الجمعة 07 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

إذا خاطبنا الجاهلون قلنا سلامًا.. لماذا يكره المتأسلمون الحضارة المصرية القديمة؟

حرف

- صافيناز كاظم أثبتت انتماءها للفكر الإخوانى والسلفى المتطرف بعدائها للحضارة المصرية

كان المصريون يحتفلون بفرحة غامرة بقرب افتتاح المتحف المصرى الكبير؛ باعتباره إنجازًا كبيرًا أسهمت فيه الدولة المصرية بكل مؤسساتها، مشروع عملاق يعبر عن قوة مصر، التاريخ والحاضر، ويعكس أصالتها الحضارية، فى حالة من التواصل الذى لا ينقطع أبدًا.. دولة تبنى وشعب يتباهى. 

خرج المصريون إلى الشوارع يعبرون عن فرحتهم بطريقتهم الفطرية التلقائية. 

غنوا ورقصوا وأحاطوا مبنى المتحف الكبير بسياراتهم، وكأنهم يزفونه يوم فرحه. 

كتبوا على صفحاتهم ما عبروا به عن فخرهم الشديد بما يتحقق على أرضهم. 

طالت رقابهم وشعوب العالم كلها تتابع بشغف أخبار متحفهم ويسعون إلى زيارته. 

وبينما نفعل ذلك، خرج علينا من أعتبرهم «أعداء الحياة» ليفسدوا على الناس فرحتهم. 

قالوا وكتبوا ودخلوا إلينا من مدخل يعرفون أنه يمكن أن يكون مؤثرًا.. وهو مدخل الدين. 

وضع هؤلاء الخصوم الحضارة المصرية القديمة فى مواجهة واضحة وصريحة مع الإسلام، جعلوا منه ندًا لما أنجزه أجدادنا، وقرروا أن يجرونا إلى ساحة التكفير، فهم يعتبرونهم كفارًا، ويجب ألا نحبهم أو نحتفل بهم أو نتفاخر بما قدموه للإنسانية، ولا تزال أسراره تتكشف حتى الآن. 

لن أشغلكم بكلام نظرى عما جرى، ولا بمزيد من التنظير حول ما قالوه، لكن ما رأيكم أن نقتحم قلبهم وبالأسماء، وما تخفيه هذه الأسماء من انتماءات وأيديولوجيات وأهداف ليست خافية علينا، فالمرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تحدث ظهر، وهؤلاء ظهروا بشكل فاضح.. فضحوا أنفسهم بأنفسهم، وتركونا نشاهدهم عن قرب. 

النموذج الأول هو الكاتبة صافى ناز كاظم التى كتبت على صفحتها: الحضارة الحقيقية دخلت مصر حين دخلها الإسلام وكل ما عداه هباء منثورًا. 

قبل أن ينقض المعترضون على منطق ومنهج صافى، داعبها الكاتب الصديق مؤمن المحمدى على صفحته بقوله: أنا بس بدى أفهم ليه الأستاذة صافى ناز كاظم فى البوست المشهور نصبت كلمة «منثور» وخلتها منثورًا؟ هباء خبر مرفوع، ومنثور تابع له، والتابع مرفوع مثله، كدا اللغة العربية تزعل. 

بروحه الساخرة غمز ولمز مؤمن فى جدارة صافى ناز التى تدافع عن الإسلام دون أن تكون لها دراية باللغة العربية، ما يجعلنا لا نطمئن لأى شىء تقوله، فإذا كانت لا تجيد اللغة العربية، ولا تستطيع توظيفها فيما تقوله، فما الذى يجعلنا نستمع إليها من الأساس؟ 

لكن بعيدًا عن السخرية من صافى، فإننى قرأت ما قالته على خلفية انتمائها الملتبس إلى التيار الإسلامى، وتحديدًا الإخوان المسلمين، فهى ورغم تاريخها المهنى وكتاباتها المختلفة فى النقد الفنى والمسرحى، إلا أنها من آن لآخر تثبت لنا انتماءها للفكر الإخوانى والسلفى المتطرف بعدائها للحضارة المصرية. 

بخبث شديد كتبت صافى ما كتبته. 

أرادت أن تهدم الفرح على رءوس الجميع، وحتى تزعزع عقيدة المصريين الراسخة بانتمائهم إلى تاريخهم وحضارتهم التى يشهد لها ويشهد عليها الجميع، خرجت علينا لتقول إنه لا حضارة لدينا قبل الإسلام، وكل ما عداه هباء منثور، وكأنها بذلك تغلق الباب أمام أى وكل مناقشة، فبالنسبة لها رفعت الأقلام وجفت الصحف، فمن ينتمى إلى الإسلام يجب ألا ينتمى إلى ما سبقه. 

لاقت صافى ناز هجومًا تستحقه فى الحقيقة، فقد خرجت على المزاج المصرى العام، ضربت عرض الحائط بما قرر الناس أن يكونوا عليه، لكننى ربما ألتمس لها العذر، فهى ومنذ سنوات أصبحت خارج التاريخ والحاضر والمستقبل أيضًا، لا تعرف ما يحدث من حولها، ولذلك فهى تتحدث عن مصر لا نعرفها، وعن مصريين لا تعرفهم. 

النموذج الثانى هو الشيخ السلفى مصطفى العدوى، الذى تم التحقيق معه على خلفية ما قاله قبل افتتاح المتحف، وتم الإفراج عنه بكفالة ١٠ آلاف جنيه، ومعنى ذلك أن هناك قضية قائمة، وستتم محاكمته على ما قاله. 

لكن مَن هو العدوى.. وماذا قال؟ 

فى الأوساط السلفية وبين عامة الناس يعرف كثيرون أنه واحد من وجوه الدعاة السلفيين المشهورين، يعيش تقريبًا فيما يشبه الكمبوند فى منية سمنود بالدقهلية، داخل هذا الكمبوند بيوته ومسجده، فلا يكاد يخرج منه، يجلس معظم الوقت أمام الكاميرات يتحدث مع الناس ويفتيهم. 

وكما فعلت صافى ناز كاظم فعل العدوى، دخل للناس من المدخل الدينى الذى يعرفه ويفضله ويدرك أنه سيكون مؤثرًا. 

فكما وضعت صافى ناز الإسلام فى مواجهة الحضارة المصرية، وضع العدوى محبة الله ورسوله فى مواجهة محبة الفراعنة، وبالنسبة له فالمسألة محسومة، فعندما يقول هل محبة الله أفضل أم محبة الفراعنة؟ سيجد الإجابة الجاهزة هى محبة الله ورسوله طبعًا. 

ما فعله العدوى ومن قبله صافى ناز نوع من التدليس، فهما يقارنان ما لا يقارن. 

فالفخر بالحضارة المصرية القديمة وما أنجزته لا يتنافى مع الانتماء للإسلام. 

ومحبة المسلم لله وللرسول لا تتناقض مع حبه لرموز حضارته القديمة. 

العدوى ولأنه داعية استخدم استمالات عاطفية أكثر من صافى ناز التى تعاملت بأن قولها هو القول الفصل، ويجب ألا يراجعها فيه أحد. 

دعا العدوى المصريين إلى أن يتبرأوا من فرعون وجنده، فليس معقولًا أن يركن المسلمون إلى شخص قال أنا ربكم الأعلى، وسواء كان هذا الشخص هو فرعون موسى أو غيره من الكفرة، فإننا نعبد الله وحده لا شريك له، ويجب أن نعلن براءتنا من كل كافر حكم مصر أو غيرها. 

قال: لا نعتز بأن فرعون جدنا، أو نحن حضارة ١٠ آلاف سنة، هذا لا ينفعنا، ينفعنا أن نحب الله ورسوله، فالمرء مع من يحب، لا أحب حتشبسوت ولا عنخ آمون ولا أحب أبوالهول ولا أحب خوفو ولا خفرغ، أحب ربى، أحب دينى، أحب المسلمين، لأحشر معهم. 

وفى مناشدة عاطفية مكشوفة، يخاطب العدوى جمهوره، قائلًا: بالله عليكم يا أهل الإسلام هل ستسعدون يوم القيامة بحبكم لفرعون وآل فرعون، انتبهوا للفتن التى تمر بنا، فإننى أخشى على قلب سليم أن يتلوث بحب فرعون وآله، أخشى على المصريين أن يفتنوا بتمثال رمسيس، فالآن المتحف المصرى الكبير يضم الأصنام والتماثيل والكنوز التى كانت عند الفراعنة وطرائق التحنيط، جثث تم تحنيطها منذ عشرات الآلاف من السنين، وكأنها ماتت بالأمس أو منذ ساعات، فسبحان الله من أعطاهم هذا العلم، ولا نفتخر بهم كثيرًا، لكن ربنا قال: «قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين. 

العدوى هنا مدلس كبير، وصاحب منهج فاسد فى القياس، يخوف الناس بما هو ليس حقيقيًا، فالمصريون الذين فرحوا بافتتاح المتحف المصرى الكبير لم يتحركوا بانتصارهم للحضارة المصرية على حساب الإسلام، ولذلك فقد كان توجيهه لهم ليقتربوا من الاسلام ويبتعدوا عن رموز الحضارة المصرية باطلًا، فهم لم يبتعدوا أبدًا عن الإسلام. 

لقد تحرك العدوى فى مساحة كبيرة من الوهم، كما فعلت صافى ناز كاظم، ولذلك كان رد الفعل على ما فعلوه غاضبًا وعنيفًا، فبعيدًا عن السخرية لم يلتفت كثيرون لما قاله، وكأن المصريين امتثلوا للقاعدة القرآنية العظيمة «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا». 

وإذا قلت إن العدوى تم القبض عليه، وتم سؤاله عما فعل، سأقول لك إن ما جرى لم يكن أكثر من مساءلة داعية فتن عن مجمل أعماله، وقد يكون ما قاله عن المتحف المصرى ورموز الحضارة المصرية هو ما فتح الباب عليه وعلى أدائه الذى يشعل الفتن، ويجعل الناس فى حيرة من أمرهم، وأعتقد أن هذا تأخر كثيرًا. 

النموذج الثالث هو محمد إلهامى الذى يقدمه الإخوان على أنه مفكرهم الجديد ومنظرهم الذى يطاول سيد قطب، ورغم أن إلهامى يحاول إخفاء هويته الإخوانية مدلسًا علينا بذلك، إلا أن تاريخه يفضحه، وخطابه يكشف توجهاته وأهدافه ومقاصده. 

اشتبك إلهامى مع ما حدث لمصطفى العدوى بحيلة خبيثة ومكشوفة حاول بها أن يطعن فى النظام المصرى الذى يستهدفه ليلًا ونهارًا دون كلل أو ملل، وهو أمر لا يخفيه، فهو مستأجر، والمستأجرون يتبجحون بما عندهم، حتى يرضى عنهم من يمولونهم وينفقون عليهم بسخاء. 

يخدعنا إلهامى- كما يفعل كثيرًا- بحقيقة العدوى، فيذهب إلى أنه من أشهر الناهين والمعارضين لأى حراك ضد النظام، وذلك منهجه قديمًا حتى فى أيام مبارك، عندما تكلم فى مقاطعة المنتجات الفرنسية قبل خمس سنوات. 

يخفى إلهامى ما يعرفه جيدًا عن العدوى، فهو واحد من الذين يمثلون مرجعية لكثيرين انتموا إلى تنظيم داعش، دخلوا التنظيم بتأثير ما قاله، يدافعون عنه ويعتبرونه شيخهم، ويتجاهل ما يبثه من فتنة فى دين الناس ودنياهم. 

فعل ذلك حتى يصل إلى النتيجة التى خطط لها، وهى أنه مهما حاول العالم أو الداعية تجنب الاحتكاك والتناقض مع الأنظمة القائمة فستأتى عليه لحظة لا بد فيها من الاختيار. 

يدعى إلهامى كاذبًا ومختلقًا ومنتهجًا منهج الإفك عندما يقول لأتباعه إن الأنظمة القائمة تضيق على الجميع حتى تجعلهم بين اختيارين حقيقيين لا ثالث لهما: لا إله إلا الله أو لا إله إلا الدولة «النظام». 

وهو كلام يتنافى تمامًا مع الواقع، إنه يفعل مثلما فعلت صافى ناز كاظم، يضع النظام فى مواجهة الله، وهو كلام لا يقول به إلا معتوه أو مغيب، ولو فرضنا أن كلام إلهامى صحيح فيما يتعلق بالعدوى وأنه يدعو إلى عدم الخروج على الحاكم، فإن ما حدث له يؤكد أن النظام لا ينافق مؤيديه أو يحميهم، فما دام أقدم على خطأ، فلا بد أن يعاقب حتى لو كان يسبح بحمد النظام. 

الأكثر فجرًا أقدم عليه محمد إلهامى، حيث ارتكب الجريمة عندما احتقر الشعب المصرى، الذى اعتبر أن حالة الفخر بالحضارة المصرية التى تفجرت على هامش افتتاح المتحف المصرى هى تعبير عن انتماء مفاجئ. 

يسخر إلهامى من انتماء المصريين إلى وطنهم وحضارتهم، فهو بالنسبة له انتماء تحركه وتثيره مجموعة من المؤثرات البصرية والسمعية. 

يقول هذا المدعى الكاذب: الانتماء الذى تبعثه فى نفسك حفلة زينة وزخارف انتماء رخيص وحقير وتافه، والدليل على ذلك أنه بعد أيام سيزول هذا الفخر، ليعود إلى مكانه على هامش الحياة. 

يحاول محمد إلهامى أن يتذاكى علينا، فيقول: ترى كم واحدًا ممن ملأ الدنيا- هذين اليومين- فخرًا وافتخارًا بالفراعنة والمومياوات كان حريصًا فى كل أسبوع- أو حتى كل شهر- أن يذهب إلى معبد فرعونى أو متحف، وكم واحدًا منهم له شغف حقيقى يمارسه ويحرص عليه، يتابع فيه آثار الفراعنة: أوانيهم ونقودهم وأزياءهم ونقوشهم؟، وكم واحدًا إذا سئل عن نمط حياتهم الثقافى والاجتماعى والاقتصادى استطاع أن يذكر إجابة واضحة؟ 

يواصل إلهامى تذاكيه عندما يقول: بهذا تكتشف- عزيزى المواطن- أن انتماءك للفراعنة مجرد كلام فارغ ووهم خادع، وأسوأ من ذلك أن يكون انتماؤك مجرد لعبة يحركها الحاكم أمامك، فيثير انتماءك كما يثير بائع الألعاب لعاب الأطفال. 

وبرغبة شريرة ومنحطة يواصل إلهامى احتقاره للمصريين وتحقيرهم، فهو يقول: أليس حقيرًا أن يكون انتماؤك بيد الحاكم، يقيم لك حفلًا كى يثيره فيك، فإذا بهذا الحفل يقلبك من ساخط على الأوضاع الحقيرة التى تعيش فيها إلى مفتخر بعظمة البلد وبعظمة قائدها الحكيم؟، أليس حقيرًا أن يكون انتماؤك مثل جرعة المخدرات التى يعطيك إياها السيد الرئيس لكى يملك بها نفسك وروحك، ويجعلك جنديًا منبهرًا به، تشعر بالفخر بينما يرتكب هو فيك أنواع الجرائم، أو حتى يستعملك أنت بنفسك لترتكب فى غيرك أنواع الجرائم؟ أليس حقيرًا هذا الانتماء الذى يستطيع أن يخدر فيك مشاعر الإنسان، ويحيلك إلى مسخ؟ 

يمكننى ألا أعلق بقليل أو كثير على ما قاله محمد إلهامى الوجه الإخوانى البغيض، يمكننى أن أكتفى بأن أترك لكم التعليق عليه، والاشتباك معه، فهو يحط من قدر المصريين، يسىء إليهم، يحتقرهم، يحرضهم من طرف خفى، يحاول أن يدفعهم دفعًا إلى المعارضة والثورة. 

لكن ما أريد أن أقوله هو إن مثل هذا التافه الخاوى السطحى المتهاوى لا يعرف عن المصريين شيئًا، مثله فى ذلك مثل الإخوان، الذين أرادوا أن يحكموا شعبًا لا يعرفونه، فإذا بهذا الشعب يرفضهم ويلفظهم ويبعدهم بعيدًا عنه، لأنهم بالنسبة له غرباء. 

ولأنهم لا يعرفون هذا الشعب جيدًا، فإنهم يعتقدون أن بإمكانهم أن يخدعوه ويضحكوا عليه ويسوقونه إلى ما يريدون، ولا يرون فى علاقة المصريين بحكامهم الأصلاء إلا أنهم يضحكون عليهم، فلماذا لا يفعلون هم ذلك أيضًا. 

كل ما كتبه هؤلاء لا يكشف عن كراهيتهم للحضارة المصرية فقط، ولكنه يكشف عن كراهيتهم للشعب المصرى نفسه، ولكل ما يمثله، ولذلك فمهما فعلوا فلن يجدوا لأنفسهم مكانًا بينه.. هذا هو حكم التاريخ وحكم المصريين الذى لن يستطيع أن يرده أحد مهما فعل أو تخابث أو تذاكى.