الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

إيمان سيد عبدالكريم: كان يتندّر على مناداته بـ«يا دكتور ويا فنان» بـ«أنا مش عارف أنا مين؟»

حرف

كان يرى دوره فى الحياة دورًا واحدًا يلعبه بفن، فى الجامعة، كان أستاذًا بدرجة فنان، أما فى الفن، فكان فنانًا بدرجة أكاديمى، بهذه الكلمات بدأت إيمان سيد عبدالكريم حديثها عن والدها الفنان والأكاديمى، والذى وصفته بالحازم حاد الطباع حيث رزقه الله بـ4 بنات كان تستلزم تربيتهم معاملة من نوع خاص.

كما تحدثت السيدة إيمان عن حياته الفنية، حيث قالت: فى بعض الأحيان كان يرفض الأدوار إذا لم يشعر بأنها تتناسب مع شخصيته، لكن مع أسامة أنور عكاشة كان الأمر مختلفًا، حيث كان يقبل الأدوار ويعمل على تطويرها وتقديمها بشكل مميز.

حديث الذكريات عن الأستاذ الجامعى والفنان سيد عبدالكريم، تذكرت فيه الابنة حكايات عن الوالد، كواليس عن الفنان، مواقف فى المنزل ومشاهد من الجامعة، حواديت وتفاصيل تحدثت عنها الكاتبة الصحفية إيمان عبدالكريم فى حوارها مع «حرف».

■ فى البداية هل لنا أن نتعرف على أسرة الفنان الكبير سيد عبدالكريم؟

- والدى رحمه الله رحل وترك ٤ بنات، الابنة الكُبرى أمل أستاذ دكتور فى العلاقات الدولية بجامعة مصر، وأنا كاتبة صحفية فى الترتيب الثانى من حيث الأبناء، والابنة الثالثة إلهام مهندسة ديكور متخصصة فى التصميمات الداخلية والخارجية ومقيمة حاليًا فى الخارج. والصغرى هى أمنية، وتعمل فى تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها وحاليًا تقيم فى دبى.

■ أبو البنات.. بالتأكيد تربية وتنشئة ٤ بنات لها معايير وكواليس خاصة.. حدثينا عن سيد عبدالكريم الأب؟

- سيد عبدالكريم الأب لم يختلف كثيرًا عن الفنان، حيث كان إنسانًا بسيطًا جدًا فى بيته، بعيدًا عن أى مظهر غير طبيعى، لكن شخصيته وحكمته لم تظهر لى بشكل كامل إلا على مراحل، وخاصة بعد وفاته كانت الاكتشافات الكبرى، حيث كان أسلوبه فريدًا، لم يكن يأمرنا أو يمنحنا المعلومة بشكل مباشر، بل كان يعلمنا بـالتجربة العملية التى تحمل عمقًا وحكمة. وكان يضعنا فى مواقف لنرى كيف سنتصرف، وهذا الأسلوب كان تدعيمًا لنا فى ذلك الوقت، منذ أكثر من ستين عامًا.

■ هل تتذكرين مواقف يومية محددة تعكس هذا الأسلوب؟ 

- أتذكر موقفًا فى العيد، كان يقول لنا دائمًا إن «مفيش حد عاقل يخرج فى العيد» بسبب الزحام، فبدلًا من الخروج، كان يُنشئ لنا نشاطًا داخليًا، حيث كان يشترى ورق السيلوفان، ويُعلّمنا كيف نصنع المراكب والطائرات الورقية ونطيرها من البلكونة فى حى العجوزة، والعبرة والمفاجأة كانت فى نهاية اليوم، حيث طلب منا أن ننزل وننظف الشارع الذى امتلأ ببقايا ألعابنا! قال لنا: «طالما أنكم استمتعتم بشىء، عليكم أن تتحملوا مسئولية نتائجه»، لقد كانت هذه طريقته لتعليمنا المسئولية عمليًا حيث ننظف الشارع أمام كوبرى ٦ أكتوبر، وكان درسًا لا يُنسى، فهذا الأسلوب أثر فينا جميعًا بشكل كبير، حيث كانت حياته مليئة بالحكمة والتوجيه غير المباشر، وهذا ما جعلنا نتأثر ونستوعب المفاهيم بشكل عميق، أرى الآن أن كل ما فعله كان تدعيمًا لقيمنا، وهذا هو السر وراء الأسلوب التربوى لواحد من أعمدة الفن المصرى.

■ هل أثرت فكرة أبوته لأربع بنات فى تعامله الشديد وحزمه داخل المنزل؟

- بالتأكيد، كان أبًا حازمًا جدًا، محافظًا جدًا، ومن وجهة نظرى أن هذا الحزم ورثه من والده، حيث كان حازمًا أيضًا وشخصية شديدة فى التعامل، وكان دائمًا يسير حاملًا عكازًا من باب الهيبة، هذا العكاز الذى كان يستخدمه نفس العكاز الذى استخدمه والدى فى مسلسل «ليالى الحلمية» واستعمله فى تكسير قصر سليم البدرى، ورغم هذه الشدة فى طباع جدى إلا أنه من شجع والدى على إتمام الدكتوراه، وكان دائمًا يقول له: «اعمل لى اللى أنا عايزه الأول، وبعد كده تقدر تعمل اللى أنت عايزه»، كان دائمًا يؤمن أن كل شىء يجب أن يتم بشكل مضبوط، سواء فى التمثيل أو فى الدراسة.

■ وهل كان زوج حاد الطباع أيضًا من خلال رصدك لتعامله مع الوالدة؟

- نعم، كان حازمًا جدًا فى كل شىء، ولكنه كان أيضًا مساعدًا فى البيت. كان يطبخ، يقطع الخضار، يرتب الثلاجة. وكان يحرص على أن يكون كل شىء فى مكانه، وكان يعتبر أن البيت إذا فسد، فسدت الحياة بأكملها، ويعامل البيت كما المعمل أو غرفة العمليات، يجب أن تكون كل التفاصيل مرتبة جدًا.

■ حديثك عن الوالد يضعه فى قالب الرجل البيتوتى.. ألم يتعارض ذلك مع حياته الفنية المنفتحة؟

- هذا الأمر مر بأكثر من مرحلة، فى البداية كان هو ووالدتى يخرجان إلى صالونات ثقافية، ولم تكن مثل الخروجات التى نراها الآن، حيث كان ذلك فى إطار ومع أصدقاء درسوا فى ألمانيا وعاشوا فى الخارج، ثم بعد ذلك، بدأ بابا يدمج هذا العالم فى حياتنا، وأصبح البيت مكانًا مفتوحًا لأهم الشخصيات فى جميع المجالات: من علماء، وأدباء، وفنانين، وكان يزورنا العديد من الشخصيات المهمة مثل فتحية العسال وزوجها. وأيضًا شعراء مشاهير مثل جمال بخيت، حيث كان بيتنا مكانًا للقاء كبار الشخصيات فى الأدب والفن، وكان يشهد جلسات شعرية وسهرات ثقافية، وكانت تُسجل على كاسيتات.

■ مَن هم أقرب أصدقائه فى الوسط الفنى؟

- كان له الكثير من الأصدقاء، ولكن الشلة المقربة التى كانت تلتقى فى شقة واحدة وتقضى أوقاتًا طويلة هى شلة الإسكندرية، والتى كان يترأسها الكاتب أسامة أنور عكاشة، وضمت فنانين مثل محمود الجندى وعطية عويس.

■ الإسكندرية كانت لها مكانة خاصة لدى الوالد.. حدثينا عنها؟

- الإسكندرية كانت كل شىء بالنسبة له، كان يزورها فى الصيف عندما تكون لديه مسرحيات صيفية هناك، ويزور أهله. كما أنه كان يرسم بشكل جيد جدًا، ومعظم لوحاته التى لدينا هى رسومات بالرصاص ذات طابع إسكندرانى الهوى، يظهر فيها البحر والمراكب.

■ من تلك المنطقة الشخصية ننتقل إلى الفنية.. كيف كان يستعد فنان بحجم سيد عبدالكريم لأدواره؟

- كانت لديه طقوس خاصة جدًا، وبالتحديد عندما كان يتلقى دورًا من شخص آخر غير أسامة أنور عكاشة، حيث كان يقضى وقتًا فى قراءة السيناريو وتحديد ملامح الشخصية، وكان يضع خطوطًا تحت المقاطع المهمة التى يجب التركيز عليها، بعد ذلك، كان يسجل كل مشاهد الدور على كاسيت ويكررها باستمرار حتى يصل إلى قناعة كاملة بالشخصية وكيفية تقديمها.

■ علاقة الوالد بالسيناريست أسامة أنور عكاشة كانت ذات طابع خاص حيث قدم معه أغلب أعماله.. حدثينا عن تلك الكيميا وهل تعرضت لمطبات؟

- بالفعل، حيث شارك فى أغلب أعمال أسامة أنور عكاشة وكان له دور شبه محجوز فى أعماله، مثل «ليالى الحلمية والراية البيضا» وغيرهما، هذه العلاقة شهدت مطبًا بالفعل عند إعداد عكاشة لمسلسل «عفاريت السيالة»، حيث إن الوالد كان يجلس مع أسامة أنور عكاشة أثناء كتابة العمل، وربما كان يتوقع أن يكون له دور فيه، لكن الدور لم يُسند إليه، هذا الموقف لم يسبب له مشكلة نفسية فحسب، بل سبب له مشكلة فى القلب.

■ هل كان يرفض بعض الأدوار التى تعرض عليه لمعايير خاصة؟

- فى بعض الأحيان كان يرفض الأدوار إذا لم يشعر بأنها تتناسب مع شخصيته، لكن مع أسامة أنور عكاشة كان الأمر مختلفًا، حيث كان يقبل الأدوار ويعمل على تطويرها وتقديمها بشكل مميز، وكان دائمًا مقتنعًا أن التكرار هو ما يساعد على الحفظ والتجسيد الصحيح للدور.

■ والدك ليس مجرد فنان فحسب ولكنه دكتور وأستاذ جامعى.. هل كان ذلك يدفعه للحرج من تقديم بعض الأدوار.. مثل «حنفى السمّاك» فى «الراية البيضا» على سبيل المثال؟

- كان هناك بعض الأدوار التى لم يكن يوافق عليها تمامًا، مثلًا دور « حنفى السمّاك» فى «الراية البيضا» كان دورًا مختلفًا عن الشخصيات التى كان يحب أن يقدمها، ولكنه بعد أن قبله وجد ردود أفعال إيجابية غير متوقعة بل وتحول نزولنا للإسكندرية بعد المسلسل بمثابة تظاهرة حب وإشادة عن دوره فى المسلسل، فمعيار قبوله أو رفضه للأدوار كان رأى الجمهور وردود أفعاله، لكنه كان أيضًا يوازن بين ما يقدمه للجمهور وبين ما يشعر أنه يناسبه شخصيًا.

■ ما دام تطرقنا إلى عمله الأكاديمى كأستاذ جامعى.. هل ترى أن العمل الجامعى انتقص من مساحته ووقته الفنى؟

- عاش الوالد حالة من الاندماج بين كونه الفنان سيد عبدالكريم وكونه الأكاديمى الدكتور سيد أستاذ الجامعة، ومن وجهة نظرى أن هذه الازدواجية كـانت «سلالم» يصعد عليها، حيث كان يسمع فى الجامعة «يا فنان» وبالمقابل يسمع فى البلاتوه «يا دكتور»، كان يتنمر على هذه الازدواجية أحيانًا، ويقول: «أنا مش عارف أنا مين؟».

■.. وكيف تمكن من حل هذه المعادلة الصعبة بين الفن والعمل الأكاديمى؟

- حلها ببساطة، رأى أن دوره فى الحياة هو دور واحد يلعبه بفن، فى الجامعة، كان أستاذًا بدرجة فنان، حيث كان يدرّس بفن لدرجة أن محاضراته كان يحضرها طلاب من أقسام وسنوات مختلفة، أما فى الفن، فكان فنانًا بدرجة أكاديمى؛ كان يجرى دراسة وبحثًا «Research» متعمقًا لأبعاد الشخصيات التى يؤديها، وكان يلعب الدور بـ«بروفيسورية» ليوصل رسالة إنسانية لا تقل أهمية عن رسالته فى الجامعة.

■ كان الوالد معروفًا بانتمائه السياسى لحزب التجمع، كيف كانت علاقته بالقيادات السياسية التى تختلف معه أيديولوجيًا؟

- الوالد كان حزبويًا وكان معروفًا بانتمائه لحزب التجمع «خلفية ناصرية/ يسارية»، لكن فى تلك الحقبة، وأذكر أن الرئيس حسنى مبارك كان يحضر بعض العروض التى يشارك فيها الوالد، وكان يسلم عليه ولا يناديه إلا بـ«يا دكتور سيد»، وهذا يدل على الاحترام المتبادل رغم اختلاف التوجهات الحزبية.