الجمعة 05 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

جمال بخيت: لم أندمج فى الصحافة لأنها «مقبرة الأدب»

حرف

- كنت متمردًا من كثرة ما قرأت فى المرحلة الإعدادية وما بعدها. لكن دخلت الثانوية العامة، وبعد اجتيازها، اخترت أن أدخل كلية الإعلام لكى أكون صحفيًا

- بدأت كتابة «دين أبوهم اسمه إيه؟» أواخر 2010.. واكتملت فى «سنة الإخوان»

- تحدثت عن التوريث فى عز أيام مبارك بقصيدة «الواد كبر»

- لا أعترف بـ«البطولة المؤجلة».. ما أكتبه أقوله دون خوف

- عشت لفترة متخفيًا بسبب جرائم «الإخوان» فى الشوارع

- «العقاد» كان لا يعترف بالنثر، ورفض ديوان صلاح عبدالصبور، الذى كان على تفعيلة واحدة، لذا، هاجمه «حجازى» من خلال قصيدة عمودية مُقفاة مثلما أراد «العقاد».

- صلاح جاهين شهد لشعرى.. وقلت لـ«مفيد فوزى»: «لا أكتب بالأوردر»

- القصائد العامية المكثفة ليست «بنت السوشيال ميديا».. وتُكتب من أيام الجاهلية

- الأبنودى اتصل بى إعجابًا بـ«نيلها يخرج فى الصورة بعلامة النصر»

واجه جماعة «الإخوان» الإرهابية فى عز استيلائها على الحكم، ولم يخشَ الحديث عن التوريث فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ناظرًا إلى كل حرف يكتبه باعتباره سلاحًا، يشُهره فى وجه كل من لا يريد خيرًا لهذا البلد، مُرددًا بصوت عالٍ، ومن ورائه المصريون الرافضون لهؤلاء: «دين أبوهم اسمه إيه؟».

إنه الشاعر الكبير جمال بخيت، الذى تصدى لجماعة «الإخوان»، فى السنة الكئيبة التى حكموا خلالها مصر، عبر مجموعة من القصائد الخالدة، التى لا تزال تُكتب وتُقرأ إلى الآن. وقبل هذا، هو جمال بخيت الشاعر الذى غيّر وبدل فى شعر العامية، وأصبح امتدادًا أصيلًا لكبار هذا الفن: فؤاد حداد وبيرم التونسى وصلاح جاهين.

فى السطور التالية، تحاور «حرف» جمال بخيت، وتسترجع معه ذكرياته فى «صباح الخير»، ومع صلاح جاهين الذى سمع شعره وأثنى عليه فى حضور لويس جريس، وفؤاد حداد الذى منحه «ختم الشاعر»، وفترة مواجهته لجماعة «الإخوان»، ومن قبلها معارضته لمشروع التوريث فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

■ بداية مَن الذى قاد لمن.. الشعر للصحافة أم الصحافة للشعر؟

- فى الحقيقة أنا بدأت شاعرًا، كنت وأنا فى الثانوية العامة قد أرسلت إلى فؤاد حداد قصيدة، فرد علىّ فى باب «قال الشاعر»، ووجه لىّ نصيحة، قال فيها إننى قادر على أن أتم الشىء لكن لا أتمه، مستشهدًا بقول المتنبى: «ولم أر فى عيوب الناس شيئًا/ كنقص القادرين على التمام».

طالبنى بالاهتمام بكتب العروض، وبالفعل قرأت هذه الكتب، ثم كتبت قصيدة أخرى وأرسلتها له فنشرها كاملة، وتحتها كُتب: «جمال محمد أحمد بخيت- مدرسة الفسطاط الثانوية»، لأحصل منذ هذه اللحظة على «ختم» بأننى شاعر.

كانت هذه أول قصيدة تُنشر لى. وفى ذلك الوقت كنت قد قررت ألا أدخل الثانوية العامة، معتبرًا أن الشاعر مادته هى الحياة نفسها وليس الدراسة، وأن الثقافة موجودة فى الكتب، والجامعة لا تخرج شعراء، وكثير من الشعراء لم يكملوا تعليمهم، ومنهم فؤاد حداد وبيرم التونسى، وسيد حجاب الذى ترك الهندسة، والأبنودى، والعقاد.

كنت متمردًا من كثرة ما قرأت فى المرحلة الإعدادية وما بعدها. لكن دخلت الثانوية العامة، وبعد اجتيازها، اخترت أن أدخل كلية الإعلام لكى أكون صحفيًا، وأعمل فى مجلة «صباح الخير» التى نشرت لىّ أول قصيدة. وهى بالمناسبة احتضنت شعراء العامية، وكان من بين نجومها صلاح جاهين وفؤاد حداد وفؤاد قاعود. وهى التى قدمت «الأبنودى» و«حجاب» وعبدالرحيم منصور ومجدى نجيب ونجيب سرور. وبعد أن عُينت فى «صباح الخير» ظللت مُخلِصًا للشعر.

■ لكن هناك من يقول إن «الصحافة قاتلة للمبدع».. كيف حافظت على إبداعك مع عملك فى الصحافة؟

- أنا اخترت «صباح الخير» لأنها المجلة التى احتضنت شعر العامية، وأيضًا لأنها مجلة أسبوعية وليست يومية. الجريدة اليومية «مطحنة». بينما الأسبوعية تعنى أن لديك مساحة من الراحة. ونظرًا لمعرفتى بأن «الصحافة مقبرة الأدب»، كنت حريصًا على ألا أندمج بالشكل الكبير، وأن أتحصل من الصحافة على ما أريد.

مثلًا فى يوم كنت أجرى حوارًا مع قامة بحجم الدكتور زكى نجيب محمود، بكل مكانته الفكرية والفلسفية، وبعدها بأسبوع أجرى حوارًا مع سيدة أنجبت ٦ توائم فى أسيوط. أنت هنا ترى جغرافية المجتمع.

من خلال الصحافة سافرت كل محافظات مصر، وبالتالى أتيحت لىّ فرصة استخدام الصحافة لمصلحة الشعر وليس العكس. وفى تاريخى كصحفى مُعيَن فى «صباح الخير»، كنت أطلب إجازات كثيرة دون مرتب، لكى أنتهى من أعمال تخص الشعر، ما بين كتابة أغان ومشاريع مسرحية وسينمائية، أو ديوان جديد بطبيعة الحال.

■ «صباح الخير» زخرت بقامات كبيرة، مثل صبرى موسى وهبة عنايت وعبدالله الطوخى وفتحى غانم، والكثير من أساطير الكتابة.. ما الذى تتذكره منهم؟

- كل المنظومة بكل هذه الأسماء كانت من أسباب اختيارى لـ«صباح الخير». «صباح الخير» ليس فيها ما يُسمى بـ«صحفى فقط»، ستجد «كاتب قصة وصحفى» مثل علاء الديب الذى شارك فى كتابة فيلم «المومياء»، «كاتب رواية وصحفى» مثل عبدالله الطوخى، «كاتب سيناريو وصحفى» مثل حسن فؤاد الذى شارك فى كتابة فيلم «الأرض»، «كاتب صحفى وروائى وسيناريست» مثل صبرى موسى، «صحفى ومخرج سينمائى» مثل مدحت السباعى، «صحفية وكاتبة مسرحية» مثل نهاد جاد، إلى جانب كاتبات مرموقات مثل إقبال بركة وزينب صادق، علاوة على شعراء ورسامين وصحفيين.

هناك أيضًا رءوف توفيق، وهو مفكر سينمائى له العديد من الكتب المهمة مثل «السينما عندما تقول لا»، وكاتب فيلم «زوجة رجل مهم»، والدكتور مصطفى محمود هو الآخر ابن من أبناء «صباح الخير»، وكان له باب ثابت اسمه «اعترفوا لى»، وبعد ذلك تفرغ لتأملاته الفلسفية. كان يكتب فى «صباح الخير»، والكثير من كُتبه نُشرت مسلسلة فى المجلة.

لويس جريس ومفيد فوزى ومنير عامر، كل شخصية منهم، اكتسبت منها فكرة، وجهة نظر، رؤية للفن والحياة والدين والأدب. الخلاصة، أن هذا الهدير كان كله موجود فى مكان واحد، وكنت فى وسطه، فرميت نفسى بين هؤلاء، وعشت أجمل سنوات العمر، فى فترة شهدت قمة ازدهار «صباح الخير».

■ هل هناك مواقف معينة تتذكرها مع هذه القامات؟

- صبرى موسى، فى أحد اجتماعاتنا، وكان عددنا كبيرًا جدًا، كلفنى بموضوع صحفى. كان وقتها قد نزل خبر أن «أسود السيرك خرجت على المعاش»، ٤ أسودعلى وجه التحديد. وكان مفيد فوزى حاضرًا للاجتماع، وصبرى موسى قال لى: «أريد منك هذا الموضوع». وقتها لم أكن قدمت سوى موضوعين.

استمرت المناقشات فى اجتماع التحرير، وفى وسط المناقشات قلت رأيى، فوجدت أن رءوف توفيق يقول مخاطبًا صبرى موسى: «جمال بيفكر تفكير مهم ومختلف، وأنا شايف أن موضوع أسود السيرك أقل من إمكانياته، وممكن تكلفه بشىء أكبر». لكن صبرى موسى قال إن هذا لا يمنع تكليفه بالموضوع.

وبالفعل تواصلت مع مدرب الأسود، والطبيب البيطرى، ومدير السيرك، وسألت: «أين تذهب الأسود بعد التقاعد»، فعرفت أن عائلة «الحلو» لديها موالد قطاع خاص تشارك فيها، وأنهم سيأخذون أسودهم إلى مولد «إبراهيم الدسوقى» تحديدًا.

سجلت مع «الحلو»، وسألته عن أسماء الأسود، وأكثر صفة بارزة فى كل منهما، فعرفت أن «جبار» هو الوقور، و«نعيمة» الشقية، و«محروس» هو الممثل، إلخ..

كتبت الموضوع، وفى آخره قلت: «كان من الضرورى أن نستطلع رأى الأسود فى معاشها». ثم كتبت على لسان كل واحد من الأسود تصريحًا، وقدمت الموضوع إلى صبرى موسى. وبعد أن رسمه قال لى: «هذه هى مجلة (صباح الخير) التى نأملها».

فى «صباح الخير» تملك القدرة على التخيل، أمشى فى طرقتها فأجد صبرى موسى واقفًا أمام غرفة نهاد جاد، ويقول لها: «هذا هو جمال بخيت الذى سألتى عنه».

■ وماذا عن لويس جريس؟

- لويس جريس، العضو المنتدب رئيس التحرير لـ«صباح الخير»، حين تقدمت إليه كنت شاعرًا، وطلب منى حوارًا مع صلاح جاهين، وتواصل هو مع «جاهين» وحدد معه موعدًا، وبالفعل ذهب معى.

بعد أن انتهى التسجيل والحوار الصحفى، قال لويس جريس لصلاح جاهين: «جمال يكتب شعرًا، وأريدك أن تسمعه». وبالفعل سمعنى صلاح جاهين وشهد لشعرى، ومن يومها، أصبح لويس جريس أكثر حماسًا فى منحى مساحة للشعر.

■ ألم تواجه أى خلافات مع هذه القامات؟

- بالتأكيد كان هناك الكثير من الخلافات، وأهمها ما حدث مع مفيد فوزى، أثناء توليه رئاسة التحرير. الذى حدث أننى كنت أكتب بابًا اسمه «خمسة وخميسة»، أقول فيه شعرًا من ٥ أبيات، وفى يوم وجدت أن هناك تعليمات بأن العدد المقبل عن عبدالحليم حافظ، ومطلوب منى أن أكتب خماسيتى عن «العندليب».

حين أخبرنى سكرتير التحرير بالتكليف، قلت له إن الشعر لا يأتى بـ«الأوردر». وحين أُبْلِغ مفيد فوزى بردى، طلب منهم أن يخبروننى بانتظاره فى الثامنة صباحًا، وجدد مرة أخرى طلبه بالكتابة عن «عبدالحليم»، فقلت له من جديد: «أنا لا أكتب بالأوردر»، وأننى يمكننى أن أكتب ديوانًا كاملًا عن «عبدالحليم»، ولكن فى حالة تتعلق به، وليس كتكليف.

لم ينشر مفيد فوزى خماسيتى، وفوجئت بأنه كلف أحد الزملاء الشعراء بكتابة خماسية عن عبدالحليم حافظ، ورجع وقال لى: «استكمل بابك» فرفضت.

كانت هذه نقطة خلاف بينى وبين مفيد فوزى. لكن هذه الخلافات كانت فى إطار من الاحترام المتبادل والتفهم، ولم تؤثر على علاقتى الممتدة معه، وظللنا نلتقى فى الحياة العامة، أنا كشاعر وهو كإعلامى. أكثر من هذا، حين رغبت حنان مفيد فوزى فى نشر ديوانها الأول، كلمنى مفيد فوزى وطلب منى كتابة المقدمة للديوان.

■ ننتقل إلى الشعر.. بدأ شعر العامية مع فؤاد حداد وبيرم التونسى، وفى كل مرة يرتد إليهما، رغم الرحيل.. ما السر؟

- هذه طبيعة الحياة. هناك أكثر من قناة تليفزيونية متخصصة فى عرض أفلام سينمائية عُرضت من قرن، وأنت الآن تشاهد أفلام شادية ورشدى أباظة، وتجد أحدهما فى هذه الأعمال يقول: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى»، وهذا بيت كتبه «المتنبى» من وقت طويل.

وفيروز حين تغنى «يا ليل الصب متى غده/ أقيام الساعة موعده»، هذا من قصيدة كُتبت منذ ٨٠٠ عام للشاعر الأندلسى الحصرى القيروانى. ثم يأتى أحمد شوقى ويعارضها ويكتب «مضناك جفاه مرقده»، التى لحنها وغناها محمد عبدالوهاب. بعدها يأتى بيرم التونسى ويعارض «شوقى» و«القيروانى» ويكتب: «كروان الفن وبلبله/ مش لا قى حد يأكله»، وتغنيها فيروز فى فيلم «دهب» بطولة أنور وجدى.

وأم كلثوم غنت لـ«أبى فراس الحمدانى» ما كتبه منذ ألف عام. وبعد ١٠٠٠ عام من وفاة عمر الخيام، ترجم الشاعر الكبير أحمد رامى رباعياته إلى اللغة العربية، وغنتها أم كلثوم فانتشرت فى الفضاء العربى.

الخلاصة هنا، الفن ليس مرتبطًا بعمر الفنان، والأدب ليس مرتبطًا بعمر الأديب. ووجود فؤاد حداد وبيرم التونسى وصلاح جاهين وسيد حجاب وعبدالرحمن الأبنودى لا يعتبر ارتدادًا ولا إنكارًا لما هو موجود من إبداع جديد.

■ كيف ترى تطور القصيدة العامية إلى ما تسمى «القصيدة العامية النثرية»؟

- أنا لا أعتبر هذا شعرًا. اللغة العربية والأدب العربى لدىّ يقف على شقين ويطير بجناحين، هما الشعر والنثر. وقديمًا قالت العرب: «الشعر كلام موزون مقفى». وحين يزيل عنه وزنه أصبح نثرًا. والنثر شىء عظيم، ومعروف منذ أيام «إخوان الصفا»، واشتهر به ابن عربى والجاحظ. ونثر طه حسين أدب عظيم، بل وأعظم من شعر كثير. 

المتلقى حين يجد إيقاعًا يقول: «هذا شعر». فالشعر يُعرف بالإيقاع، وحين يفتقر إلى الإيقاع لم يعد شعرًا. أنا هنا لا أصادر على تجارب الآخرين، ومن يريد التجريب فليجرب. وفى كل الأحوال، وكما قلت من قبل، النثر فن أصيل.

وهذه الإشكالية خلاف قديم بين عباس العقاد وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى. «العقاد» كان لا يعترف بالنثر، ورفض ديوان صلاح عبدالصبور، الذى كان على تفعيلة واحدة، لذا، هاجمه «حجازى» من خلال قصيدة عمودية مُقفاة مثلما أراد «العقاد»، لإثبات أن شعراء النثر قادرون على كتابة الشعر المقفى الموزون.

فى كل الأحوال، إذا أردت أن تُجدد لا بد أن تكون مُلمًا بما هو موجود، وتنطلق منه إلى التجديد. لكن هدمه بالكامل لا يصح. ومع ذلك، هناك كتابات نثرية تحت بند «قصيدة النثر» أحترمها. أحترم التجربة، والمبدع الذى كتبها ولديه حساسية ولغة. لكن فى رأيى الخاص، لا أعتبره شعرًا بل نثرًا.

■ وماذا عن القصائد العامية القصيرة؟

- القصائد العامية الصغيرة ليست جديدة. فـ«جاهين» كتب رباعيات، كل منها قصيدة بحد ذاتها، كتبت بشكل متناثر، وكل منها يعبر عن موقف متكامل. وابن عروس أيضًا كتب رباعيات من فن «الواو». وفن «الواو» بالكامل هو شعر عامية.

القصيدة التى تُكتب فى ٤ شطرات تقول معنى متكاملًا. وبالتالى، ليس هذا النوع ابن «السوشيال ميديا». منذ أيام الجاهلية كانت هناك قصائد البيت الواحد، وأبيات الشعر الباقية من الشعراء القدامى، كثير منها، لا نحفظ القصيدة كاملة، بل نحفظ بيتًا واحدًا. لذا، القول بأن «السوشيال ميديا» هى ما أنتج لنا «القصائد المكثفة» غير صحيح.

■ ما كواليس قصيدتك «أغلى تاريخ» التى ألقيتها أمام الرئيس السيسى بمناسبة انتصارات أكتوبر؟

- هذه القصيدة كُتبت قبل فترة من المناسبة. وكتبت قصائد مماثلة، مثل تلك التى كانت فى احتفالية مرور ٤٠ عامًا على نصر أكتوبر، فى عام ٢٠١٣، وكان وقتها رئيس الجمهورية هو المستشار عدلى منصور، والفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، وحضرا تلك الأمسية.

فى هذه الأمسية قدمت أوبريت «أم الدنيا قد الدنيا»، والفنان محمود يس كان هو الراوى، إلى جانب كل من يسرا وخالد صالح، علاوة على مشاهد تمثيلية وأغان لكل من مدحت صالح وجنات ونانسى عجرم وحكيم ووائل جسار وآمال ماهر وأنغام.

كان من بين هذه الأغانى: «أنغام- مصر بتكبر رغم الصعب»، وأغنية نانسى عجرم: «خدوا بالكم دى مصر المنصورة.. مش أيوها مصر نيلها اللى بيطلع فى الصورة بعلامة النصر»، وهاتفنى «الأبنودى» بعدها وقال لى: «والله يا جمال كتبنا الكثير، ولم نصل إلى صورة (نيلها يخرج فى الصورة بعلامة النصر). كلنا رأينا الخريطة لسنوات، لكن لم ينتبه أحد لفرعى دمياط ورشيد، وأنهما يشكلان علامة النصر. لم يفكر أحد فى كتابتها بهذا الشكل».

■ اختزلت تاريخا كبيرًا فى هذه القصيدة.. أليس كذلك؟

- نعم، الحقيقة كانت إحدى محاولاتى للإمساك بالمعنى العظيم لحرب أكتوبر. حين كتبتها سجلت فيها حكاية أن مصر لها علاقة خاصة بالزمن، مصر هى التى أمسكت بالزمن الذى كان يمشى دون عنوان أو وجهة إلى أن جاءت الحضارة المصرية، التى أمسكت بالزمن وقسمته لثانية ودقيقة وساعة ويوم وأسبوع وشهر وعام، بناءً على الفيضان ومواعيده، وظل يتطور الأمر مئات السنين، وصولًا إلى التقويم الشمسى.

كانت بالنسبة لى نقطة بداية، أن مصر لها علاقة خاصة بالزمن. ٦ سنوات فقط احتاجتها مصر للقيام من كبوة كبيرة للانتصار بهذه القوة فى حرب أكتوبر. لذا، أرى أن هذه الحرب كانت مؤشرًا عظيمًا لأن يخافك العالم.

كان هناك حواجز دمرناها، وقاتلنا مثل الأسود. بلد تنهزم، ثم تستعيد كل شىء بحرب ضروس، تعبر وتدمر أقوى حاجزين مائى وترابى وتكنولوجى فى خط «بارليف»، بخراطيم مياه، هذه عبقرية كبيرة، صدى لعبقرية بدأت من فجر التاريخ.

بعدها، ألقيت القصيدة أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الندوة الثقافية للقوات المسلحة.

■ وماذا عن «دين أبوهم اسمه إيه؟» التى عبرت بها عن فترات طويلة بـ٤ كلمات؟

- منذ عام ٢٠٠٨ بدأت أكتب قصائد بهدف التأريخ، بحيث أنك تقرأ القصائد كأنك تقرأ «الجبرتى»، الذى أرّخ لفترات فى التاريخ المصرى. كتبت «مش باقى منى غير شوية ضى أنا هديهملك وأمشى بصبرى فى الملكوت»، التى غناها أحمد سعد فى فيلم «دكان شحاتة»، وكتبت فى هذه الفترة أيضًا قصيدة «مدد»، و«الواد كبر» ضد مشروع التوريث.

أما قصيدة «دين أبوهم اسمه إيه؟» فبدأت فى كتابتها أواخر ٢٠١٠. كانت نبوءة، وكتبتها ضد كل من هو ضد الشعب المصرى. هذه كانت الفكرة العامة لهذه القصيدة. لكن الأحداث المتلاحقة، وخيانة «الإخوان» للثورة، ثم خيانتهم المفزعة للشعب المصرى بعد ذلك، جعلت القصيدة مناسبة للتعبير عن هذه المرحلة. وبالفعل اكتملت فى بداية ٢٠١٢، ثم طرحتها فحققت نجاحًا مدويًا.

■ هل حدثت لك أى مشاكل بسبب قصيدة «دين أبوهم اسمه إيه»؟

- سأقول لك سرًا، سنة «الإخوان»، التى بدأت 2012 وانتهت 2013، هى الفترة الوحيدة التى تنكرت فيها. كنت ألبس كوفية وطاقية ونظارة غامقة، لأنك كما تعلم، الناس تموت فى الشارع، كانوا يقتلون أى شخص.

أتذكر مظاهرة لـ«الإخوان» مرت على سيارة، كان فيها بنت تضع صورة «البرادعى» على السيارة، وحين انتهت المظاهرة من المرور، كانت البنت مقتولة فى السيارة، قتلوها وأكملوا مظاهرتهم. من منّا ينسى الحسينى أبوضيف أو محمد الجندى؟ فترة كانت فعلًا عصيبة بالنسبة لىّ، كلنا رأينا جرائمهم علنًا.

وبصفة عامة، أنا لا أحب فكرة «البطولة المؤجلة»، تحدثت عن التوريث فى عز التوريث، وكتبت قصيدة «الواد كبر»، وفى وجود حسنى مبارك أيضًا كتبت «الفترة الجاية لسوهارتو»، خلال تجديد فترته الرئاسية. قلتها فى معرض الكتاب ونشرتها، وما زال «مبارك» رئيسًا لمصر. كما قدمت «نعى الجنيه»، التى كتبتها فى عام 1978، ونشرتها فى 1984، و«مرمر زمانى» و«متغربيناش». ما يقال يُكتب وينشر، لا أكتب وأركن، بل أكتب وأقول، وعليك أن تتحمل ضريبة موقفك طالما أنت مقتنع به 100%.

■ ما توقعاتك لمستقبل شعر العاميةفى زمن «الذكاء الاصطناعى»؟

- مستقبل الإنسان نفسه لم يعد مضمونًا. ومهما وصل التطور فلن يضاهى الإنسان فى كتابته. الذكاء الاصطناعى وغيره لن يكتب شيئًا أصيلًا. حتى فى الموسيقى هناك محاولات هائلة لـ«الذكاء الاصطناعى»، لكن اللمسة الإنسانية تظل واضحة، لذا تشعر بأن هذا المنتج المولَد مصطنعًا.