المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد محمود.. العراب

الدكتور أحمد محمود
الدكتور أحمد محمود

13 ديسمبر ١٩٩٥، صدر العدد الأول من جريدة «الدستور»، اللى ما كانتش فى مراحلها المختلفة مجرد رقم فى أرقام الجرايد المصرية، إنما هى حالة سواء على مستوى الصحافة أو الثقافة أو السياسة، حالة مؤثرة سواء شفت التأثير دا إيجابى أو سلبى أو له ما له وعليه ما عليه.

بـ طبيعة الحال، النماذج اللى زى دى، كل من ساهم فيها بـ يتطلع لـ رسم أكبر دور ممكن لـ نفسه، أو لو حضرتك متحمس ومتابع لـ حد معين بـ تعمل معاه الشىء نفسه، وأنا مش عايز أدعى إنى أقدر أقيم دور وجهد كل حد شارك، رغم إنى كنت فى مطبخ الجريدة وقتها، إنما مش دا اللى جى أقوله النهاردا.

اللى حابب أشير له إنه مفيش ناس كتير بـ تشير لـ دور الدكتور أحمد محمود فى الموضوع، رغم إنه، فى تقديرى، له النصيب الأكبر من الأسباب اللى أدت لـ انتشار الجريدة وتعلق كتير من القراء بيها، ما أدى لـ صناعة اسمها اللى اعتمدت عليه فى كل مراحلها بعدين.

دكتور أحمد محمود تخصص فى مجال ما كانش فيه وقتها اهتمام كبير بيه، وهو الإخراج الصحفى، يعنى الشكل اللى بـ تصدر فيه الجريدة، و«رسم» الصفحة وتوزيع الصور فيها، واختيار الفونت المكتوب بيه الكلام، وحجم المادة الصحفية، وأنماط المانشيتات، وكل هاتيك الأمور.

وقتها، كان اللى بـ يهتم شوية بـ الكلام دا هى المجلات نسبيًا، لكن الجرايد كانت بـ تصدر فى شكل أعمدة جامدة، ولو فيه صور بـ تبقى فى إطار محدود ولـ وظيفة محددة، وعادى جدًا تلاقى صفحة طويلة عريضة مفيهاش صورة واحدة ولا أى تنويع، مجرد رص كلام، مهما كانت قيمته، مفيش عنصر جذب لـ عين القارئ.

لما صدرت «الدستور»، كانت جريدة أسبوعية مش يومية، ودا معناها إنه فرصتها فى المنافسة الخبرية معدومة، فـ الاعتماد كله على الأفكار اللى ربما تكون صالحة أكتر لـ النشر فى المجلات، لكن تكاليف طباعة المجلة مش سهل توفيره، خصوصًا إنه الموضوع كله كان مغامرة.

مهما كنا كتبنا كـ محررين، ومهما كان قادة الجريدة، وعلى راسهم بـ الطبع رئيس التحرير، ابتكروا من أفكار، ومهما كان الديسك بارع فى صياغة مانشيتات، ومهما كان فيه مثقفين، ما كانش دا فى رأيى هـ يحقق المردود من غير الشكل اللى أبدع فيه أحمد محمود، واهتم بـ كل تفاصيله، وابتكر ما لم نكن نعرفه وقتها.

أنا فاكر يوم التقفيل الاتنين مساء من كل أسبوع، اللى بـ يمتد لـ نهار التلات بـ شكل متواصل، وإحنا فى غرفة الكومبيوتر «الكومبيوتر نفسه كان اختراع شحيح الوجود» وأحمد محمود مايسترو بـ يتدخل فى كل تفصيلة، بـ حيث يعبر بـ دقة عن أفكار التحرير ورئيسه الأستاذ إبراهيم عيسى.

ما أقدرش أقول إنه كنت قريب شخصيًا من الدكتور، إنما كنت مهتم جدًا بـ تأثيره، وبـ كل ما يدور من نقاشات حول تأثيراته، اللى امتدت لـ صحف تانية بعدين، سواء من خلال وجوده هو نفسه كـ مدير فنى ليها، أو وجود حد من تلاميذه اللى اتعلموا منه، واللى أسس لهم قواعد فضلنا نحافظ عليها فى مختلف الجرايد لـ مدة ١٥ سنة بعدها على الأقل.

أهم حاجة لاحظتها فى الدكتور أحمد، إنه رغم ثقافته ومعرفته الشخصية، كان بـ يعرف كويس حدود عمله، فـ لا يتدخل فى المادة الصحفية أو اختيارها، لـ إن دوره هو إنه يعبر عنها بعد ما تكتمل فى أذهان أصحابها، وهو كان خير المعبرين.