السبت 30 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

كلمتى للمغيبين.. «تنظيم إلهامى».. انتبهوا المؤامرة الإخوانية لا تزال مستمرة

حرف

- محمد إلهامى استلهم عنوان كتابه الرئيسى والفرعى من سيد قطب

- كتاب محمد إلهامى مانيفستو إرهابى وجريمة لا بد من الانتباه لها

فى مذكرات على عشماوى «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين» التى صدرت فى العام ١٩٩٣ عن دار الهلال يكشف عضو التنظيم الخاص عن سر مهم من أسرار الجماعة الإرهابية، يخص كتاب سيد قطب الدموى الشهير «معالم فى الطريق»، وهو الكتاب الذى كان ولا يزال يمثل منهجًا للإخوان فى تكفير المجتمع والحكم بجاهليته وشرعنة الخروج على الحاكم، واستخدام القوة المسلحة لتغيير نظام الحكم. 

يقول عشماوى: كان الأستاذ سيد قطب يرى أن للحركة الإسلامية قواعد وأحكامًا فقهية مختلفة كثيرًا- وفى كثير من الحالات- عما هو مقرر فى الفقه الإسلامى العادى، وسمعنا منه لأول مرة تعبير «فقه الحركة»، وكان يقول أحكامًا قائمة على فقه الحركة مخالفة- إلى حد ما- للأحكام العامة، وفى كتابه الذى لم يُنشر «معالم فى الطريق- الجزء الثانى» كان يفرد جزءًا كاملًا لفقه الحركة، ولكنه عندما أخذ رأيى فى نشر هذا الكتاب رجوته ألا ينشره، لأنه سيثير انقسامات واختلافات كثيرة وسيثير الدنيا علينا، وسيقولون إن سيد قطب ابتدع فى الإسلام بدعة، ووافق على رأيى ولم نرَ الكتاب، ولا أعرف مصيره بعد ذلك. 

لم يركز عشماوى كثيرًا على هذا الكتاب، ولم يقتبس شيئًا منه اللهم إلا إشارته إلى فقه الحركة، التى يصفها بأنها كانت أحكامًا مخالفة إلى حد ما للأحكام العامة، ولم يقل لنا شيئًا عن مصير الكتاب، فقد بدا أنه يجهله تمامًا، ويبدو أن هذا الكتاب تم إعدامه أو التخلص منه، فلم يذكره أحد، ولم يحاول أحد نشره بأى طريقة من الطرق، بما يؤكد أنه ليس موجودًا على الإطلاق، لكن هذا لا ينفى أن سيد قطب كان مبدعًا فى فقه الدم والتنظير له، ولم يكتف بجزء واحد من كتابه معالم فى الطريق، بل كتب جزءًا ثانيًا، ونحمد الله أنه لم ير النور. 

وبعد ما يقرب من ستين عامًا أحيت جماعة الإخوان الإرهابية ما كتبه سيد قطب فى الجزء الثانى من كتابه الذى لم ير النور من خلال كتاب آخر كتبه «محمد إلهامى»، استلهم عنوانه الرئيسى والفرعى من كتاب سيد قطب. 

الكتاب الجديد اسمه «سبيل الرشاد.. معالم طريق التحرر الإسلامى»، ويمكننى أن أصف صاحبه بأنه سيد قطب العصر الحديث، الفارق بينهما أن الطبعة الجديدة من صاحب الفكر القطبى هزيلة ومتهافتة وضئيلة كما هى أجيال الجماعة الإرهابية الجديدة. 

ما كتبه إلهامى ليس إلا خطة حركية وضعها لتسترشد بها «الإخوان» فى مواجهتها الدائمة والمستمرة والعنيفة مع الدولة المصرية. 

عرفنا محمد إلهامى على هامش ما أعلنته مجموعة المكتب العام التى يرأسها الهارب يحيى موسى، مؤسس منصة ميدان المعادية للدولة المصرية، عن خطتهم لاستهداف مصر، واستمع الناس إلى تصريحاته الغارقة فى العداء والكراهية والتحريض على مصر وجيشها وشرطتها وشعبها من خلال الفيديوهات التى بثتها هذه المنصة، ومن خلال لقاءات فى برامج قنوات الإخوان الممولة من الخارج. 

إلهامى هو صاحب التصريح الشهير بعد أن أقسم بالله ثلاث مرات بأن زوال حكم السيسى ودولته أهم بالنسبة له من زوال حكم نتنياهو ودولة إسرائيل.

هل تخيلتم كم إجرام وخبل وخيانة من يقول ذلك؟ 

وهو صاحب التصريح الأشهر أن من علامات نجاح أى ثورة فى الدول العربية هو دخول الاحتلال، ومن علامات نجاح الثورة فى مصر هو دخول سيناء لإسرائيل، الذى هو أمر جيد على المدى البعيد، وسيئ على المدى القريب. 

سأترك لكم تفسير هذا التصريح، الذى كشف به إلهامى عن وجهه القبيح، وعندما حاول أن يفسر ما يقصده ويبرره، بدا تائهًا، فقد أوقع نفسه فى مأزق عند الناس، عندما كشف خبيئته، فالمرء مخبوء تحت لسانه، وإذا تحدث ظهر. 

يصدّر الإخوان محمد إلهامى على أنه باحث فى التاريخ. 

ويحاول هو أن ينفى عن نفسه أنه إخوانى، رغم أنه قضى داخل الجماعة ما يقرب من عشر سنوات، وهرب من مصر ضمن من هربوا بعد ٣٠ يونيو، وظل عاكفًا على مشروعه الخاص، الذى كانت قمته كتابه الذى يمكننا اعتباره الإطار الحركى للجماعة فى طبعتها الجديدة، وهى طبعة دموية، تعلن أهدافها بوضوح. 

وحتى نكون على بينة مما يفكر فيه هؤلاء الذين يعتبرون إلهامى مفكرهم ومنظرهم الجديد، فإننا سنتوقف معًا عند فقرات من كتابه، أعتقد أنها دالة على المؤامرة الحديثة التى تتعرض لها مصر. 

تقوم خطة إلهامى على ما يسميه «قاعدة العواصم»، ويبنى تصوره على أن لكل قوم من الناس قاعدة وعاصمة يؤولون إليها، هم يرجعون إليها وينتمون إليها، وهى تحكمهم وتؤثر فيهم، وفيها مركز ثقلهم السياسى والمالى، وفيها نخبتهم الفكرية والعلمية والعسكرية أيضًا. 

يهتم إلهامى بإسقاط العواصم، يقول: التغير الذى يحدث فى العاصمة سرعان ما يلقى بآثاره على بقية الأطراف والأنحاء، لكن التغير الذى يحصل فى الأطراف والأنحاء لا يلزم أن يؤثر فى العاصمة، فموقع العاصمة من الأنحاء والأطراف كموقع القلب من الجسد. 

ويؤكد سيد قطب العصر الحديث خطته بقوله: العمل فى العواصم أبطأ كثيرًا، ونتائجه أبطأ، ولكن النجاح فيها يغير فيها التاريخ، ومما هو من قواعد الحياة وسير التاريخ أن نصر دولة على أخرى إنما هو اللحظة التى تسقط فيها العاصمة، وطالما بقيت العاصمة تقاوم فالحرب لم تنته بعد، والثورة تنجح حين تسيطر على العاصمة، وتفشل إن لم تنجح فيها. 

ويسأل إلهامى: ما هى العواصم المركزية لهذه الأمة الإسلامية المليارية؟

ويجيب: بعد تفكير وبحث طويل مع العديد من عقول الأمة الذين التقيتهم عبر السنوات الماضية، وبعد نظر طويل فى التاريخ، وبعد متابعة طويلة للواقع، كانت الآراء تنتهى إلى أن هذه المدن هى: القاهرة، الرياض، إسطنبول، دمشق، بغداد. 

وفى فجاجة يقول: إذا استطاعت الأمة تحرير هذه العواصم وإقامة دول مستقلة تملك قرارها وتستطيع حماية نفسها، فهى قد خطت أكثر من نصف الطريق نحو الطريق النهائى للأمة. 

هنا يمكن أن نتوقف قليلًا عند بعض العواصم التى ذكرها إلهامى: 

أولًا: تعجبت أنه وضع إسطنبول فى قائمة العواصم التى يريد خلخلتها لتنفيذ مشروعه، وتساءلت كيف يقول ذلك وهو يعيش فى تركيا وينعم بحمايتها، ويأكل عيشه من مركز أبحاث ودراسات تم تأسيسه فى العام ٢٠١٤ ليعمل فيه هو ومجموعته وهو مركز «المعهد المصرى للدراسات السياسية والاستراتيجية»، لكن ولأن النفاق صفة إخوانية أصيلة ومتأصلة، فهو يتدارك ذلك ويحيد تركيا عندما يقول فى كتابه: تبدو إسطنبول الآن أقرب هذه العواصم للتحرر ولامتلاك قرارها، وفيها زعيم قوى هو رجب طيب أردوغان، وحقق فيها نتائج قوية ومؤثرة، وإن كانت التجربة حتى الآن متعلقة بشخصه ولا يزال القلق يساور الجميع ماذا يكون بعد رحيله؟ 

يعرف إلهامى أنه لو عرض بتجربة أردوغان يمكن أن يتعرض لما لا يحبه ولا يرضاه، ولذلك يسترضيه بكلام فيه من التملق ما فيه، وهو ما يشير إلى سمة إخوانية فى تفكيره، وهى التقية، فهو يخفى فى قلبه ما يسره فى نفسه، حتى يحين الوقت المناسب لينفذ ما يخطط له. 

ثانيًا: فى قائمة العواصم التى يستهدفها تنظيم إلهامى وضع الإخوانى الإرهابى القاهرة إلى جوار الرياض، وهو ما يفسر لى استهداف العلاقة التى تربط بين مصر والسعودية، وتعمد اللجان الإخوانية الأجيرة والمستأجرة إفساد هذه العلاقة، فهناك تخطيط واضح لإبعاد القاهرة عن الرياض، لأن الجماعة تريد إسقاطهما، ولا يمكن لها أن تفعل ذلك أو تنجح فيه إذا كانت العلاقة بينهما قوية. 

يترك إلهامى كل العواصم التى وضعها فى قائمته ويقصد التحرك ضدها، وأعلن بوضوح أن الهدف الأول له هو القاهرة. 

يقول: فى تقديرى أن أهم عاصمة مرشحة الآن لحصول التغيير فيها هى القاهرة، بل إن مجرد انفلاتها من سطوة الهيمنة الأجنبية الغربية هو بحد ذاته مكسب واسع وخسارة واسعة لعدوها، ولهذا فالمعركة حولها ستكون هائلة، لكن كثيرًا من الأوضاع الطبيعية والظرفية تجعل الأمر أسهل من أوقات كثيرة. 

وفى استحضار لفكرة الخلافة الإسلامية يقول إلهامى: إنى أحسب أن لو كان للأمة خليفة يستطيع تجنيد طاقة الأمة فى معركة بعينها لم يكن أمامه إلا معركة مصر فى الوقت الحالى، ولو أن كل صاحب طاقة ومجهود فى خدمة الإسلام أنفق من طاقته فى معركة الثورة المصرية لعاد عليه فى بلده بأكثر مما يستطيع أن يحققه لنفسه فيها. 

وتحت عنوان «مصر لماذا؟» يثرثر إلهامى كثيرًا لإثبات صحة اختيار مصر وعاصمتها القاهرة لتكون محط عمل العاملين للإسلام دون سواها من العواصم والبلاد. 

وتحت عنوان هو أقرب إلى المؤامرة الكاملة يسأل إلهامى: كيف نبدأ فى مصر؟ 

ويجيب عن سؤاله بقوله: التمكن من الحكم والسلطة يكون غالبًا من طريقين: الغزو من الخارج، أو الانقلاب من الداخل، والانقلاب من الداخل يكون بطريقتين: التسلل إلى موقع الحكم بعد طول صبر وتدبير وتميز فى التقاط الفرص وطول بقاء واختراق فى جهاز الحكم، أو الانقلاب العسكرى المفاجئ، وهو أيضًا بعد صبر وتدبير والتقاط الفرص لكن ليس بالزمن الطويل الذى يستغرقه التسلل من الداخل، أما الغزو من الخارج فلا لدينا الآن خلافة ولا خليفة ننتظر أن يفتح مصر ويحررها. 

ولاحظوا معى أن «التمكين» للحكم والسلطة فى أول الطريقين اللذين حددهما، يكون عبر الغزو من الخارج.. صحيح أن إلهامى قد استبعد هذا الخيار لأنه وكما يقول ليست لدينا خلافة ولا خليفة ننتظر منه أن يفتح مصر ويحررها»، إلا أن استراتيجية الفقه الحركى، تلك التى يطرحها ثم يعود ويستبعدها لعدم الإمكانية، تخفى أخطر من موقف «الإخوان الجدد» و«قطبهم» من الخصومة والعداء مع النظام القائم ذاته.

فـ«الفتح الإسلامى» الذى يأمر به خليفة المسلمين، كما اصطلح عليه فى التاريخ الإسلامى، لا يكون إلا للدولة غير المسلمة، «الكافرة» بشكل أكثر وضوحًا، وهو تحديدًا ما يطويه تعبير إلهامى ضمنًا، ولايستخدمه على سبيل المصادفة بالقطع.. فلا مجال للمصادفة هنا ونحن نتحدث عن الاستراتيجيات وآليات الفقه الحركى، بل على العكس، كما نرى، فقد وضع إلهامى هذا الطريق كأولوية واجب تنفيذها، إن توفرت، خضوعًا لحكمه الشرعى للدولة المصرية وحكامها وشعبها من الراضين لهذا الحكم، والمعارضين لحكم الإسلام كما هو فى «فقه» إلهامى وجماعته. 

يحرض إلهامى فى كتابه الحركى بشكلٍ واضح على الثورة، يقول: يحتاج الذين يرتقبون الثورة إلى إعداد كبير، لا سيما فى الجانب الأمنى والعسكرى والمعلومات والأفراد والخطة، ثم فى الجوانب السياسية والإعلامية والدينية. 

ويضيف: يظل الأقرب فيما أرى، والذى ينبغى أن تعمل عليه الخطط الدائمة والطويلة، هو العمل على اختراق جهاز الحكم والجيش، والتسلل فيه، فإذا وقعت الثورة كان فى ذلك فرصة لكلا الجناحين: تجد الثورة ظهيرًا لها فى جهاز الحكم والجيش، ويجد الذين فى جهاز الحكم والجيش قفزة هائلة لهم فى هذه الثورة. 

قد يأخذ البعض علىّ هنا أننى أروّج لما يقوله المدعو محمد إلهامى، فكتابه منشور صحيح، لكنه قد لا يتاح لكثيرين الاطلاع عليه، ولذلك فلابد أن نتجاهله، وهو منطق غريب فى الحقيقة، إننا أمام كتاب هو مؤامرة فى حد ذاته، لا يمكن أن نتجاهله، بل لا بد أن نعرف ما فيه وبالتفصيل، حتى لا ينخدع الناس بما يروّجه ويدعو إليه. 

لا أحد يستطيع أن يحجب عن الناس شيئًا، خاصة أن الكتاب ليس وحده هو أداة تنظيم إلهامى فى نشر أفكاره، فهو ضيف دائم على المنصات الإخوانية، وتأخذ منه منصة ميدان المعادية مرجعية فكرية تستعين بما يقوله وتروج له، وعليه فهو سيصل إلى الناس، ومن هذه النقطة تحديدًا يجب أن نضع عليه ملاحظاتنا وتحذيراتنا، فلا يمكن أن نترك عقول الناس نهبًا لكل من هب ودب. 

صحيح أن كتاب إلهامى ضعيف ومتهافت، استعانته بالتاريخ وظيفية، لغته ركيكة لا بلاغة فيها ولا قدرة ملحوظة على التعبير، وهو ما يجعلنى أتعامل معه على أنه مانيفستو إرهابى، خطة واضحة للتحرك، منهج للعنف والتحريض عليه ورسم طريقه، هو ليس كتابًا ولكنه جريمة كاملة لا بد من الانتباه لها والتحسب لما يمكن أن يقوم به أنصارها. 

لقد قال إلهامى بوضوح إنه لو كان له أن يتقدم بنصيحة إلى تنظيم حماس، لقال لهم: اتركوا ما تفعلونه مع إسرائيل.. وتعاملوا مع مصر.. فالبداية بها أولى. 

الكلام واضح وصريح ولا مواربة أو مراوغة فيه، وهو ما يجعلنى أتعجب وبشدة من هؤلاء الذين ينفون بشدة أن هناك مؤامرة، أو أن هناك من يستهدفون مصر، ويخططون ليل نهار لإرباكها وإنهاكها وتشتيتها وخلخلتها، وكل ذلك فى النهاية لتحقيق الهدف الأخير وهو الانقضاض عليها. 

أعرف أن السنوات الفاصلة بيننا وبين ما حدث فى ٣٠ يونيو، جعلت الناس ينسون كثيرًا مما حدث، وأن الأزمات الاقتصادية المتتابعة جعلت فريقًا من المصريين يدخل فى حالة من السلبية واللا مبالاة، وجعلت فريقًا آخر متحفزًا ضد كل ما تقوم به الحكومة، يقول إن الجماعة انتهت، ولا داعى لأن نجعل منها شماعة نعلق عليها كل شىء.

هؤلاء جميعًا للأسف الشديد ليسوا إلا مغيبين، وعليهم أن يفيقوا، لأن الخطر لا يزال قائمًا، ومدافع الإخوان لا تزال منصوبة وموجّهة إلى قلب القاهرة، فلا أقل من أن نقاوم، وننبه ونحذر مما قد يحدث، وإذا أردتم أن تتأكدوا من خطورة الموقف، فليس عليكم إلا أن تراجعوا مرة أخرى ما يقوله المدعو محمد إلهامى وما يروّج له.. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.