مدحت أبوبكر.. دقات على باب المسرح

مثل كل أبناء جيله، تميز مدحت أبوبكر «الذى ولد فى المنيا عام 1954» بالثقافة الموسوعية ذات الروافد المتعددة، فهو رجل مسرح، وشاعر، وباحث اجتماعى أيضًا ومحرر صحفى، عمل فى عدة صحف، منها جريدة «الأحرار» التى ترأس القسم الثقافى بها لعدة سنوات، كذلك عمله فى إعداد البرامج للتليفزيون المصرى والتليفزيون الكويتى فى الفترة التى قضاها فى العمل هناك، كل ذلك منحه فرصًا متعددة لأن تتسع لديه رقعة الرؤية ومساحة الكتابة، فقدم فى كل مجال دخله إسهامات ملحوظة، وترك فى كل مجال أثرًا واضحًا يدل على إرادة ثقافية من نوع خاص.

بدأ «أبوبكر» حياته العلمية باحثًا اجتماعيًّا حيث تخرج فى المعهد العالى للخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان عام ١٩٧٨م، ثم حصل على الماجستير عام ١٩٩٣ برسالة عن «الإنسان المصرى ومحاولة تهويده»، ثم حصل على الدكتوراه بدراسة عنوانها «انتكاسة المدمنين وكيفية معالجتهم بالأعمال الدرامية» عام ١٩٩٩.
وفى مجال النقد المسرحى صدر له «التجريب المسرحى.. آراء وتطبيقات» ١٩٩٢، و«ملامح التجريب المسرحى» ١٩٩٤، و«الخطايا العشر لمسرح الهواة» ١٩٩٧.
كما قدم عروضًا مسرحية من تأليفه وإعداده تنم عن مقدرة متميزة وتنوع فنى اتسمت به تجربته المسرحية، من هذه العروض مسرحية «طائر الحب الجميل» من إخراج مجدى الزقازيقى، بطولة محمد محيى وحنان ماضى، وينتمى العرض للمسرح الغنائى، و«الحب والنار» من إخراج السيد راضى، بطولة محمد الحلو وتيسير فهمى ومحيى الدين عبدالمحسن، وقدم العرض على خشبة المسرح القومى، و«أهل الهوى» من إخراج فهمى الخولى، بطولة حنان ترك وسامى العدل وسامح يسرى، و«تفاحة يوسف» بطولة عبدالمنعم مدبولى ورياض الخولى وسحر رامى وإخراج فؤاد عبدالحى، وقدمت على خشبة المسرح الحديث، و«ليلة فل» من إخراج محمود الألفى وقدمتها فرقة مسرح الشباب من بطولة علا رامى ومحمد فريد وعماد رشاد، و«ألف ليلة وليلتين» من إخراج عبدالستار الخضرى وقدمتها فرقة السامر، وقدم للمسرح الخاص عدة أعمال منها «شقاوة» بطولة سيد زيان وروجينا وسمية الخشاب ووفاء عامر وسامح يسرى وإخراج عادل عبده، وتدور هذه المسرحية فى إطار كوميدى خفيف، عبر كتابة واقعية تعتمد على كوميديا المفارقة.
كما صدرت له عدة دواوين شعرية منها «دقات على أبواب الصمت» ١٩٨١، و«لسان عصفور» ٢٠٠٣، ومسرحيتان هما «طعم الورد» و«ليلة العمر» ٢٠٠٤.
فى كتابه «الخطايا العشر فى مسرح الهواة» يتناول أبوبكر مفردات العمل المسرحى بداية من التأليف، حيث يقدم نبذة موجزة عن تطور فن التأليف المسرحى بداية من العصر اليونانى والمسرح فى مصر القديمة، مقدمًا مقارنة ما بين التأليف والإعداد المسرحى والمعالجة والرؤية، ثم يقدم رؤية مشهدية لتطور فن الإخراج المسرحى منتقلًا إلى فن «السنوغرافيا» وضرورة التناسق ما بين مساحة المنصة المسرحية ووحدات الديكور، ثم يتحدث عن الإضاءة وتجاهل «مسرح الهواة» للاحتياجات الضوئية للعرض المسرحى، والتعامل غير الواعى مع تكنولوجيا الإضاءة.
ويطالب أبوبكر بضرورة الاعتماد على المختصين فى مجالات الديكور والإضاءة والإدارة المسرحية للخشبة حتى يتخلص مسرح الهواة من كثير من الأخطاء التى تقع فيها عروضه.
وفى كتابه عن «التجريب المسرحى» نجده يقدم قراءة «سيكودرامية للتجريب المسرحى»، حيث يؤكد أن «المتابع لتاريخ المسرح لن يجد صعوبة فى اكتشاف العلاقة بين الحاجة النفسية والتجريب المسرحى على كل المستويات، وفى مختلف العناصر». يقول مدحت أبوبكر: «تأملوا الأشكال المتطورة للمعمار المسرحى وعلاقته بالدراما المسرحية، فعندما أراد الكهنة الفراعنة التواصل مع جماهير الناس دينيًّا عبر شكل مختلف، كانت المعابد هى المعمار المسرحى حتى يضمن الكهنة الجذب النفسى للناس المرتبطة بالدين، وعلى مدى مئات السنين يبذل المهتمون بالمسرح جهودًا تجريبية لتطوير المعمار المسرحى مرتبطين بالحاجات النفسية لجمهور المتلقين».
مؤكدًا أن علاقة المسرح بالجمهور علاقة قديمة قِدم هذا الفن العريق، فالمسرح هو فن المشاهدة الأول، منذ نشأته فى الحضارة اليونانية، وقد حاول صناع المسرح على مر العصور البحث عن صيغ متنوعة للتقريب ما بين العرض المسرحى والجمهور، وما محاولات التجريب المتنوعة إلا محاولات للتقريب ما بين الطرفين.
ولذلك نراه يشير إلى أن «خشبة المسرح التقليدية- فى إطار المسرح التجريبى- لم تعد هى المكان الوحيد لعرض مسرحية، وكشفت عروض التجريبيين فى كل العالم منذ الستينيات أن رحبة المسرح أو منطقة العرض لا تقتضى أن تكون مجرد خشبة مسرح محددة، فهذا مخزن إيواء السيارات «الجراج» الذى اتخذه للعرض المخرج الأمريكى المعاصر ريتشارد شكنر ليس فيه افتراضًا خشبة مسرح محددة، والكثير من المسارح البيئية تذهب إلى حد أن الحدث يقع فى أى مكان فى البناء وعلى الأرض ومع انتشار الممثلين فى أرجاء المسرح عبر صفوف المشاهدين وجلوسهم فى المقاعد الخالية- إن وجدت- وكل هذا بالطبع لم يكن جديدًا ولكنه أوجد سلوكًا مسرحيًّا كهربيًّا فى مثل هذا الإنتاج المسرحى.»
وظل مدحت أبوبكر مشغولًا بسؤال التجريب فى معظم كتاباته النقدية، وتعددت أسئلته فى ذلك حيث يقول: «لماذا أقدم مسرحيتى من خلال منصة يشاهدها الجمهور الذى يجلس فى الصالة ولماذا لا أقدم المسرحية بين المشاهدين؟ ولماذا لا يتحدث الممثلون مع الجمهور؟ ولماذا لا أبتكر فى مصادر الإضاءة؟»
هذه الأسئلة تعد أحد المحفزات الفنية لصانع المسرح التجريبى، ومن هنا تتولد التجارب المهمة فى إطار المسرح ما بعد الحداثى، واعتمد المسرح عبر تاريخه الطويل على عنصرين فنيين فى التجديد؛ هما تنوع طرق الأداء التعبيرى وعملية التلقى المتصاعد من قبل الجمهور مما نتج عنه سقوط الحواجز فى علاقة تبادلية أنتجت أنساقًا جديدة تعتمد على مسرحة فضاءات جامدة مهملة لم تكن مستخدمة من قبل فى العرض المسرحى من أجل تثوير الوعى الغائب وإعطائه إمكانات للحضور لم يأخذها فى فترات سابقة.
والتفكير فى مثل هذا النوع من «المسرح المفتوح» جاء كبديل عن روتينية المسرح التقليدى «مسرح العلبة الإيطالى» الذى مل الجمهور منه، وأعرض عن حضور عروضه نظرًا لإفلاسه عن تقديم الجديد؛ لأنه من المعروف أن المسرح الحقيقى يقوم على الإدهاش والمفارقة، وهذا ما يفتقده المسرح التقليدى ذو المعمار الكلاسيكى.
لذا كان من الضرورى البحث عن أطر فنية يكون من مهمتها إيجاد نوع من التوازن فى الوعى–الذى للأسف– تتعدد المحاولات لتغييبه، لذا تكون مهمة الفعل الثقافى صعبة، لكنها بكل تأكيد ضرورية.
يقول المخرج الراحل السيد راضى عن مدحت أبوبكر: «إن مدحت كان متميزًا فى صياغة كتابته المسرحية التى كثيرًا ما تميل إلى اللغة الشعرية، وأنا تنبأت له بمستقبل فى هذا المجال، وطبعت له سلسلة كتب التجريب المسرحى فى مصر».
كان مدحت أبوبكر- إذن- كاتبًا مسرحيًّا وناقدًا تميز نقده بأنه قائم على أسس علمية صحيحة، كما اتسم بصفة مهمة هى الحرص الدائم على متابعة كل جديد فى تطور التقنيات المسرحية، بالإضافة إلى ربطه بين التحليل النفسى والمسرح وتقديم قراءات متعددة فى هذا الاتجاه.
كما كانت سلسلة التجريب فى المسرح المصرى التى صدرت منها عدة أعداد فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضى، دافعة لكثير من النقاد- فيما بعد- للكتابة عن الأطر التجريبية فى المسرح.