هذه ليست حكاية عبده سعيد.. نادية الكوكبانى بعد الفوز بـجائزة نجيب محفوظ: أعرف مصر «حتة حتة»
- أنا الوحيدة التى تملك قرار التوقف عن الكتابة.. ولن يحدث
- قضيت فى القاهرة أجمل سنوات حياتى أثناء تحضير الدكتوراه
- ارتباطى باسم «أعظم روائى فى الوطن العربى» فخر وشرف
- أتمنى تحويل «هذه ليست حكاية عبده سعيد» لفيلم أو مسلسل
جاء إعلان فوز الكاتبة اليمنية نادية الكوكبانى بجائزة نجيب محفوظ للرواية فى مصر والعالم العربى لعام 2025 التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، وذلك عن روايتها «هذه ليست حكاية عبده سعيد»، ليُعرف المصريين بروائية صاحبة تجربة خاصة وأعمال تستحق القراءة والاحتفاء.
نادية الكوكبانى أستاذة فى الهندسة المعمارية بجامعة صنعاء، لذا خاضت رحلة فريدة بين الهندسة المعمارية والشغف بالأدب، توجت بحصولها على جائزة تحمل اسم «معلم» الرواية العربية وأستاذها الأول نجيب محفوظ.
عن أثر الدراسة والعمل الأكاديمى فى إبداعها السردى، وما تمثله لها القاهرة، التى عاشت فيها 4 سنوات حتى حصلت على درجة الدكتوراه، والمشهد الثقافى اليمنى وتأثره بالراهن السياسى، خاصة بالنسبة للكاتبات، وغيرها من التفاصيل الأخرى، يدور حوار «حرف» التالى مع الروائية اليمنية نادية الكوكبانى.

■ بداية.. هل يمكن أن تعرفى القارئ المصرى بكِ؟
- أنا نادية يحيى الكوكبانى، كاتبة يمنية، وأستاذة جامعية فى الهندسة المعمارية بجامعة صنعاء. نشرت ٥ مجاميع قصصية، و٥ روايات فى الجانب الأدبى، إلى جانب عدة أبحاث محكمة فى الجانب الأكاديمى. كما أننى أم لـ٣ أبناء.
■ ماذا تمثل لك جائزة نجيب محفوظ؟ وهل توقعتِ الحصول عليها؟
- سعادتى غامرة بالفوز بجائزة نجيب محفوظ، فهى تمثل لى الكثير، وشرف كبير منحته لى مصر الحبيبة، التى أكن لها كل حب وتقدير. إضافة هذه الجائزة لمسيرتى الأدبية، وارتباط اسمى بأسم أعظم روائى فى الوطن العربى، فخر وشرف كبير، عزز ثقتى بنفسى، وحفزنى على الاستمرار فى الكتابة، لكونه مؤشرًا حقيقيًا وصادقًا على أننى أسير فى الطريق الصحيح لاستكمال مشروع حياتى الأدبى.. كانت مفاجأة رائعة حصولى على تلك الجائزة.
■ كيف يمكن أن يؤثر فوزك على حضور المرأة الكاتبة فى اليمن؟
- وجود النموذج والشخصيات المُلهِمة ضرورى فى الحياة. سمعت هذه الكلمة كثيرًا أثناء تهنئتى بالجائزة، من نساء ورجال. بالتأكيد سيكون هناك زوايا إلهام متعددة، لكن المهم الأثر والتواجد كنموذج فى جانب معين، أو جوانب متعددة.

■ درست الهندسة المعمارية وتدرسينها حاليًا فى جامعة صنعاء.. إلى أى مدى أثرت دراستك وعملك الأكاديمى على كتاباتك الأدبية؟
- شغف الكتابة بدأ لدى فى سن مبكرة جدًا خلال الطفولة، فضلًا عن أننى كنت أقرأ كثيرًا فعرفت العالم من خلال الروايات. عرفت المكان، المدن، العمارات، ومؤخرًا عندما كنت أسافر لم يكن أحد يصدق أننى لم أزر هذه المدن والأماكن من قبل. شغف الكتاب وحب العمارة اجتمعا معًا لدى، فأصبحت الكتابة هواية، والعمارة شغفى الحقيقى الذى يربطنى بالعالم وكل الفنون.
كما أننى أحب التدريس، لذا كنت قد وضعت لنفسى هدفًا منذ دراستى للعمارة، أن أتفوق وأحضر دراسات عليا وأعود لأُدرس فى الجامعة، وهو ما حدث لاحقًا، عُينت معيدة بالجامعة، ومع حصولى على الماجستير عينت مدرسًا مساعدًا. بعد ذلك، درست الدكتوراه فى مصر، خلال الفترة من ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٨، وكانت أجمل سنوات حياتى أنا وأولادى، فقد كانوا يقيمون معى فى القاهرة، ما عزز حب مصر فى قلبى كثيرًا خاصة القاهرة، «اللى عرفاها حتة حتة».
أما عن تأثير العمارة على سردى الروائى فيبرز فى رواية «صنعائى»، وتمكنى فيها من وصف المكان بشكل يكاد يلامس حواس القارئ. فكرة أن تكون الرواية عن صنعاء جاءت من أستاذنا الكبير نجيب محفوظ عندما عرف العالم عن القاهرة من خلال الكتابة عنها وعن تاريخها وأزقتها وبيئتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
فكرت فى التماهى مع هذه الفكرة، والكتابة عن صنعاء، فجاءت الرواية الثالثة لى بعنوان «صنعائى»، وتلاها الثلاثية وهى مشروع روائى لى بعد «صنعائى»، ومنشورة فى «دار الهلال» المصرية، والجزء الثالث والأخير منها هى الرواية التى نلت عنها جائزة نجيب محفوظ «هذه ليست حكاية عبده سعيد»، والتى تتناول تاريخ اليمن الحديث من ١٩٦٢ حتى ٢٠١١.
■ أشرت إلى أن فعل الكتابة يمثل لك «مشروع حياة».. ماذا لو أرغمتِ على التوقف عن الكتابة؟
- نعم، الكتابة بالنسبة لى مشروع حياة، وحدثت ظروف كثيرة فى حياتى حاولت إيقافى عن الكتابة، وواجهتها بصلابة قوة مشروعى ومشروعيته فى حياتى، دافعت عنه بشراسة، وتخليت عن أشياء كثيرة من أجل الكتابة، وأنا الوحيدة التى تملك هذا القرار الذى لن يحدث.

■ مَن أصعب شخصية خلقتها فى روايتك «هذه ليست حكاية عبده سعيد»؟
- شخصية «عبده سعيد» نفسه، فقد كانت المرة الأولى التى يغوص فيها ذهنى وتخييلى فى عالم الرجل، وكيفية التعبير عنه، مشاعره، تحولاته، تناقضاته، والأهم علاقته مع النساء. وكما كان صعبًا خلقه كان أيضًا التخلص منه بعد أن كتبت الرواية، فقد عشت معه ٦ سنوات، رافقنى فيها أكثر من أهلى.
■ هل لشخصيات الرواية ملمح من الواقع؟
- الشخصيات مزيج روائى بين الواقع والتخييل المطلوب لصناعتها من وجهة نظر الكاتب نفسه، لهذا تكون حقيقية ومؤثرة، وتلامس القارئ، الذى غالبًا ما يجد نفسه فى ملمح أو أكثر فيها. هنا يتحقق تأثير الكتابة، وهو أمل كل كاتب. التماس الحقيقى مع المجتمع وقضاياه ووصولها له هو الأثر المطلوب.
■ هل تقودك شخصياتك الروائية لكتابتها أم تحددين أنت مصائرها ومآلاتها؟
- أمر بالخيارين فى الكتابة، هناك شخصية تقودنى لكتابتها لشدة تأثيرها وتميزها، والتقاط شراراتها من الواقع. وهناك شخصية أتحكم فيها وفى مصيرها لاستكمال زاوية فى البناء الروائى، وفى الحالتين أعتمد على حجم الشخصية فى الرواية، وتأثيرها وعلاقتها بالشخصيات الأخرى.

■ إلى أى مدى تعكس أعمالك هموم المجتمع اليمنى ونسائه خاصة؟
- يلزم الكاتب الكتابة عن ذاته الممتزجة بسيرته وسيرة المكان والزمان وتحولاتهما، وهذا ما فعلته فى روايتى الأولى «حب ليس إلا»، ومن ثم الكتابة عن «قضيته» فى مرحلة ما، ليستطيع رؤية ما حوله والكتابة عن مواضيع أخرى، وهذا ما فعلته فى رواية «عقيلات»، ومن ثم أصبح لى مزاج وربما حرية الاختيار فى الكتابة الروائية المتنوعة التى تلامس الزمان والمكان والتاريخ.
أما كتابتى عن النساء فقد كانت من خلال رواية «عقيلات»، إذ بدأت الرواية كمزحة بين صديقاتى بسؤال: «لماذا لا تكتبين عنا؟»، وقد فعلت، لكن بـ«تكنيك» مختلف، تمازجت فيه الشخصيات حتى بدت كأنى أكتب عن مشكلاتهن لا عن شخصياتهن. لذا، لم تستطع أى واحدة معرفة شخصيتها، ولكن معرفة معاناتها التى تجمعت لتكون معاناة كل الشخصيات النسائية فى الرواية.
أعتقد أننى نجحت فى هذا التمويه من خلال رد الفعل لصدى الرواية بينهن بعبارة: «لولا تلك التفصيلة فى الشخصية (ن. ى) لقلت إنه أنا». وطبعًا أبتسم، لأن معظم النساء يواجهن مصيرهن بنوع من القبول وتحمل المعاناة، لإثبات نجاح قصتها الزوجية وتربية أولادها، وهى تضحية بالطبع تجد النساء أنفسهن فى قلبها، عن طيب خاطر غريزى لا تنفك منه بسهولة.
ولا أعتقد أن هناك اختلافًا فيما تواجهه النساء فى اليمن وفى العالم العربى، بل وفى العالم، المشاكل متشابهة، والمعاناة مستمرة، والاختلاف فى طريقة مواجهتها حسب المجتمع التى تتواجد فيه، بالمهادنة وربما الخضوع، أو بالمواجهة والتمرد. لذا، قد تكون الرواية أنارت الطريق لكليهما بمقولة «اللى تشوف مصيبة غيرها تهون عليها مصيبتها»، أو«لن أصبر وعلىّ المواجهة». المهم أن يكون قراراها حرًا فى الحالتين.
■ على ذكر النساء.. كيف ترين حضور الكاتبات فى المشهد الثقافى اليمنى؟
- حضور الكاتبات اليمنيات كان موجودًا فى المشهد الثقافى بقوة وكثرة حتى قيام الحرب على اليمن فى ٢٠١٥، بعدها بدأ يخف تدريجيًا لأسباب كثيرة، منها خروج البعض من اليمن، وانشغال البعض الآخر بالحياة فى ظل الحرب. وفى الحالتين هناك ما يمكن تأجيله فى الأدب أمام لقمة العيش، التى بات الجميع يبحث عنها، فى وضع اقتصادى سيئ، وانعدام رواتب، وغياب الاستقرار.

■ هل تشعرين أن الكتابة بالنسبة لك فعل مقاومة، أم فعل تأمل، أم كليهما؟
- لا أحب كلمة «مقاومة» وأفضل عنها فعل «تماس مع العالم». وجهة نظرى مع كل ما حولى، بطريقة أتأمل فيها، أتفاعل، أبحث، أكتب، أعدل، أصل فى نهاية المشوار للرضا الداخلى، وهو ما تمنحه إيانا الكتابة.
■ هل تشعرين أن الكاتبة تواجه تحديات مضاعفة مقارنة بالكاتب الرجل، خاصة فى اليمن؟
- نعم، تمامًا، أرى ذلك حولى من خلال من أعرف من الكاتبات، وعنى شخصيًا، فقد عانيت كثيرًا من هذه التحديات على المستوى العائلى أولًا، وواجهته بتحدٍ آخر وربما مواجهة صارمة بأهمية الدفاع عن كيانى وعما أكتبه على المستويين الشخصى والمجتمعى معًا. كنت فى فترة أكثر استيعابًا لهذه التحديات، وطمأنة المحيطين بى بالمهادنة لفترة والمواجهة فترة أخرى. وأمام إصرارى الشرس فى الاستمرار لم أعد أهتم بردود الفعل تجاه أعمالى، وكل ما أفعله أننى أسير فى طريقى ولا أرى غير مشروعى الأدبى الذى ما زال فى بدايته.
■ كيف تقيّمين المشهد الثقافى اليمنى فى ظل الظروف الراهنة؟
- أسست «جائزة السرد اليمنى- حزاوى» عام ٢٠٢٢، وحصلت على تمويل من بنك اليمن والكويت، ونحن الآن بصدد الإعلان عن الدورة الخامسة، ما يسهم فى الحفاظ على المشهد الثقافى أمام استمرار الحرب وانشغال الجميع بها. وأستطيع القول إن المشهد مع وجود الجائزة «يقاوم» ويواجه كل التحديات بالاستمرار، ويجعل السرد حيًا فى كل اليمن، وهذا ما يصلنا من أعمال للجائزة من معظم المحافظات. وهناك أيضًا نادى القصة «إيل مقه» فى صنعاء، الذى يقوم بدور ثقافى مهم، عبر تنظيم فعاليات ثقافية متنوعة، ولجميع الأعمار، بشكل أسبوعى. وفى باقى المدن هناك حراك ثقافى مدعوم من منظمات المجتمع المدنى، خاصة عدن وحضرموت.

■ ما الذى يحتاجه الكاتب اليمنى اليوم ليستمر ويصل إلى القارئ؟
- فى الحرب تضيع أشياء كثيرة، وقد ضاع من الكاتب اليمنى الأمان والشعور بالاستقرار ليستمر فى إنتاجه، وغاب عنه الدعم المادى، واختفى راتبه، ووجد نفسه فى دائرة البحث عن قوت يومه تحت نيران الحرب، التى ما زالت مستمرة منذ ١٠ أعوام، وتحت ألم تفسخ النسيج المجتمعى داخل الوطن الواحد. هذا يجعل الكاتب مُنهكًا نفسيًا لا يستطيع التفكير فيه، فما بالك الكتابة عنه؟!
■ هل ما زال الأدب قادرًا على إحداث تغيير حقيقى فى المجتمع؟
- نعم، وحصولى على جائزة قيمة على مستوى الوطن العربى، مثل جائزة نجيب محفوظ، دليل على ذلك. قد أكون استثناءً، نعم. لكن أثر هذا الاستثناء لاحقًا على المشهد سيحدث تغييرًا حقيقيًا. هذا ما وجدته من خلال التفاعل مع الجائزة. وقد يكون التغيير على وجود العمل نفسه، وأتطلع على إثره الحقيقى فى الحياة المجتمعية. لذا أطمح لتحويله إلى عمل مُشاهَد من خلال فيلم أو مسلسل فى القادم القريب.

■ لمن قرأتِ من الكُتَّاب المصريين؟ ومن ترك أثرًا عليك لا يُمحى؟
- قرأت لمعظم الكُتاب والكاتبات المصريين على مر الأجيال. أثر فىَّ الروائى نجيب محفوظ والروائى يوسف زيدان، والروائية ميرال الطحاوى بشكل كبير جدًا، فى طريقة تفكيرى فى البناء الروائى واللغة. ومؤخرًا أنا مندهشة باكتشاف الكاتب عمر طاهر من كل النواحى، كتابته الروائية والتوثيقية، وبرامجه المتعددة.
■ ما جديدك الإبداعى؟
- أعمل على فكرة مشروع روائى، لكن لم أبدأ الكتابة بعد.
■ ما التحديات التى تواجهينها أثناء الكتابة وكيف تتغلبين عليها؟
- أواجه تحدى الوقت فى الكتابة لأننى لست متفرغة تمامًا. لكن أتغلب عليها بتنظيم وقتى، واستغنائى عن الحياة الاجتماعية، وبعض التفاعل العائلى.







