نائب رئيس القناة.. عبدالناصر وصفى: أزمتنا فى الدعم والإمكانات
يشغل عبدالناصر وصفى بالوقت الراهن منصب نائب رئيس قناة النيل الثقافية، فقد بدأ عمله منذ تأسيسها فى عام 1998 كمساعد مخرج فى برنامج «شعبيات»، ثم أخرج سلسلة من الأفلام التسجيلية حول الاكتشافات الأثرية الجديدة فى مصر، والذى كان برنامجًا نادرًا فى التليفزيون المصرى آنذاك؛ إذ لم يكن يتناول الاكتشافات المعروفة والشائعة، وإنما ركّز على الاكتشافات الحديثة. وقد حقق البرنامج نجاحًا كبيرًا، وحصل على العديد من الجوائز، ويُعرض الآن على الخطوط الأوروبية فى مصر للطيران للترويج للآثار المصرية.
عمل وصفى على مدار تاريخ القناة مع مختلف الإدارات التى مرّت عليها، وتولى الإشراف على إدارة الإخراج بالقناة الثقافية لفترةٍ طويلة. كما أجرى دراستين أكاديميتين للماجستير والدكتوراه كانت قناة النيل الثقافية حاضرة بهما.
فى حديثه مع «حرف» عقد وصفى مقارنة بين الماضى والحاضر على مختلف المستويات فيما يخص العمل بالقناة، كما تحدث انطلاقًا من دراستيه عن أبرز نقاط القوة التى تحتاج لتعزيز واهتمام بالقناة، وأهم نقاط الضعف التى يتعيّن التعاطى معها للنهوض بدور القناة فى الحياة الثقافية المصرية.

انطلاقة قوية
قال وصفى إنه عمل مع إدارات متعاقبة للقناة بدءًا من جمال الشاعر وحتى اليوم، معتبرًا أن الفترة الأولى للقناة برئاسة جمال الشاعر كانت هى الأكثر توهجًا والأقرب لتحقيق أهداف القناة، إذ أثرت بالفعل فى الناس وكانوا فى حاجة ماسة إليها.
وأشار إلى أن قناة النيل الثقافية ما زالت تحتفظ بالعديد من نقاط القوة، إذ تعد المنفذ الوحيد للمثقفين المصريين والعرب، موضحًا: «بالمقارنة مع أى قناة أخرى، سنجد أن نسبة ظهور المثقفين نادرة، بينما تحتضن القناة الثقافية نسبة كبيرة منهم من مختلف الأطياف على مدار اليوم. كما أن من نقاط القوة وجود عاملين على درجة كبيرة من الثقافة، إذ إن معظمهم من الأدباء والشعراء والأكاديميين. فهم يمثلون كنزًا حقيقيًا، لكن تنقصهم الإمكانيات. وهذه أولى نقاط الضعف؛ فالقناة لا تمتلك استديوهات مجهزة بشكل جيد، ولا ديكورات مناسبة للبرامج. ولو توافرت الإمكانيات المادية والفنية لأنتجوا عملًا مميزًا».
وفيما يتعلق بنقاط الضعف الأخرى التى ما زالت حاضرة بالقناة، قال وصفى: الخريطة البرامجية لا تحقق أهداف القناة، ففى أحيان كثيرة نجد أن نسبة البرامج الأدبية كبيرة جدًا، بينما تغيب مجالات أخرى، نحن بحاجة إلى تخطيط جيد وإمكانيات لتحقيق التنوع المطلوب.
وتابع: للأسف، ما زال التليفزيون المصرى يعمل بنظام الشرائط لا بالأقراص الصلبة، ولم تعد هناك شرائط تُنتَج، مما يضطرنا إلى مسح الشرائط القديمة وإعادة استخدامها. وقد تسبب ذلك فى محو جزء كبير من تراث القناة، بما فى ذلك حلقات نادرة، بينما بقيت بعض البرامج الأخرى لكنها لا تُعرض فى الخريطة الحالية. وهذه مشكلة، إذ ينبغى إعادة النظر فى البرامج القوية وبثها مجددًا.
تقييم أداء
فى عام ٢٠١٠، حصل وصفى على درجة الماجستير عن رسالته حول تقييم أداء قناة النيل الثقافية، وعنها قال: كانت الدراسة علمية بحتة، بعيدة تمامًا عن المجاملة، وقد ناقشنى حينها رئيس القنوات المتخصصة الدكتور أسامة الشيخ. وأشاد بأنى لم أجامل القناة، إذ اعتمدتُ على فكرة تقييم الأهداف المعلنة: هل تحققت بالفعل أم لا؟
وأضاف: أجريتُ دراسة لتحليل مضمون ما تقدمه القناة، وأخرى حول القائم بالاتصال، إضافة إلى دراسة عن الجمهور، لقياس مدى تحقق الأهداف ومدى وصولها إلى المشاهدين وتأثيرها عليهم. لكن للأسف، فى تلك الفترة كان تحقيق الأهداف ضعيفًا، وكان هناك خلل واضح فى بعض الإدارات، إذ إن بعض الإدارات لم يكن لها إنتاج يُذكر، مثل إدارة البرامج السياحية وإدارة البرامج العلمية، ففى عام ٢٠١٠ تبيّن أن معظم البرامج كان مركَّزًا على الآداب والفنون، ولم يكن هناك توازن فى تحقيق الأهداف. كما أن غالبية العاملين لم يكونوا على دراية بأهداف القناة، فكل منهم كان يعمل على مستوى برنامجه الخاص دون النظر إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية العامة.
واستطرد: اعتمدتُ فى دراستى على عينة عمدية من المشاهدين الفعليين للقناة، وكانت نتائجها أن الجمهور بحاجة إلى برامج علمية، وأخرى تُعنى بالتراث، إلى جانب برامج لتبسيط العلوم. وهو ما أوصينا به.
لكن ما توصلتُ إليه بشأن القناة، للأسف، لم يتغير كثيرًا. ففى الفترات الأخيرة بدأنا نطالب بوضع خريطة برامجية على أسس سليمة: أن نحدد أولًا ما نريد تحقيقه من أهداف، مثل الارتقاء بالذوق العام، وتبسيط العلوم، وتقديم الفنون الرفيعة والشعبية. ثم تطوير هذه الأهداف بما يلائم العصر، وإضافة أهداف جديدة، وبناء الخريطة البرامجية بناءً عليها، مع متابعة ردود فعل الجمهور بشكل دورى وقياس أثر البرامج عليهم. وهذا ما نفتقده حتى الآن، إذ لا يوجد عمل يعتمد على أسلوب علمى منظم.
الثقافة حياة
قال وصفى: من المفترض أن تكون القناة الثقافية من أهم القنوات فى التليفزيون المصرى، لأنها قناة جادة تحافظ على الهوية الثقافية والفكرية، ولها جمهورها المخلص.
وتابع: من أحلامى أن لا يكون للقناة الثقافية جمهور خاص بها فقط، بل أن تستقطب كل شرائح الجمهور. فقد كان شعارها فى وقت من الأوقات «الثقافة حياة»، وهو ما ينبغى أن يتحقق، بحيث يجد كل مشاهد ما يجذبه على مستوى اللغة والمضمون، وأن نصل إلى الجمهور البسيط ونجعله يتعرف إلى التاريخ والفنون والآداب.
ودعا وصفى إلى الاهتمام بمشروع الرقمنة واعتبره ضرورة قصوى للنهوض بمستوى القناة قائلًا: لدينا مكتبة كبيرة من البرامج يمكن استغلالها، لكن المشكلة أن البرامج المنتجة فى العشر سنوات الأخيرة تُسجَّل فى الاستديو، وتُعامَل باعتبارها برامج هواء، فلا تُؤرشف، بل تُمحى بعد فترة، رغم أنها تحتوى على مواد قيّمة. وهذا ما يحدث حتى الآن. أما الحضور على وسائل التواصل الاجتماعى أو على «يوتيوب» فيتم بشكل مقتطع وبجهد فردى، مما شتّت الجهود. والمفترض أن تكون للقناة صفحة أو قناة محددة ذات أسلوب واضح لجذب الجمهور.
واستطرد: كنتُ من أوائل من قابلوا الأستاذ أحمد المسلمانى حين تولى رئاسة الهيئة، وكانت قناة النيل الثقافية أول قناة يجتمع بها. وقد أبدى اهتمامًا بالغًا بها، وقال إنها القناة الأولى التى تحافظ على الهوية الثقافية المصرية. وقد وعد بتوفير الإمكانيات خلال الفترة المقبلة، وإطلاق البث بتقنية HD، وهى خطته التى نأمل أن تتحقق، فمشكلتنا ليست أزمة أفكار ولا أزمة كوادر، بل أزمة إمكانيات ودعم.







