اكتب بقلم رصاص.. خط الدفاع الأخير للمؤلف

عندما كنت صغيرًا جدًا، فى الثالثة أو الرابعة من عمرى، قبل أن أتعلم الكتابة، كنت أبحث عن صفحات فارغة فى دفاتر والدى الرقيقة ذات الغلاف الصلب ومذكراته القديمة، وأخط من اليسار إلى اليمين. كنت أضعها على نافذة ذات زاوية، بينما يدخل الهواء الرطب، وأستمتع بالكتابة.
أعتقد أننى أستمتع باحتكاك قلم الرصاص بالورقة نفسها، وأتصفح الخطوط المرسومة بدقة. هناك شرارة- برق، تعود من خلال المذكرات- تربطنى بحسى اللمسى المبكر بالعالم.
ربما، فى النهاية، سنتمكن من رؤية الذكاء الاصطناعى على حقيقته ونجد العزاء فى الآثار البشرية- سيتعمق الاهتمام بالعملية والممارسة. هذا يحدث بالفعل، ولكن سيكون هناك تركيز أكبر على الاستديو المفتوح أو على التراكم الفريد والمستمر لمهارة وذكاء أى فنان أو موسيقى أو كاتب- وهو شىء يفتقر إليه الذكاء الاصطناعى. رسام يتقن ببطء خطًا دقيقًا لا يضاهى من خلال الدراسات أو الأعمال قيد الإنجاز.
أكتب هذه الجملة بقلم رصاص. أكتب معظم مسوداتى الأولى يدويًا؛ إنه أمر أفعله منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا. ما دفعنى إلى ذلك كان دفتر تمارين فاخر أُهديته ذات مرة: ورق شبه شمعى بلون الكراميل، بخطوط دقيقة بلون الحليب، مسطرة بخطوط دقيقة. همست أن أكتب عليه بقلم رصاص.
أنا سعيد بالهروب من الكمبيوتر والسفر بخفة- فى مقهى، أو معرض، أو فى البرية.
أستطيع الكتابة بخط اليد أسرع أيضًا- حسنًا، ربما أبطأ من الكتابة على الآلة الكاتبة، لكنها كتابة سريعة ضبابية؛ ولأننى أعسر، تختفى هذه الجملة المخططة تحت يدى ومعصمى، بعيدًا عن ذاكرتى. أُركز على موضع هادئ، حيث يصدر الجرافيت صوت أزيز على الورقة، مقاومًا الرغبة فى التحرير.
عادتى غريبة، أعلم، ولها سلبياتها- فك رموز خط يدى المكتوب أشبه بمحاولة التواصل مع الموتى. وأجمع أكوامًا من دفاتر الملاحظات الملطخة وبقايا أقلام الرصاص التى لا أستطيع التخلص منها. لكننى بدأت أعتقد أن كل هذا أهم مما توقعت فى البداية.
نشرت صديقة كاتبة مؤخرًا أنها بعد تحديث إصدارها من مايكروسوفت وورد، دعاها البرنامج للتعاون فى روايتها قيد الكتابة، وعرض عليها العمل على ٢٠٠٠ كلمة فى المرة الواحدة. بدلًا من ذلك، ناقشت قلقها مع زملائها الكتّاب الذين ساعدوها على الابتعاد عن التكنولوجيا. لكن هذا هو حالنا.
السؤال يبرز يومًا بعد يوم- كيف لنا أن نعرف ما إذا كان أى نص إبداعى، أو رواية، أو مقال، أو قصيدة، أو قصة قصيرة، مدعومًا بالذكاء الاصطناعى، أو حتى من تأليفه؟ هل سيستحيل معرفة ذلك مع مرور الوقت؟
فى الوقت الحالى، يبدو أن أفضل ما لدينا هو نظام أمانة يظهر فيه الكتّاب ثقتهم فى حال استخدامهم الذكاء الاصطناعى. قدمت مؤخرًا بعض القصائد إلى مجلة أدبية أسترالية- وهو أمر أفعله منذ أكثر من عقدين- ولكننى لاحظت لأول مرة مربع اختيار بجواره عبارة «لم أستخدم الذكاء الاصطناعى».
من السهل تحديد المربع، ولكن كيف لنا أن نثق بأصالة العمل، خاصة فى ظل وجود العديد من حالات الانتحال الموثقة جيدًا فى الأدب الأسترالى؟
هذا يدركنى- بالنسبة لمن يقدرون الأدب غير المولد بالذكاء الاصطناعى، سينتقل التركيز إلى هذا: كيف نثبت أننا لم نستخدم الذكاء الاصطناعى؟ أول ما يخطر ببالى هو: الممارسة. هذا ما يميزنا عن المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعى، أليس كذلك؟ إنها ممارسة المبدعين.
بصفتى شخصًا يعمل فى المجال الأدبى بقلم رصاص، أجد صعوبة فى الوثوق بالذكاء الاصطناعى كأى شىء سوى مخرب مخدر- مطيع، أحادى البُعد من حيث النبرة، جامد، مشبع بالأدب المسروق. أشبهه تقريبًا بخدعة فارغة، لكنها لا تضاهى الخدعة الأدبية الأسترالية الأكثر شهرة «إرن مالى».
فى عام ١٩٤٣، ابتكر الشاعران المحافظان هارولد ستيوارت وجيمس ماكولى شاعرًا يُدعى إرنست لالور مالى، وكتبا قصائد ساخرة، وقدماها إلى المحرر الشاب لمجلة «بطاريق غاضبة» الحداثية.
نعلم أيضًا أن الخدعة نجحت بشكل رائع- كان إرنست لالور مالى محور طبعة عام ١٩٤٤ من «بطاريق غاضبة»، مع غلاف فنى مستوحى من مالى من تصميم سيدنى نولان. لكن المخادعين كانوا أفضل من اللازم- أصبحت القصائد من أغرب وأفضل وأكثرها تأثيرًا فى تاريخ الأدب الأسترالى.
هذا لا يعنى أننا بحاجة إلى خدعة أخرى، بل لمقارنة هذا الثراء المعقد بعالم الذكاء الاصطناعى التوليدى الأقل تعقيدًا أو إثارة للاهتمام- إذ لا يوجد فيه أرشيف بشرى متدفق. هل يمكن للذكاء الاصطناعى أن يخطئ خطوة هشة مثل ستيوارت وماكولى؟
كان السحر والضعف والذوق الارتجالى فى فشلهم- لنكن صريحين- الجميل. فى الذكاء الاصطناعى، هل نجد هذا السحر أم الفراغ الخيالى المرسوم؟
بالنسبة لى، وربما للعديد من الكتاب، فإن هذه الجملة الغامضة هنا على هذه الورقة البيضاء بين الخطوط الزرقاء الداكنة هى، على أمل، ختم للأصالة. ستكتسب مسودات صناعة الفن والإبداع أهمية- فهى نقطة انطلاق العمل، ودليل جيد على كيفية انبثاقه من الجسد والعقل، وبناء أرشيف مادى.
قد يسعد أمناء المكتبات أن يعلموا أنه كما لن يتضاءل محتوى الكتاب، فإن الأرشيف قد يصبح أكثر أهمية من أى وقت مضى. فنان لديه مسار موجه بأشياء، مخطط له، مقلم بقلم الرصاص، ومصور بشريًا، سيكلل بالنجاح.
ليس الأمر جذابًا- حسنًا، أقلام الرصاص مثيرة بعض الشىء، أليس كذلك؟- لكن الأرشيف قد يحمى المبدع من التهديد الذى يهدد الأدب نفسه: مكر الروبوت الأحمق.