دليل للحياة.. لماذا نحتاج إلى حكايات الناس العادية؟

أنا هنا تمامًا لأكتب مذكرات أغرب من الخيال، هل أريد أن أعرف كيف نجا أحدهم من طائفة دينية، أو نفذ عملية سرقة، أو اشتهر بعد نجاته من حادث غريب؟ بالتأكيد. أرسلوا لى قصصكم عن مغامرات الحياة والموت. لكننى أريد أيضًا أن أقرأ عن حياة «وموت» أشخاص لم يواجهوا شيئًا خارقًا على الإطلاق، قصصهم تجسّد تحديات وواقع الحياة اليومية.
تعدّ المخاطر العالية قراءة رائعة، ولكن تأملوا أى حياة، وسترون أن المخاطر ستزداد علينا جميعًا فى مرحلة ما، حتى لو كانت القرارات الوحيدة التى نتخذها هى تلك التى اتخذها مليارات البشر قبلنا، والتى سيتخذها مليارات آخرون مجددًا. ليس التجديد هو ما يجذبنى إلى كتابة المذكرات، على الأقل ليس دائمًا.
بدأت أفكر فى كل هذا عندما قرأت كتاب «والآن لدينا كل شىء: عن الأمومة قبل أن أكون مستعدة» لميجان أوكونيل، سمعت عن الكتاب لأول مرة من زميلة بائعة كتب، بعبارات غامضة- شىء عن امرأة شابة تجد نفسها حاملًا بالصدفة وتقرر الاحتفاظ بالطفل.

ملأ خيالى الفراغات: طالبة جامعية مفلسة ربما؟ حامل بعد علاقة عابرة ربما، معدمة ووحيدة، مدفوعة إلى خيارات يائسة؟ ثم أمسكت بالكتاب بين يدى وأدركت أنها قصة أقل إثارة بكثير.
كانت أوكونيل فى الثلاثين من عمرها تقريبًا عندما أدركت هى وخطيبها- فى حالة حب ومستقرين وكليهما يعمل- أنهما ينتظران طفلًا. حدث الحمل قبل أن يقررا ما إذا كانا سينجبان طفلًا أو متى، وهو تحول فى الحب لأى شخص بالتأكيد، ولكنه ليس نادرًا بأى حال من الأحوال فى التجربة الإنسانية.
إذا، لماذا نحتاج هذا الكتاب؟
فى بحثها عن معلومات خلال الأشهر الأولى من الحمل، تعثر أوكونيل على مواقع إلكترونية تقارن حجم جنينها بمختلف أنواع الفاكهة، لكن لا شىء يرضى ما تبحث عنه حقًا. تكتب: «كنت أعرف كل ما يجب معرفته، إلا أنه لم يكن أى منها مفيدًا بشكل خاص، ولا إجابة عن الأسئلة الأكبر. كيف سيكون الأمر؟ كيف سيغيرنى؟».
لا تقدّم أوكونيل قصة ولادة لإثارة الصدمة أو التعاطف هنا، ولا تقدّم ما يعادل حشو صور الأطفال الجميلة فى وجوه الغرباء. إنها تفصّل تجربتها، وتحلّل أجزاءها، وتعيد تجميع الاكتشافات الناتجة معًا بمنظور وفن.
إن القيام بذلك هو عمل من أعمال الكرم، وأنا ممتنة له، تمامًا كما أنا ممتنة لمذكرات أخرى عن أمور عادية نسبيًا: التوفيق بين توقعات البلوغ والواقع؛ والسعى وراء الأحلام الإبداعية أو المهنية؛ والتعامل مع الصداقات، والمواعدة، والزواج، والانفصال؛ ومواجهة الموت فى أكثر الظروف شيوعًا وأقلها بريقًا.
تخيلوا أننا جميعًا نحتفظ برف ملىء بقصص مكتوبة بليغة وواضحة عن مراحل الحياة هذه- ليس فقط البدايات والنهايات المليئة بالأحداث، بل المراحل الوسطى أيضًا. سيكون لدينا ما يشبه دليلًا إرشاديًا للحياة. سنعرف بشكل أفضل كيف نتجاوز الأمور العادية التى تحدث لنا جميعًا، والتى لا تقل صعوبة لطبيعتها.

لهذا السبب نحتاج هذا الكتاب، وغيره من الكتب المشابهة.
سمعت أكثر من مرة نسخة من هذه النصيحة: إذا كنت مشهورًا، يمكنك بيع مليون كتاب عما تناولته على الإفطار. إذا كنت شخصًا عاديًا، يمكنك بيع مليون كتاب عن اختطافك من قبل الكائنات الفضائية. ولكن إذا كنت شخصًا عاديًا تكتب عن حياتك اليومية؟ انس الأمر. لا أحد يشترى.
لا أعتقد أن هذا صحيح. أتمنى ألا يكون كذلك على أى حال. ستنشر مذكراتى المدمجة فى مقالات العام المقبل، وليس فقط أننى لا أملك أى شهرة تذكر، بل إن كتابى لا يتضمن أى حادثة اختطاف أو انفجار.
عندما أبدأ بالقلق، ماذا لو لم يرغب الناس بقراءة قصص واقعية عادية؟ أذكّر نفسى بأننى أرى أدلة كل يوم فى المكتبة التى أعمل بها على أن الناس يفعلون ذلك. مع أن كلمة «مرتبط» قد تثير الدهشة فى بعض الأوساط الأدبية، إلا أن الارتباط بالواقع له قيمة هائلة لدى القراء.
يأتى الناس طوال الوقت بحثًا- ليس فقط عن قراءة مسلية- بل عن قراءة مرتبطة بالواقع. يتصفحون كتبًا يجدون فيها نسخة من أنفسهم كما هم الآن أو كانوا فى الماضى أو يأملون أن يكونوا يومًا ما.
يبدأون برؤية أنفسهم فى الآخرين؛ ثم يرون الآخر فى أنفسهم؛ ثم يتمكنون من رؤية أنفسهم ومستقبلهم بشكل مختلف. أود أن أقول إن هذه الكتب تعمل على تحويل الناس، ولكن الحقيقة هى أن الكتب تساعد الناس على المضى قدمًا، بينما هم فى مرحلة التحول بالفعل.
فأعطونى قصصًا حقيقية مذهلة، نعم، ولكن أيضًا قصصًا حياتية تذهلنى وتحرك عقلى وقلبى نحو فهم أفضل لنفسى ولأصدقائى وللغرباء، وللعالم الذى نعيش فيه كل يوم. يا له من هبة عظيمة هذا الفهم، عندما نتشاركه مع بعضنا البعض.