ ممطر» Cotton Candy on a Rainy Day، و«بكاءٌ جيد: ما نتعلمه من الدموع والضحك» Good Cry:What We Learn From Tears and Laughter وغيرهما الكثير.
كما ستصدر المجموعة الأخيرة لچيوفانى، وتحمل عنوانًا دالًا على نهايتها بالفعل، «الكتاب الأخير» The Last Book، فى خريف عام ٢٠٢٥.
من يقرأ قصائد نيكى چيوفانى يستطيع أن يتسلسل بسهولة إلى ما تُحبه وتُؤمن به، أعرف جيدًا أن الشعر والأدب ما هما إلا وسائل لتوصيل مكنون الكاتب وما يستتر داخله من مشاعر واعتقادات وصراعات، لكن قصائد چيوفانى تنبض بالعفوية والعادية والمباشرة، تشعر وكأنك جالس مع صديق لك تتحدث معه بحميمية من دون تكلُّفٍ، استطاعت أن تصنع لها جمهورًا واسعًا من جميع الفئات بتواضعها وإيمانها الشديد بأنها ليست أسطورة ولا إلهةً، بل شاعرة تكتب وتعبر عن نفسها وعن مجتمعها الذى عاشت فيه وعانت منه فى آنٍ، فاستطاعت ببساطتها تلك أن تستحوذ على قلوب زملائها وأصدقائها الكُتَّاب والشعراء والباحثين، كما كان لها جماهيرية كبيرة وسط طلابها، فاستطاعت أن تصنع مجدًا بين أفراد شعب بأكمله.
أثناء ترجمتى بعض قصائدها لاحظت أنها تكتب الضمير أنا بالحرف الصغير «i» وليس «I»، على الرغم من أن الضمير «I» لا يستخدم فى اللغة الإنجليزية إلا بحرفٍ كبير سواء جاء فى أول الجملة أو أوسطها أو آخرها. وتفسيرى الخاص هو أنها أرادات أن تُعبر عن تواضعها فى التعامل مع القارئ من خلال أسلوبها البسيط فى الكتابة وكتابة الضمير «أنا» بحرف صغير «i»، فأرادت أن توصل إلى القارئ رسالة بأن كليهما سواء، وأن كونها شاعرة لا يعنى أنها تمتاز عن القارئ.
أرادت چيوفانى أن تعبر بشتى الطرق عن دعمها ووقوفها بجانب قرائها، سواء بتوصيل ما تريد بأسلوب بسيط من خلال نصوصها وحتى من خلال استخدامها الحروف الصغيرة فى كتابتها الشعرية، حتى إنها تمردت على اللغة وصنعت لنفسها لغة جديدة تعبر بها عن تواضعها من خلال «i». استمتعت كثيرًا بقراءة قصائدها وترجمة بعضها، حتى إننى تمنيت أن أترجم لها كتابًا شعريًا كاملًا من شدة افتنانى بتجربتها الشعرية.
فى حوارٍ لچيوفانى مع الكاتبة والمحررة الأمريكية «إيمى روز شبيجل» Emy Rose Spiegel «١٩٩٠»، فى الوكالة الأدبية الإبداعية «ذا كرييتف إندبندنت» The Creative Independent، سألتها شبيجل: «لقد كتبتِ أنكِ نشأتِ مع مكتبة والدتك، تقرئين كتب ريتشارد ويلبر ولانجستون هيوز.. عندما بدأتِ فى اختيار الكتب بنفسك، إلامَ كنتِ تنجذبين؟».
أجابت چيوفانى قائلة: «أنا أحب، ودائمًا ما أحببت، كتب التاريخ. أحب التاريخ، لذلك قرأت كتب أمى التى تضمنت أيضًا الكثير من التاريخ، لكننى قرأت أيضًا كتب تشارلز داروين، وكنت مهتمة بتطور الدستور. بدا لى أن هذا شىء يجب أن نعرفه.. نشأت وأنا أفكر: سأصبح محامية..إذا نشأت معجبة بتلك الأشياء، فمن الطبيعى أن تنظر إلى العالم بطريقة مختلفة بعض الشىء».
سألتها شبيجل: «فى فصولك الدراسية، كيف تشجعين طلاب الورشة على تبنى تلك النظرة للعالم؟».
أجابتها چيوفانى: «آمل أن أذكرهم، وغالبًا ما أقول لهم ذلك: (إنكم ككتَّاب يجب أن تثقوا بأصواتكم الخاصة). الكثير من الناس يكتبون ويفكرون (سيعجب الجمهور بهذا)، أو (سيكون هذا مهمًا)، لكنك أنت القارئ الأول لنفسك، أول شخص يجب أن يعجب بما تكتبه هو أنت، عليك دائمًا أن تتذكر ذلك.. يجب أن تقرأ القصيدة وتقول: يا إلهى، هذه قصيدة رائعة، وتبتسم لنفسك.إذا لم تكن على استعداد للقيام بذلك فأنت تضيع وقتك، وتُؤذى نفسك بطريقةٍ أُخرى لأنك تحاول إرضاء شخص لا يحبك».
سألتها شبيجل: «أين تكتبين الآن «عام ٢٠١٧ وهذا توقيت نشر الحوار فى الوكالة»؟ هل لديك غرفة أو مساحة تفضلينها؟».
أجابتها چيوفانى: «أكتب فى غرفة المعيشة الخاصة بى، أشعر بالراحة والسعادة هناك.لدى نافذة جميلة؛ يمكننى النظر من خلالها. أكتب على الكمبيوتر، رغم أننى لا أستخدم البريد الإلكترونى ولا أنشر تغريدات. خط يدى سيئ جدًا، وضعيفة فى التهجئة، ولذلك الكمبيوتر مفيد جدًا لأننى، أولًا، أستطيع قراءة ما كتبته، وثانيًا، يقوم بتصحيح تهجئتى».
وفى حوارٍ آخر لچيوفانى أجرته معها الشاعرة الأمريكية «لورين ك. ألين Lauren K. Alleyne «١٩٧٩»، سألتها ألين: «ما علاقتك بالموسيقى فيما يتعلق بالكتابة؟».
أجابتها چيوفانى: «أعتقد أننى سأكون ضائعة بدونها. أجل، لا بد من وجود الموسيقى، وأحيانًا، لأننى أسافر كثيرًا- لا أريد أن أقول إننى لا أسافر بشكل جيد- أعتقد أننى أصل إلى حيث أنا ذاهبة، لكننى لا أستطيع ركوب الطائرة بدون موسيقى لأننى أخاف من الطيران. علاقتى بيسوع جيدة، لكن إذا قرر أن يأخذنى فسوف يأخذنى بشىء له معنى. لن يأخذنى وأنا أصرخ. سأكون فقط أستمع إلى چون كولترين. الموسيقى كانت دائمًا جزءًا منى.. هى جزء من حياتى.

ليس لدى صوت، وأنا آسفة جدًا لذلك، لأن أحد الأسباب التى تجعلنى أحب التراتيل الروحية هو أنك لست بحاجة إلى صوتٍ لتغنيها، يجب أن يكون لديك صوت لتغنى الإيقاع والبلوز. أحب بيلى هوليداى لأن ليس لديها صوت. سألها أحدهم يومًا: لماذا تبدين كما تبدين؟، فقالت: أبدو كما أنا، لن أبدو مثل الباقيين.
علاقتى بالموسيقى عميقة جدًا، وهى تعنى كل شىء بالنسبة لى. عندما كنت طفلة صغيرة كنت أقول دائمًا إن والدىّ كانا يتشاجران، لكن الحقيقة أن والدى كان يضرب والدتى، وكنت بحاجة إلى شىء لأحجب به ذلك، فكانت الموسيقى هى الملاذ. عندما انتقلت أخيرًا إلى نوكسفيل للعيش مع أجدادى، كنت أستمع إلى محطة WGN، لن أنسى أبدًا محطة WGN، وأتذكر رقم هاتف جدتى: ٣-١٥٩٣. لا أتذكر رقم هاتف والدتى، لكننى أتذكر رقم هاتف جدتى. وأتذكر استماعى إلى WGN، التى كانت تنقطع عند منتصف الليل، وكنت أحتضن الراديو. فقد كان لدينا راديو قديم يعمل بالكهرباء، وكنت أستمع إليه. أعتقد أننى فى العديد من الليالى، ولم تقل جدتى أى شىء عن ذلك، لكنها فى الغالب كانت تأتى وتطفئ الراديو. كانت تعرف الكثير من الأشياء. تعرف ما كانت ابنتها تمر به، وما كنت أهرب منه، ولماذا كنت أوصل الراديو بالكهرباء. كانت تعرف لأنها أم.

لكننى أتذكر استيقاظى فى العديد من الأيام ووجدت الراديو مطفأً، وكنت أعتقد أننى أنا من أطفأه، لكن استغرق الأمر منى وقتًا لأدرك أن جدتى هى التى كانت تأتى وتطفئ الراديو».
من خلال هذين الحوارين استشعرت مدى الدفء والحميمية التى تتعامل بها چيوفانى مع الأشياء والأشخاص حولها، فكل تفصيلة فى حياتها تعكس شيئًا ما داخلها، وعندها من الأسباب والدوافع التى تجعلها تتجه إليها.
شخصية برغم بساطتها وعفويتها لكنها عميقة ومؤثرة ومتواضعة، وكأن چيوفانى بمرتبةِ رسالة إلى العالم تقول «الجمال فى البساطة، والسحر فى التواضع».
شُخصت چيوفانى فى التسعينيات من القرن العشرين بمرض سرطان الرئة، وخضعت للكثير من العمليات الجراحية، وماتت على إثره فى ديسمبر ٢٠٢٤ تاركة إرثًا وأثرًا أدبيًا وتعليميًا وإنسانيًا لن يمحوه الزمن.